ارتبط الوجود البشري منذ القدم بالعمل وعمارة الأرض والعمل هو السبيل الوحيد لتنمية المجتمعات ورقيها ونماء اقتصادها الوطني، وحتى لا يُصبح هذا العمل عائقاً يُهدد ويشكل خطرا على الإنسان كان لابد من توافر معايير واشتراطات تؤمن السلامة والحماية في بيئات العمل المختلفة، فمن حق العامل أن يحظى بعمل لائق ومأمون يُسهم في تعزيز قدرته على العمل ويعزز من إنتاجيته كمّاً ونوعاً ويضمن سلامته وصحته وتمتعه بالحماية والرفاه الاجتماعي.
وفي ظل التطور التقني والصناعي والتكنولوجي الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان في وقتنا الراهن ولما نشهده من تطور في الآلات والماكينات وتوسع العمليات التصنيعية وتعدد وسائل الإنتاج وتنوع الصناعات كصناعة النقل والصناعات الزراعية والصناعات التحويلية وصناعة الرعاية الصحية وصناعة البناء والتشييد، كل ذلك أدى إلى ارتفاع نسبة المخاطر التي ينبغي على الإنسان إدراكها وأخذ الحيطة والحذر من الوقوع في مسبباتها، بالإضافة إلى ما تلعبه ظروف الإنسان من عوامل صحية ونفسية قد تكون سببا في ارتفاع المخاطر في بيئات العمل المختلفة، ولا يقتصر الخطر في مواقع التصنيع والإنتاج فقط بل حتى العنف والتحرش والتنمر في بيئة العمل يندرج ضمن السلامة المهنية الواجب التنبه إليها في بيئة العمل .
تهدف قواعد السلامة والصحة المهنية العامة إلى تحقيق حماية العنصر البشري من الإصابات الناجمة عن مخاطر بيئة العمل وذلك بمنع تعرضهم للحوادث والإصابات والأمراض المهنية والحفاظ على مقـومات العنصر المادي المتمثل في المنشآت وما تحتويه من أجهزة ومعدات من التلف نتيجة للحوادث وتوفير وتنفيذ كل اشتراطات السلامة والصحة المهنية وصولاً إلى بيئة عمل آمنة ومستقرة يتمتع فيها العمال بأقصى درجات الوقاية من مخاطر العـمل والأمراض المهنية ورفع مستوى الوعي بأهمية سلامة وحماية الإنسان والممتلكات والبيئة المحيطة ليكون العامل قادراً على القيام بمهام وظيفته لما يسهم ذلك في زيادة وجودة بالإنتاج ويُحقق التنمية البشرية والاقتصادية.
السنوات الماضية شهدت الكثير من الكوارث 85 % منها كان الإنسان هو السبب الرئيسي في حدوثها بشكل مباشر و10 % بشكل غير مباشر و5% بظروف خارجة عن الإرادة البشرية، ومنها حادثة انفجار مفاعل تشرنوبيل النووي 1986 وحادثة تسرب الغاز السام من مصنع بوبال بالهند 1984، وما شهده مرفأ بيروت من انفجار هائل هزّ مدينة بيروت في 4 أغسطس 2020 أمثلة مؤلمة للكوارث الناتجة عن إهمال جوانب السلامة المهنية والكثير من الكوارث المرعبة التي شهدها التاريخ الحديث والتي يعود أغلبها إلى عدم كفاية إجراءات السلامة داخل هذه المصانع، من هذا المنطلق كان لا بد من خلق ثقافة أمنية ووسائل واشتراطات فعالة للتصدي للمخاطر والحد منها وذلك من خلال تطبيق كل تقنيات الأمن الصناعي التي تعمل على خفض حجم الكارثة بل ومنع حدوثها أو الحد من تداعياتها البشرية والمادية والبيئية والاقتصادية.
وإيماناً بهذه الأهمية أولت مملكة البحرين اشتراطات الصحة والسلامة المهنية في بيئات العمل أولوية قصوى وعملت على تأطيرها بالقوانين والتشريعات والضوابط الإدارية اللازمة التي تحد من المخاطر حيث أصدر وزير العمل قرارا وزاريا رقم (12) لسنة 2013 بشأن الإجراءات اللازمة للإبلاغ عن إصابات العمل والأمراض المهنية، كما صدر مرسوم بقانون رقم (25) لسنة 2009 بالموافقة على انضمام مملكة البحرين إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (155) لسنة 1981 بشأن السلامة والصحة المهنيتين وبيئة العمل، كما تحتفل وزارة الصحة باليوم العالمي والسلامة والصحة في العمل الذي يصادف 28 أبريل من كل عام، وتحرص وزارة العمل على تنظيم المؤتمرات والفعاليات المحلية والإقليمية والدولية في هذا المجال، هذا التوجه يعكس البعد الإنساني الذي تعمل حكومة مملكة البحرين من خلال منظومتها الـحـقـوقـيـة على تـرسـيـخه وذلك من أجل توفير بيئة عمل آمنة وصحية على الدوام، مما جعلها تتبوأ مركزاً متقدماً فـي اعـتـمـاد وتـطـبـيـق معايير واشتراطات الصحة والسلامة المهنية بما يضمن استدامة النمو في مختلف قطاعاتها الإنتاجية والاقتصادية والبشرية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك