نادرا ما يتم الحكم على نجاح أو فشل فترة ولاية الرئيس الأمريكي من خلال ما إذا كان قد أنجز الأجندة التي وضعها لنفسه في حملته الانتخابية أم لا.
أما المقياس الأكثر أهمية فهو يتعلق بمدى فعالية الرؤساء الأمريكيين في الاستجابة للتحديات غير المتوقعة التي يواجهونها. وفي أغلب الأحيان، تنشأ هذه التحديات غير المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط.
قبل أسبوع واحد من هجوم حماس على إسرائيل في يوم 7 أكتوبر 2024م، نُقل عن مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن قوله:
«دخلت الحرب في اليمن شهرها التاسع عشر من الهدنة، وقد توقفت الآن الهجمات الإيرانية ضد القوات الأمريكية، ووجودنا في العراق مستقر، وأؤكد في الوقت الحالي أن كل ذلك يمكن أن يتغير.... لقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط اليوم أكثر هدوءا مما كانت عليه طوال عقدين من الزمن. والآن لا تزال هناك تحديات... ولكن مقدار الوقت الذي يتعين علي أن أقضيه في الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط اليوم مقارنة بأي من أسلافي منذ أحداث 11 سبتمبر قد تقلص بشكل كبير...».
لقد أدت الهجمات الإسرائيلية على لبنان إلى مقتل ما يقرب من 200 شخص، بينهم نساء وأطفال، وعدد من الصحفيين، كما شردت ما يقدر بنحو 90 ألف لبناني من منازلهم بسبب القصف الهمجي المستمر عبر الحدود بين مليشيا حزب الله اللبناني وإسرائيل.
وتواصل المليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا تحدي القوات الأمريكية في المنطقة؛ كما تسببت حركة الحوثيين، وهي حليف إيراني آخر في اليمن، في خلق الفوضى من خلال مهاجمة السفن في البحر الأحمر.
وغني عن القول إن سلطات البيت الأبيض تتسبب بإهمالها في جعل العالم العربي مصدر قلق دائم -وهو أمر لم يتوقعه الساسة في الإدارة الأمريكية ولم يكونوا مستعدين له.
وهذا أمر لا يقتصر على إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، فمنذ نهاية حرب فيتنام، وعلى الرغم من بذل قصارى جهدهم، كان لكل رئيس أمريكي مسار يتشكل في فترة وجوده في منصبه من خلال الصراع والأخطاء الفادحة المتكررة في العالم العربي.
خلال نصف القرن الماضي، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية المزيد من الأسلحة، وأنفقت المزيد من الأموال، وخصصت المزيد من القوات، وخسرت المزيد من الأرواح، وأنفقت المزيد من رأس المال السياسي في العالم العربي أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك، فقد فشلنا مرارًا وتكرارًا.
لا تكمن المشكلة فقط في الحروب والأرواح والكنوز والهيبة والثقة التي ضاعت. فالأمر يتمثل في أننا لم نعترف أبدًا بهذه الإخفاقات، أو كنا ببساطة غافلين عنها.
ومن المثير للدهشة أنه خلال هذه الفترة بأكملها، لم يناقش المرشحون المتنافسون على الرئاسة مطلقًا السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بجدية، كما أنهم لم يقوموا قط بتصحيح مسار نهجنا تجاه المنطقة.
ونادرا ما دعتهم وسائل الإعلام إلى مساءلة سياساتهم غير الكافية. وهكذا، نستمر في الفشل وفي كل مرة نفاجأ بفشلنا أو بغفلتنا عن الأخطاء، وذلك لثلاثة أسباب مهمة هي كالآتي:
أولا، نحن لا نعرف طبيعة المنطقة وشعوبها. يرى الكثير من صناع القرار في بلادنا منطقة الشرق الأوسط من خلال عدسة إسرائيل، بدلاً من أن ينظر إلى إسرائيل من خلال العالم العربي.
ولهذا السبب فشلنا في الاعتراف بمركزية قضية فلسطين بالنسبة إلى الشعب العربي. منذ عام 1948، كانت فلسطين ومصير الفلسطينيين بمثابة «الجرح في القلب العربي الذي لم يلتئم أبدًا».
ومرة تلو الأخرى، أعلن صناع السياسات الأمريكية أن هذه القضية ماتت أو بذلوا جهوداً لتهميشها، ولكنهم فوجئوا عندما اندلعت أعمال العنف في فلسطين وأعادت تأكيد مركزيتها في الوعي العربي.
وكانت النتيجة الطبيعية لذلك رفضنا الاعتراف بالعواقب المترتبة على القيود التي فرضناها على أنفسنا بشأن كيفية تعاملنا مع الشرق الأوسط. وبسبب الاعتبارات السياسية الداخلية، فإن القلق على إسرائيل يشكل حجر الزاوية في كثير من القرارات السياسية التي يتم اتخاذها في واشنطن.
نحن لا نتحدى إسرائيل أو نعاقبها على سلوكها السيئ أو حتى على انتهاكاتها للقانون الأمريكي، والتنكيل بالفلسطينيين. ولضمان حماية إسرائيل، أصررنا على الهيمنة على عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ورفضنا السماح للآخرين بالمشاركة في صنع القرار أو قبول تحدياتهم لدورنا المهيمن.
وأخيرا، لم ندرك في الولايات المتحدة مدى التأثير الكارثي الذي تخلفه سياساتنا الفاشلة على الثقة التي نحتاجها لمواصلة القيادة التي نصر على الحصول عليها في سعينا إلى تشكيل مستقبل منطقة الشرق الأوسط.
وفيما يلي قائمة بسيطة من المفاجآت التي أربكت الرؤساء الأمريكيين منذ عهد إدارة نيكسون/فورد قبل نصف قرن من الزمان. لقد حدثت جميعها لأننا لم نفهم الديناميكيات التي تؤثر في جميع أنحاء المنطقة، وما كان يفكر فيه العرب بشأن حياتهم، واحتياجاتهم، وتطلعاتهم للمستقبل. كل من هذه الأحداث المهمة شكلت رئاسات أولئك الذين حاولوا إدارتها أثناء وجودهم في مناصبهم.
لنتمعن جيدا في تأثير حرب 1973 والحظر النفطي العربي على إدارتي فورد وكارتر. أو كيف تشكلت فترة الرئيس جيمي كارتر في منصبه من خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل وما نتج عنها من اتفاقيات كامب ديفيد، والتي أعقبتها الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن.
كان على الرئيس رونالد ريغان أن يتعامل مع الغزو الإسرائيلي الدموي للبنان عام 1982، ومقتل أكثر من 240 من مشاة البحرية الأمريكية الذين كانوا في وضع يسمح لهم بتسهيل انسحاب إسرائيل من بيروت، والحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات، وفضيحة إيران/كونترا التي قامت بها إدارته، التي سعت إلى اللعب على جانبي الصراع.
لقد استيقظت إدارة بوش الأولى على الغزو العراقي المفاجئ للكويت، واستغرقت أشهراً في تشكيل تحالف دولي لتحرير الكويت، ثم استخدمت مكانتها السياسية لعقد مؤتمر دولي للسلام لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
لقد فشل ذلك المؤتمر، كما فشلت الجهود التي سبقته، لأننا كنا قد قيدنا أيدينا قبل أكثر من عقد من الزمن حين وعدنا إسرائيل بعدم التحدث أبداً مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وهكذا فاجأت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية الرئيس بيل كلينتون بجهودهما التفاوضية التي كانت غير مكتملة بسبب عدم تكافؤ ميزان القوى بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولأن الولايات المتحدة رفضت توفير مثل هذا التوازن، فإن السنوات التي تلت أوسلو كانت صعوداً وهبوطاً مع عدم وجود خطوات جادة نحو السلام واستمرار الاحتلال الوحشي مع تصاعد التوتر الذي لا ينتهي في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بدأت سنوات بوش بهجوم 11 سبتمبر المدمر والانتفاضة الفلسطينية الثانية. وفي الحالتين كانت ردود بوش الابن على هذه «المفاجآت» معيبة وشائنة.
وبالتوافق مع منظري المحافظين الجدد الذين سيطروا على إدارته، شرع بوش في إشعال فتيل حربين مضللتين دمرتا أفغانستان والعراق وكلفت الولايات المتحدة أرواحاً وثروات وهيبة وقدرة على القيادة في المنطقة والعالم.
وقد حاول الرئيس باراك أوباما تعويض هذه الخسائر، ولكن خطاباً واحداً دون تغيير في السياسة لم يكن كافياً. إن عجز أوباما عن التخطيط بفعالية للانسحاب من العراق، وتحدي إسرائيل بحزم بسبب رفضها السعي إلى تحقيق السلام بشكل هادف، وتخبطه وافتقاره إلى الفهم في مواجهة انتفاضات الربيع العربي كانت إخفاقات دفعت إدارته نتيجتها ثمنا باهظا.
وكانت المفاجآت الوحيدة التي حدثت في عهد دونالد ترامب هي تحركاته الأحادية الجانب لإزالة عبارة «الأراضي المحتلة» من قاموس وزارة الخارجية وقبول ضم إسرائيل «للقدس الشرقية» ومرتفعات الجولان.
وقد دفع ذلك بعض الدول العربية إلى التحرك لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في محاولة لمنع المزيد من التحركات الإسرائيلية نحو الضم. لكن إسرائيل، التي شجعها دعم واشنطن، ظلت متعنتة.
في ضوء هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن تفشل إدارة بايدن في فهم هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 أو الرد عليه بشكل مناسب، وهجوم الإبادة الجماعية الإسرائيلي اللاحق، ورد الفعل العاطفي العميق في العالم العربي.
ليست هذه حالة استثنائية، ولكنها أيضا لا يمكن تبريرها. لقد سلكنا هذا الطريق مرات عديدة وما زلنا نقاد من قِبل نفس صناع السياسات الذين فشلوا في الماضي، ولم يتعلموا، ويبدو أنهم مصممون على الفشل مرة أخرى. ونظراً لحجم الخسائر البشرية الآن، في النهاية، لن يتم الحكم على رئاسة بايدن من خلال نجاحاته المحلية ــوهي كثيرةــ بل من خلال إخفاقاته في الشرق الأوسط.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك