تتسابق دول العالم في عقد المؤتمرات والورش العلمية لدراسة إمكانات إضفاء الطابع الذكي على مدنها، وإظهارها بأنها المدن الأفضل للعيش والتعايش الإنساني، والسعي إلى الحصول على مراتب متقدمة في مؤشر المدن الذكية (Innovation Cities™ Index)، والذي ظهر عام 2007م حيث يتم نشر تقارير دورية تتعلق بترتيب المدن اعتمادًا على تصنيف تطور المدن في نواح عديدة، يصل عددها إلى (162) مؤشرًا. كما أصبح هذا المجال حيزا ديناميكيا للمنافسة بين شركات التكنولوجيا والاتصالات وشركات التطوير العقاري، التي تتسابق في تقديم حلول في مجالات تسهم في دعم تطبيق مفهوم المدن الذكية على مستوى العالم، لاسيما بعد أن طـرح البنـك الـدولي شـعار «المدن هي المستقبل» في مقدمة التقريـر الـذي أصـدره في شهر ديسمبر 2015م والذي تضمـن خلاصة اسـتطلاعات الـرأي التـي أجرتهـا مجموعـة البنك الـدولي بعنـوان المـدن التنافسـية مـن أجـل الوظائـف والنمـو: مـاذا ومـن وكيـف؟ بهدف تعزيـز القـدرات التنافسـية للمـدن والارتقـاء بالمسـتويات المعيشـية للسـكان. وكانـت الإجابـة الأهـم ضمـن التقريـر هـي الاعتـماد عـلى نـماذج «الـمدن الذكيـة» في تطويـر البنيـة التحتيـة والخدمـات العامـة. وقد عرفت المدن الذكية Smart Cities بأنها المدن التي تستخدم حلولا تكنولوجية مبتكرة بهدف تحسين مستوى الحياة والخدمات التي يتلقاها المواطنون والزوار .
كما عرفت بشكل أكثر تفصيلا بأنها المدن التي تشهد عملية دمج تكنولوجيا ونظم المعلومات والاتصالات مع عمليات وأنظمة المدينة التقليدية لأجل تحسين إدارة العمليات المختلفة والأصول في المدينة، وبمشاركة جميع الأطراف الفاعلة فيها مثل (الحكومة – الهيئات والمؤسسات – القطاع العام والخاص – المواطنون) بإضفاء عناصر الذكاء على سير الأعمال في قطاعاتها المختلفة، ويقصد بالذكاء في هذا الميدان سرعة ودقة الاستجابة للمتطلبات وحل المشكلات والقضايا والانشغالات المختلفة التي تواجه الأطراف الفاعلة فيها عبر تحديدها وتحليلها باستخدام وتوظيف التقنيات المعاصرة، والتي لها القدرة على توفير كميات ضخمة من البيانات والمعلومات الآنية، وبما يسهم في إيجاد حلول أو التخفيف من حدة القضايا الحضرية والبيئية المتفاقمة، ويمكنها من بناء حلول تكنولوجية مبتكرة لإدارة مواردها وبناها التحتية، وعصرنة خدماتها مثل الخدمات اللوجستية، وشبكات التزويد بالمياه، وشبكات التزود بالطاقة النظيفة، وتخطيط وتنفيذ عمليات التخضير للمحافظة على بيئة صحية، فضلا عن مجالات المدن الذكية الواعدة الأخرى، مثل النهوض بقطاع الصحة وإعادة هيكلته وفقا للنظم الذكية، والاستخدامات المجتمعية للمشروعات العقارية، والمواصلات، والشبكات التعليمية، والاستدامة، والحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة ضبط الأمن، وخدمات إطفاء الحرائق وتحقيق مزيد من الرفاهية للسكان واستخدام الروبوتات في إنجاز الكثير من المهام في المدن الذكية وغيرها الكثير من الخدمات التي تستند على الذكاء الاصطناعي و التقنيات الأخرى المعاصرة. ويشمل مفهوم المدن الذكية أيضا جوانب اجتماعية عديدة تقود إلى توفير حياة أفضل لسكان المدن. من ضمنها مثلا فكرة المشاركة (Link Sharing) أو إشراك المواطن في تخطيط مشرعات كبيرة في المدينة، والإسهام في وضع تصور عن المدينة التي يتطلع للعيش فيها. وبما يؤدي إلى الارتقاء بجودة الحياة في المدن الذكية.
وانطلاقا من سعي حكومة مملكة البحرين لإضفاء الطابع الذكي على نشاطات إداراتها التنفيذية ومؤسساتها العامة، فضلا عن مؤسسات القطاع الخاص وإنفاذا لرؤية مملكة البحرين الاقتصادية 2030 وتوجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء، فإنها تدفع باتجاه المزيد من الأنشطة العلمية والعملية التي تسهم في تحقيق استراتيجية المدن الذكية خدمة لشعب البحرين الذكي. ومنها قمة البحرين للمدن الذكية والتي انطلقت نسختها السابعة برعاية الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس الوزراء خلال المدة (5-6) من شهر مارس الجاري بمركز الخليج للمؤتمرات في المنامة.
وبتنظيم من شركة سمارت وي المتخصصة بتنظيم المعارض والملتقيات.
وقد ساهم في حضور القمة وتقديم أوراقها النقاشية مجموعة منتخبة من الخبراء والمتحدثين من ذوي الاختصاص في مجال المدن الذكية واستدامة المدن، والتطوير العقاري، بالإضافة إلى العديد من المهتمين الذين يمثلون القطاعين العام والخاص.
ومما ينبغي تأكيده أن مملكة البحرين تزخر بالعديد من الفرص والإمكانات التي تجعل من الممكن تحويل محافظاتها وقطاعاتها المتعددة، التي تشهد نهضة عقارية متواصلة، إلى مدن ذكية. ومنها ما تم عرضه في القمة بمشروعات عديدة قائمة، خاصة وأنها نفذت مجموعة من المبادرات الهادفة إلى التحول نحو المدن الذكية في إطار سعيها للتحول الرقمي والتقني الشامل.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك