فيما تمضي مملكة البحرين في تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي، التي أطلقتها في أكتوبر 2021 بعد جائحة كورونا، فقد قاد نمو القطاعات غير النفطية الاقتصاد البحريني في 2023، وغدت هذه القطاعات بالفعل تمثل النسبة الأكبر في هيكل الناتج المحلي الإجمالي، فيما حققه الاقتصاد من نمو في الربع الثالث لعام 2023 بلغ 2.5% بالأسعار الثابتة على أساس سنوي، كان مدعومًا بارتفاع نمو القطاعات غير النفطية بنسبة 4.5%، بعد أن بلغت نسبة هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة 83.6%.
ووفقا للبيانات الأولية الصادرة عن هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية، فقد استقر مؤشر التضخم عند نسبة 0.2%، ما يشير إلى كفاءة السياسات التي أدت إلى هذه النتيجة، برغم الأوضاع العالمية، المتسمة بشكل عام بارتفاع معدلات التضخم، وما اتبعه الفيدرالي الأمريكي، بشأنها من رفع مستمر لأسعار الفائدة، وقد قاد القطاعات غير النفطية في هذا النمو قطاع السياحة، بنسبة نمو 9.4%، نتيجة لارتفاع معدلات إشغال الفنادق، بنسبة إشغال في الربع الثالث نحو 49%، وزيادة الليالي السياحية بنسبة 17.9%، لتصل إلى 4.8 ملايين ليلة سياحية.
وكان القطاع الثاني في معدلات النمو هو قطاع المشروعات المالية، محققًا نموا بمقدار 8.4%، فيما أصبح يمثل 18.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وأصبح يقود القطاعات الاقتصادية من حيث المساهمة في هذا الناتج. وجاء في المرتبة الثالثة قطاع التجارة محققًا نسبة نمو 5.9%، ثم قطاع الأنشطة العقارية 2.8%. وتجاوزت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الثالث 1.2 مليار دينار بحريني، ليصل رصيده إلى 15.9 مليار دينار، بزيادة قدرها 19.4% على أساس سنوي.
وبالفعل، ظهر هذا النمو للاقتصاد البحريني في عدد من التقارير الدولية، إذ حلت المملكة في المرتبة 44 عالميًا، ضمن مؤشر تنافسية المواهب العالمي 2023، وحافظت على مركزها الأول خليجيًا ضمن مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 2023، وجاءت في المركز الرابع عالميًا ضمن تقرير التنمية المالية الإسلامية 2023، وغدت ضمن الدول الـ10 الأولى عالميًا في مؤشر تنمية المعلومات والاتصالات 2023، مسجلة 96.5 من أصل 100 نقطة.
وفي يوليو الماضي، أشادت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي، إلى البحرين بما قطعته البلاد من خطوات مهمة في تنويع اقتصادها، أدت إلى تراجع اعتماده على الهيدروكربونات، لاسيما من حيث الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإيرادات المالية، بعد أن حقق نمو الناتج المحلي الإجمالي للبحرين 4.9% في 2022، مدفوعًا بالاقتصاد غير النفطي، الذي نما بنسبة لافتة بلغت 6.2% في أعلى معدل تسجله المملكة في 10 أعوام، وكان هذا النمو مدفوعًا بشكل أساسي بقطاع الخدمات المالية وقطاع الضيافة، فضلاً عن التصنيع، فيما غدا الاقتصاد البحريني أحد أكثر الاقتصادات تنوعًا في مجلس التعاون الخليجي.
وفي يوليو الماضي أيضًا توقعت وكالة فيتش سوليوشنز، تحقيق المملكة نموًا إيجابيًا، في إيرادات قطاع السياحة خلال 2023، وتوقعت أن تحقق 4.8 مليارات دولار من هذا القطاع، في مقابل 4 مليارات دولار حققتها في 2022، بزيادة 50% على المستهدف، فيما أكدت فاطمة بنت جعفر الصيرفي، وزيرة السياحة في أغسطس الماضي، أن مؤشرات النمو التي حققها القطاع، قد تجاوزت ما هو مرسوم في استراتيجية البحرين السياحية (2022–2026)، التي تسعى أن تصل مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 11.4% في 2026.
وتأكيدًا لهذا التحليل، اعتمدت هذه الاستراتيجية أربع أولويات؛ هي تسهيل الدخول، والجذب السياحي والتسويق والترويج، والإقامة. وفي النصف الأول لعام 2023 قفز إجمالي عدد الزوار الوافدين لأغراض السياحة إلى 5.9 ملايين، مقارنة مع 3.9 ملايين في الفترة نفسها عام 2022 بزيادة 51%، وزاد إجمالي عدد الليالي السياحية بنسبة 54%، لتصل إلى 8.9 ملايين ليلة سياحية، مقابل 5.8 ملايين ليلة سياحية لنفس الفترة عام 2022، كما ارتفع إجمالي إيرادات السياحة الوافدة في النصف الأول لعام 2023 بنسبة 48% لتصل إلى 924 مليون دينار، مقارنة مع 623 مليون دينار لنفس الفترة عام 2022.
علاوة على ذلك، أعلنت منظمة السياحة العالمية، في أكتوبر الماضي اختيار المملكة لاستضافة النسخة التاسعة من المنتدى العالمي لسياحة الأطعمة 2024، في ضوء ما تتميز به من مقومات سياحية وترفيهية، وكواجهة من أبرز الواجهات في فنون الطهي على مستوى الشرق الأوسط، وفي نفس الشهر تم اختيار المنامة عاصمة للسياحة الخليجية 2024، خلال اجتماع الوزراء المسؤولين عن السياحة في مجلس التعاون الخليجي.
وفي النصف الأول لعام 2023 أضاف قطاع المشروعات المالية، للاقتصاد البحريني 1.19 مليار دينار، مقارنة بـ1.13 مليار دينار لنفس الفترة من عام 2022، وبنسبة نمو 4.8% بالأسعار الجارية. وقد توزعت هذه الإضافة بين المؤسسات المالية المحلية 409 ملايين دينار، والمؤسسات المالية الخارجية 401 مليون دينار، وقطاع التأمين 365 مليون دينار. وفي أكتوبر 2023، احتضن مركز البحرين العالمي للمعارض، منتدى مستقبل التكنولوجيا المالية، بحضور أكثر من 900 مشارك من بينهم أبرز القيادات الإقليمية والمالية في القطاع المالي، وذلك بعد وصول الابتكار في البيئة الداعمة للتكنولوجيا المالية في البحرين إلى آفاق جديدة، مدعومًا بجهود التحول الرقمي على مستوى المملكة.
ومن المعلوم، أن مملكة البحرين قد تميزت تقليديًا كمركز مال وأعمال المنطقة الخليجية، بإجمالي 356 مؤسسة مالية، يبلغ إجمالي عدد العاملين فيها أكثر من 14 ألفا بنسبة بحرنة 69%، فيما يبلغ العدد الإجمالي للبنوك 86، منها بنوك تجزئة 30 وبنوك جملة 56، وعدد مؤسسات التأمين المصرح لها 138.
وفي مجال الصناعة، أطلقت وزارة الصناعة والتجارة برنامج المصانع الذكية، الذي يستهدف تحويل 300 مصنع إلى مصانع متقدمة ومستدامة بحلول 2026، علاوة على تدشين برنامج تكامل لتعزيز المحتوى المحلي في الصناعة، إضافة إلى انضمام البحرين إلى الشراكة الصناعية التكاملية إلى جانب الإمارات، والأردن، ومصر.
وفي إطار خطة التعافي الاقتصادي، أطلقت المملكة في أبريل الماضي الرخصة الذهبية، والمشروعات التي تتأهل للحصول عليها هي التي توفر أكثر من 500 وظيفة محلية أو تقوم باستثمار أكثر من 50 مليون دولار خلال أول 5 سنوات لها في البحرين. وتعزز هذه الرخصة تنافسية البحرين لجذب الاستثمارات ونموها الاقتصادي، وتشجع التحول الرقمي للاقتصاد، وتمنح الشركات محلية أو أجنبية. وبمقتضاها تتمتع بمزايا أولوية في تخصيص الأراضي، والبنية التحتية والخدمات، وتيسير الوصول إلى الخدمات الحكومية، والدعم من صناديق التنمية المحلية، فيما تستهدف خطة التعافي الاقتصادي استقطاب 2.5 مليار دولار استثمارات مباشرة بنهاية 2023. وفي يونيو الماضي، منحت البحرين الرخصة الذهبية لـ5 مشاريع بقيمة 1.4 مليار دولار، ومن المتوقع أن تسهم المشاريع الجديدة ومشروعات توسعة الأعمال في خلق1400 فرصة وظيفة محلية خلال السنوات الثلاث القادمة، في قطاعات الخدمات المالية والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وفي نفس السياق، أصدرت هيئة تنظيم سوق العمل، في يوليو 2023 قرارها رقم (8)، بشأن اعتماد الخطة الوطنية لسوق العمل (2023–2026)، مستهدفة خلق فرص عمل نوعية للمواطنين لجعلهم الخيار الأفضل للتوظيف، ومواءمة مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتنمية الاستثمارات المحلية والأجنبية في المملكة، فيما أنجزت وزارة العمل الخطة الوطنية لسوق العمل (2021–2023) بنسبة 91% من مبادراتها، التي استهدفت تطوير وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين الباحثين عن عمل، لضمان حصولهم على الفرص الوظيفية المناسبة، وتقليص فارق التكلفة بين العامل البحريني والأجنبي.
على العموم، عكس نمو القطاعات غير النفطية، جهود تحقيق برنامج عمل الحكومة (2023–2026)، الذي يقوم على أولويات رفع المستوى المعيشي للمواطنين بما يحافظ على مكتسباتهم، والعدالة، والأمن والاستقرار، والتعافي الاقتصادي، والتنمية المستدامة، وخدمات حكومية ذات جودة وتنافسية. ولتحقيقه كانت ميزانية المملكة (2023– 2024)، وفيما انخفض العجز الفعلي في الميزانية في النصف الأول لعام 2023 بنسبة 2% عن تقديرات الموازنة، ليصل إلى 1.01 مليار دولار، ففي الاجتماع المشترك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تم التوافق على الالتزام بأهداف برنامج التوازن المالي، والاستمرار في تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات للوصول إلى نقطة التوازن، وتم تحديد الأولوية لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، وإطلاق مبادرات لزيادة رواتب المواطنين في القطاع الخاص، وإلى هذا تمضي البحرين في تنفيذ مشروعات خطة التعافي الاقتصادي، لبناء اقتصاد متنوع متحرر من الاعتماد على النفط، يوفر فرص عمل نوعية للمواطنين، ويرفع مستوى معيشتهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك