العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حروب الجبناء.. حروب التجويع.. غزة أنموذجًا

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٣ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

تنص‭ ‬الأعراف‭ ‬الدولية‭ ‬والحقوقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬وكل‭ ‬الأنظمة‭ ‬والقوانين‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التشريعات‭ ‬السماوية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الإنسانية‭ ‬أنه‭ ‬يمنع‭ ‬تجويع‭ ‬الإنسان‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬ظرف‭ ‬كان،‭ ‬وهذه‭ ‬بديهية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مناقشتها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إنكارها‭ ‬أو‭ ‬غض‭ ‬الطرف‭ ‬عنها‭.‬

والتجويع‭ ‬حسب‭ ‬تعريفات‭ ‬العُرف‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات‭ ‬أو‭ ‬الإجراءات‭ ‬أو‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬أو‭ ‬إزالة‭ ‬أو‭ ‬تعطيل‭ ‬الأعيان‭ ‬والمواد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬لبقاء‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬مثل‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والمناطق‭ ‬الزراعية‭ ‬والمراعي‭ ‬والثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬والمنشآت‭ ‬وإمدادات‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬وأعمال‭ ‬الري،‭ ‬وقوارب‭ ‬الصيد،‭ ‬أو‭ ‬تلويث‭ ‬المناطق‭ ‬الحيوية‭ ‬بالألغام‭ ‬ومخلفات‭ ‬الحرب،‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬الإتاوات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬والمنشآت‭ ‬التي‭ ‬تدر‭ ‬دخولًا‭ ‬على‭ ‬أصحابها‭ ‬والعاملين‭ ‬فيها‭.‬

ويضيف‭ ‬كتاب‭ (‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬العرفي‭ ‬‭ ‬المجلد‭ ‬الأول‭) ‬أن‭ ‬التجويع‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬فقط‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭ ‬أو‭ ‬التزويد‭ ‬غير‭ ‬الكافي‭ ‬بها،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬سلع‭ ‬غير‭ ‬غذائية‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬لبقاء‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين،‭ ‬كالأدوية‭ ‬والبطانيات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭.‬

وتاريخيًا‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬أثيرت‭ ‬حروب‭ ‬التجويع‭ ‬على‭ ‬الملأ،‭ ‬إذ‭ ‬عانت‭ ‬الجماهير‭ ‬المدنية‭ ‬المحاصَرة‭ ‬من‭ ‬التجويع،‭ ‬ثم‭ ‬جرى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬شرعية‭ ‬تجويع‭ ‬المدنيين‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭ ‬لإجبار‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬الاستسلام‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭.‬

وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬البنود‭ ‬والنصوص‭ ‬القانونية،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬مما‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬بُد،‭ ‬فإننا‭ ‬إن‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نؤصل‭ ‬لمفهوم‭ (‬حرب‭ ‬التجويع‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬بعض‭ ‬البنود،‭ ‬منها‭ ‬نصّ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1919،‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لجنة‭ ‬المسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬أنشئت‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬أن‭ (‬تعمّد‭ ‬تجويع‭ ‬المدنيين‭) ‬يشكّل‭ ‬انتهاكًا‭ ‬لقوانين‭ ‬وأعراف‭ ‬الحرب،‭ ‬ويعرّض‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬للملاحقة‭ ‬الجزائية‭. ‬وقد‭ ‬قُنّن‭ ‬حظر‭ ‬التجويع‭ ‬كأسلوب‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬[54‭ (‬1‭)‬]‭ ‬من‭ ‬البروتوكول‭ ‬الإضافي‭ ‬الأول‭. ‬وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬اعتُبر‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬جديدًا‭ ‬عند‭ ‬اعتماد‭ ‬البروتوكول‭ ‬الإضافي‭ ‬الأول،‭ ‬ولكنه‭ ‬ترسّخ‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬كقاعدة‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬العرفي‭. ‬وبمقتضى‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬فإنّ‭ (‬تعمّد‭ ‬تجويع‭ ‬المدنيين‭ ‬كأسلوب‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭) ‬يشكّل‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة‭ ‬الدولية‭. ‬

ويرد‭ ‬حظر‭ ‬التجويع‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬كتيّبات‭ ‬الدليل‭ ‬العسكري،‭ ‬وبمقتضى‭ ‬تشريعات‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬إذ‭ ‬يعتبر‭ ‬تجويع‭ ‬المدنيين‭ ‬كأسلوب‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬جرمًا‭. ‬وتدعم‭ ‬بيانات‭ ‬رسمية‭ ‬وممارسة‭ ‬أخرى‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة،‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬تلك‭ ‬الخاصة‭ ‬بدول‭ ‬ليست،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬أطرافًا‭ ‬في‭ ‬البروتوكول‭ ‬الإضافي‭ ‬الأول،‭ ‬وقد‭ ‬أدينت‭ ‬الممارسة‭ ‬المناقضة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬أو‭ ‬تبرأ‭ ‬منها‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬اتهم‭ ‬بها‭.‬

حسنٌ،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الأعراف‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬القوانين،‭ ‬ترى‭ ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬ترتيب‭ ‬التواريخ‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬فيها‭ ‬التصريحات؟

في‭ ‬5‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭ ‬وبحسب‭ (‬برنامج‭ ‬الأغذية‭ ‬العالمي‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬خطرا‭ ‬جديا‭ ‬من‭ ‬التجويع‭ ‬والمجاعة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬قال‭ ‬مسؤولون‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إن‭ ‬1‭.‬9‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬85%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‮ ‬نازحون‭ ‬داخليًا،‭ ‬وقالوا‭ ‬إن‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬الآخذة‭ ‬في‭ ‬التقلص‭ ‬قد‭ ‬تصبح‭ ‬كالجحيم‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭.‬

وفي‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬صرّح كبير‭ ‬مسؤولي‭ ‬الإغاثة‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ (‬مارتن‭ ‬غريفيث‭) ‬بأن‭ ‬الحملة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬غزة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ظروف‭ (‬مروعة‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬القيام‭ ‬بعمليات‭ ‬إنسانية‭ ‬مجدية‭.‬

قال‭ ‬تقرير‭ (‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭) ‬نشر‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تستخدم‭ ‬تجويع‭ ‬المدنيين‭ ‬أسلوبًا‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬المحتل،‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭. ‬يتعمد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬منع‭ ‬إيصال‭ ‬المياه،‭ ‬والغذاء،‭ ‬والوقود،‭ ‬بينما‭ ‬يعرقل‭ ‬عمدًا‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬يجرّف‭ ‬المناطق‭ ‬الزراعية،‭ ‬ويحرم‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬لبقائهم‮»‬‭.‬

قال عمر‭ ‬شاكر‭ ‬مدير‭ ‬شؤون‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفلسطين‭ ‬في‭ (‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭) ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬نفسه‭: ‬‮«‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬شهرين،‭ ‬تحرم‭ ‬إسرائيل‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬الغذاء‭ ‬والمياه،‭ ‬وهي‭ ‬سياسة‭ ‬حث‭ ‬عليها‭ ‬مسؤولون‭ ‬إسرائيليون‭ ‬كبار‭ ‬أو‭ ‬أيّدوها‭ ‬وتعكس‭ ‬نية‭ ‬تجويع‭ ‬المدنيين‭ ‬كأسلوب‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭. ‬على‭ ‬زعماء‭ ‬العالم‭ ‬رفع‭ ‬أصواتهم‭ ‬ضد‭ ‬جريمة‭ ‬الحرب‭ ‬البغيضة‭ ‬هذه،‭ ‬ذات‭ ‬الآثار‭ ‬المدمرة‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬غزة‮»‬‭.‬

ويستمر‭ ‬التقرير‭ ‬فيقول‭: ‬تُظهر‭ ‬صور‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬عالية‭ ‬الدقة‭ ‬استخدام‭ ‬الجرافات‭ ‬لتدمير‭ ‬الحقول‭ ‬والبساتين،‭ ‬ويمكن‭ ‬رؤية‭ ‬آثار‭ ‬سير‭ ‬الجرافات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أكوام‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬السابقة‭. ‬وسواء‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬التجريف‭ ‬المتعمد،‭ ‬أو‭ ‬الأضرار‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬القتال،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ري‭ ‬الأرض‭ ‬أو‭ ‬استصلاحها،‭ ‬فقد‭ ‬تقلصت‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العمليات‭ ‬البرية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬كما‭ ‬تضررت‭ ‬المزارع‭ ‬والمزارعون‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬غزة‭.‬

ووجدت‭ ‬منظمة‭ (‬العمل‭ ‬ضد‭ ‬الجوع‭) ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬113‭ ‬مزارعًا‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬غزة‭ ‬شملهم‭ ‬الاستطلاع‭ ‬بين‭ ‬19‭ ‬و31‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬60%‭ ‬من‭ ‬ممتلكاتهم‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬محاصيلهم‭ ‬تضررت،‭ ‬و42%‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬لري‭ ‬مزارعهم،‭ ‬و43%‭ ‬إنهم‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬حصاد‭ ‬محاصيلهم‭.‬

في‭ ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬قال‭ ‬خبير‭ ‬المجاعة‭ (‬أليكس‭ ‬دي‭ ‬وال‭) ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭: ‬إن‭ ‬المجاعة‭ ‬تحدث‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬فرضت‭ ‬إسرائيل‭ ‬حصارًا‭ ‬كاملاً‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬ونفذت‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية حملة‭ ‬قصف‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق الذي‭ ‬دمرت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬اللازمة‭ ‬لاستمرار‭ ‬الحياة‭. ‬والتجويع‭ ‬المتعمد‭ ‬للمدنيين‭ ‬هو‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬والادعاء‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تخلق‭ ‬خطر‭ ‬الموت‭ ‬جوعًا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬محوري‮ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬متهمة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭. ‬ويواصل‭ ‬ويقول‭: ‬قريبًا،‭ ‬فلن‭ ‬يمر‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬الأطفال‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬الموت‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والمرض‭.‬

في‭ ‬22‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬قال‭ ‬مقرر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الخاص‭ ‬المعني‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬الغذاء،‭ (‬مايكل‭ ‬فخري‭): ‬‮«‬لا‭ ‬أستغرب‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬المجاعة‭ ‬ستكون‭ ‬شاملة‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬فبراير‮»‬‭.‬

وأوضح‭ ‬فخري‭ ‬أنه‭ ‬حذر‭ ‬سابقًا،‭ ‬قبل‭ ‬تقدم‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬رفح‭ ‬جنوب‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬من‭ ‬‮«‬الوضع‭ ‬الخطير‭ ‬حيث‭ ‬يعاني‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬الجوع‮»‬‭. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ربع‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬كانوا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وأن‭ ‬الجوع‭ ‬والمجاعة‭ ‬الخطيرة‭ ‬كانا‭ ‬يقتربان‮»‬،‭ ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬قررت‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬تعليق‭ ‬المساعدات‭ ‬لوكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لغوث‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬أونروا‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬أهم‭ ‬وكالة‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

وأضاف‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬يمكن‭ ‬لسكان‭ ‬غزة‭ ‬الصمود‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬فالمساعدات‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إليهم‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬لإبقائهم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‮»‬،‭ ‬وحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬الجوع‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬‮«‬موتًا‭ ‬بطيئًا‭ ‬ومؤلمًا،‭ ‬ويتواصل‭ ‬تأثيره‭ ‬لأشهر‭ ‬وسنوات‭ ‬بل‭ ‬وعقود‭ ‬قادمة‮»‬‭.‬

وأضاف‭ ‬موضحًا‭: ‬‮«‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬اليوم،‭ ‬فإن‭ ‬الجوع‭ ‬سيؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬طفل‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬335‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ ‬دون‭ ‬سن‭ ‬الخامسة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬معرضون‭ ‬لخطر‭ ‬الإصابات‭ ‬الجسدية‭ ‬الدائمة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬ضعف‭ ‬الإدراك‮»‬‭.‬

وحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬مستوى‭ ‬الجوع‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬نشهده‭ ‬سابقًا،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬نر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شعبًا‭ ‬بأكمله‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الجوع‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭.‬

وفي‭ ‬26‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬اتهمت‭ ‬منظمة‭ (‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭)‬،‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بعدم‭ ‬تطبيق‭ ‬قرارات‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬شهر‭ ‬يناير،‭ ‬وقالت‭ ‬المنظمة‭ ‬إن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لم‭ ‬تلتزم‭ ‬بإجراء‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬الملزم‭ ‬قانونًا‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

وأمرت‭ ‬المحكمة‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬يناير‭ ‬الماضي‭ ‬بـ‭(‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬فورية‭ ‬وفعالة‭ ‬لتمكين‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬والمساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تشتد‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها‭)‬،‭ ‬وأن‭ ‬تفعل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعها‭ ‬لمنع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وتقديم‭ ‬تقرير‭ ‬عن‭ ‬امتثالها‭ ‬للقرارات‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭.‬

وقالت‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬شهر،‭ ‬تواصل‭ ‬إسرائيل‭ ‬عرقلة‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬ودخول‭ ‬وتوزيع‭ ‬الوقود‭ ‬والمساعدات‭ ‬المنقذة‭ ‬للحياة‭ ‬داخل‭ ‬غزة،‭ ‬وهي‭ ‬بمثابة‭ ‬عقاب‭ ‬جماعي،‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وتشمل‭ ‬استخدام‭ ‬تجويع‭ ‬المدنيين‭ ‬كسلاح‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الحرب‮»‬‭.‬

وأضافت‭ ‬المنظمة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬صدور‭ ‬الحكم،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأسابيع‭ ‬التي‭ ‬سبقته‭ ‬‮«‬دخل‭ ‬عدد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الشاحنات‭ ‬إلى‭ ‬غزة،‭ ‬وتم‭ ‬السماح‭ ‬لعدد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬بعثات‭ ‬الإغاثة‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬شمال‭ ‬غزة،‭ ‬وفقًا‭ ‬لمكتب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لتنسيق‭ ‬الشؤون‭ ‬الإنسانية‭ (‬أوتشا‭)‬‮»‬‭.‬

واعتبر‭ ‬مدير‭ ‬مكتب‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفلسطين‭ ‬في‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش،‭ ‬عمر‭ ‬شاكر،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تقوم‭ ‬بتجويع‭ ‬2.3‭ ‬مليون‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬مما‭ ‬يعرضهم‭ ‬لخطر‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬كانوا‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬أمر‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬الملزم‮»‬‭.‬

وأضاف‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬تجاهلت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ببساطة‭ ‬حكم‭ ‬المحكمة،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬النواحي‭ ‬كثفت‭ ‬قمعها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عرقلة‭ ‬المساعدات‭ ‬المنقذة‭ ‬للحياة‮»‬‭.‬

هكذا‭ ‬تدار‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬اليوم،‭ ‬التجويع‭ ‬يضرب‭ ‬شعبًا‭ ‬بأكمله،‭ ‬وهذا‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيض،‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬المقاتل،‭ ‬فتتجه‭ ‬إلى‭ ‬المواطن‭ ‬البريء‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬والعالم‭ ‬يسمع‭ ‬ويندد،‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يحرك‭ ‬ساكنا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا