العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا هذا الاهتمام المفاجئ بالقمر؟

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الثلاثاء ٢٧ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬خبر‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬فوربس‮»‬‭ ‬المهتمة‭ ‬بالجوانب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬مليارديرات‭ ‬يُكرسون‭ ‬شركاتهم‭ ‬لمساعدة‭ ‬ناسا‭ ‬في‭ ‬مهمتها‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬القمر‮»‬‭. ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬الخبر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬يقودها،‭ ‬أو‭ ‬يدعمها‭ ‬المليارديرات،‭ ‬تضخ‭ ‬استثماراتها‭ ‬لاستكشاف‭ ‬الفضاء،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬المهمات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالنزول‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬ومنها‭ ‬شركة‭ ‬‭(‬Intuitive‭ ‬Machines‭) ‬و‭(‬Astrobotic‭ ‬Technology‭)‬،‭ ‬و‭(‬Sierra‭ ‬Nevada‭ ‬Corporation‭)‬،‭ ‬وشركة‭ ‬إيلون‭ ‬ماسك‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬منصة‭ ‬‮«‬إكس‮»‬،‭ ‬وشركة‭ (‬Firefly Aerospace)، و(Moon Express)،‭ ‬وشركة‭ ‬(Vast)‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عشرات‭ ‬الشركات‭ ‬الأخرى‭.‬

فلماذا‭ ‬إذن‭ ‬يتنافس‭ ‬أصحاب‭ ‬المليارات‭ ‬إلى‭ ‬غزو‭ ‬الفضاء‭ ‬العميق؟

ولماذا‭ ‬تتسابق‭ ‬الشركات‭ ‬العظمى‭ ‬بإنفاق‭ ‬المليارات‭ ‬لتحقيق‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬النزول‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرحلات‭ ‬الدورية‭ ‬المستمرة؟

فلا‭ ‬شك‭ ‬لدي‭ ‬أن‭ ‬أصحاب‭ ‬المليارات‭ ‬لا‭ ‬يضعون‭ ‬أموالهم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬عبثاً‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬جدوى‭ ‬مالي‭ ‬كبير‭ ‬ومضمون‭ ‬يدير‭ ‬عليهم‭ ‬بالربح‭ ‬الوفير‭ ‬والكبير‭ ‬والازدهار‭ ‬والنمو،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬عندي‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬لا‭ ‬تُضيِّع‭ ‬ولا‭ ‬ترمي‭ ‬بثرواتها‭ ‬وأموال‭ ‬المساهمين‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬فاشلة‭ ‬لا‭ ‬عوائد‭ ‬اقتصادية‭ ‬جمة‭ ‬منها‭.‬

فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صيداً‭ ‬ثميناً‭ ‬ووفيراً‭ ‬يمكن‭ ‬اغتنامه‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الفضاء‭ ‬الشاسعة،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كنزاً‭ ‬عظيماً‭ ‬مخزوناً‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬القمر،‭ ‬مما‭ ‬يجعلهم‭ ‬يلهثون‭ ‬سريعاً‭ ‬وراء‭ ‬استغلاله‭ ‬لأنفسهم،‭ ‬واحتكاره‭ ‬لهم‭.‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬فإنه‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬التقليدية‭ ‬المعروفة‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬في‭ ‬ريادتها‭ ‬في‭ ‬غزوها‭ ‬للفضاء‭ ‬واستكشاف‭ ‬خفاياه‭ ‬وأسراره،‭ ‬وخاصة‭ ‬الهبوط‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬السباق‭ ‬والتنافس‭ ‬المحتدمين‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬سابقاً،‭ ‬وإضافة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬ولجت‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬الاستثماري‭ ‬الجديد،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬دولا‭ ‬نامية‭ ‬جديدة‭ ‬بدأت‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بهذا‭ ‬المجال‭ ‬الفسيح‭ ‬والفرصة‭ ‬الاستثمارية‭ ‬الفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬مثل‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬واليابان،‭ ‬والهند،‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ .‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬عوامل،‭ ‬بحسب‭ ‬كل‭ ‬شركة‭ ‬وكل‭ ‬دولة،‭ ‬تفسر‭ ‬بزوغ‭ ‬فجر‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المتعاظمة‭ ‬دولياً‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬وباطن‭ ‬الأرض،‭ ‬وأعماق‭ ‬المحيطات‭ ‬المظلمة‭ ‬والشديدة‭ ‬البرودة،‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العليا‭. ‬

أما‭ ‬العامل‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬رغبة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬إشراك‭ ‬الدول‭ ‬والشركات‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬برامج‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام،‭ ‬وبرنامج‭ ‬الهبوط‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭. ‬فهذه‭ ‬البرامج‭ ‬باهظة‭ ‬التكاليف،‭ ‬وترهق‭ ‬كاهل‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تنفق‭ ‬عليها‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مساعدة‭ ‬خارجية،‭ ‬فهي‭ ‬تُقدر‭ ‬بمئات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هناك‭ ‬دول‭ ‬نامية‭ ‬تريد‭ ‬تحقيق‭ ‬المجد‭ ‬والعزة‭ ‬والفخر‭ ‬لدولها‭ ‬وشعوبها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الولوج‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء،‭ ‬ولن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬والخبرة‭ ‬والتقنية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأجهزة‭ ‬والمعدات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬الفضاء‭. ‬فهذه‭ ‬الحالة‭ ‬تذكرني‭ ‬بالسباق‭ ‬المحموم‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وألمانيا‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬أول‭ ‬قنبلة‭ ‬ذرية،‭ ‬ثم‭ ‬دخلت‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنافسة‭ ‬منها‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬والصين،‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬والهند،‭ ‬وباكستان،‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تَعْتَبر‭ ‬امتلاك‭ ‬قنبلة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬النووية‭ ‬هي‭ ‬للترهيب‭ ‬والردع،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬المجد‭ ‬والفخر‭ ‬القومي،‭ ‬وإنجاز‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إنتاج‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬الذرية‭.‬

وأما‭ ‬العامل‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬اقتصادي‭ ‬واستثماري‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬حيث‭ ‬تريد‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى،‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تحتل‮»‬‭ ‬القمر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تسخر‭ ‬وتستغل‭ ‬كل‭ ‬مواردها‭ ‬وثرواتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬بالضبط‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬خيرات‭ ‬وثروات‭ ‬الأرض‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬استنفدت‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬كافة‭ ‬الموارد‭ ‬الأرضية‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬واستغلتها‭ ‬أبشع‭ ‬استغلال‭ ‬وبشكل‭ ‬مفرط‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬وبدأت‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬تشح‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مواقع‭ ‬أخرى‭ ‬أينما‭ ‬كانت،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬السماء،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬الفسيح‭ ‬والكواكب‭ ‬والكويكبات‭ ‬التي‭ ‬تحوم‭ ‬حول‭ ‬الأرض،‭ ‬فقد‭ ‬تُشْبعْ‭ ‬جشع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والشركات‭ ‬الصناعية‭ ‬العملاقة‭.‬

فمن‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬بدونها‭ ‬واكتشفت‭ ‬في‭ ‬القمر‭ ‬هي‭ ‬جزيئات‭ ‬المياه،‭ ‬فوجود‭ ‬المياه‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬نوعٍ‭ ‬ما،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فإن‭ ‬جزيء‭ ‬الماء‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬الأكسجين‭ ‬والهيدروجين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬كوقود‭ ‬للصواريخ،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬قد‭ ‬يجعل‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬مؤهلاً‭ ‬لإنشاء‭ ‬قاعدة،‭ ‬أو‭ ‬محطة‭ ‬ترانزيت‭ ‬للتزود‭ ‬بالوقود‭ ‬للعمليات‭ ‬والمهمات‭ ‬الاستكشافية‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الفضاء‭ ‬السحيقة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬القمر‭ ‬سيتحول‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الاستكشافات‭ ‬الفضائية‭ ‬البعيدة‭. ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬دراسة‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬جزيئات‭ ‬المياه‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬الكويكبات‭ ‬(asteroids)‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬القمر،‭ ‬حسب‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬علم‭ ‬الكواكب‮»‬ (The Planetary Science) في‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬اكتشاف‭ ‬جزيء‭ ‬الماء‭ ‬على‭ ‬الكوكيبات‭ ‬اللامائية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬البحث‭ ‬بدراسة‭ ‬أربعة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الكويكبات‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬‮«‬إس‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تأكيد‭ ‬وجود‭ ‬جزيئات‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬اثنتين‭ ‬من‭ ‬الكويكبات،‭ ‬فهي‭ ‬إذن‭ ‬ليست‭ ‬صخوراً‭ ‬ميتة‭ ‬لا‭ ‬روح‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬حياة،‭ ‬وإنما‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬أساس‭ ‬الحياة‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الماء‭. ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الكويكبات‭ ‬غنية‭ ‬بالعناصر‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬بوفرة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬تلبية‭ ‬حاجة‭ ‬البشرية‭ ‬عند‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬النظيفة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العناصر،‭ ‬ولذلك‭ ‬يمكن‭ ‬للقمر‭ ‬وهذه‭ ‬الكوكيبات‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصدراً‭ ‬لهذه‭ ‬المعادن‭ ‬للإنسان‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هناك‭ ‬مصدر‭ ‬آخر‭ ‬للطاقة‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬القمر‭ ‬وهو‭ ‬عنصر‭ ‬الهيليوم‭.‬

وأما‭ ‬العامل‭ ‬الثالث‭ ‬فهو‭ ‬أمني‭ ‬وعسكري،‭ ‬وبخاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى‭ ‬المتقدمة‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والصين‭. ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أسست‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ترامب‭ ‬فرعاً‭ ‬متخصصاً‭ ‬وفريداً‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬ضمن‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬الفضاء‮»‬‭ (‬Space‭ ‬Force‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬تَكُون‭ ‬لهذه‭ ‬القوة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬ناسا‭ ‬وشركات‭ ‬استثمارية‭ ‬خاصة‭ ‬أخرى‭ ‬مهمات‭ ‬عسكرية‭ ‬كاحتلال‭ ‬مواقع‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬للقيام‭ ‬بمهمات‭ ‬أمنية‭ ‬فضائية،‭ ‬كتدمير‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية‭ ‬محددة،‭ ‬أو‭ ‬تعطيلها،‭ ‬أو‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬عملها‭ ‬بالهجمات‭ ‬السيبرانية‭. ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬المهمات‭ ‬وضع‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬مدارات‭ ‬الأرض‭ ‬المنخفضة،‭ ‬أو‭ ‬إجراء‭ ‬تجارب‭ ‬نووية‭ ‬وغير‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أفادت‭ ‬تقارير‭ ‬أمريكية‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬‮«‬جون‭ ‬كيربي‮»‬‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‮»‬،‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬تنوي‭ ‬وضع‭ ‬قنابل‭ ‬ذرية‭ ‬في‭ ‬المدارات‭ ‬الفضائية‭ ‬حول‭ ‬الأرض،‭ ‬أو‭ ‬أسلحة‭ ‬مضادة‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ (‬super‭ ‬weapons‭) ‬باستخدام‭ ‬صواريخ‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭. ‬

ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬الفضائية‭ ‬وعلى‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬هو‭: ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الفسيح؟‭ ‬ومن‭ ‬يمتلك‭ ‬القمر‭ ‬حتى‭ ‬تقوم‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬باحتلاله‭ ‬واستغلاله‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬وأمنياً،‭ ‬وعسكرياً؟

فملكية‭ ‬الفضاء‭ ‬كملكية‭ ‬مناطق‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭ ‬وفي‭ ‬التربة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬المحيطات،‭ ‬فمن‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية‭ ‬كلها‭ ‬موارد‭ ‬عامة‭ ‬مشتركة‭ ‬لجميع‭ ‬البشر،‭ ‬والمنافع‭ ‬التي‭ ‬تُستخلص‭ ‬وتستخرج‭ ‬منها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعمَّ‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬وكل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬لأية‭ ‬دولة‭ ‬أن‭ ‬تعبث‭ ‬فيها‭ ‬فساداً،‭ ‬وتستبيح‭ ‬حرماتها،‭ ‬وتستأثر‭ ‬بخيراتها‭ ‬وثرواتها‭. ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬النظرية،‭ ‬فقد‭ ‬غزت‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬الفضاء‭ ‬والكواكب‭ ‬والكويكبات،‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬أسرارها،‭ ‬والشروع‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬مواردها،‭ ‬ولن‭ ‬تستطيع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬قاطبة‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجهها،‭ ‬أو‭ ‬مطالبتها‭ ‬بالاشتراك‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخيرات‭ ‬الفضائية‭. ‬وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬اتفاقية‭ ‬دولية‭ ‬بشأن‭ ‬قانون‭ ‬الفضاء‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭: ‬‮«‬معاهدة‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‮»‬‭ ‬لعام‭ ‬1967(Outer space treaty)‭ ‬وتُقدم‭ ‬المبادئ‭ ‬المنظمة‭ ‬لأنشطة‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬استكشاف‭ ‬واستخدام‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القمر‭ ‬والأجرام‭ ‬السماوية‭ ‬الأخرى‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬مبادئ‭ ‬المعاهدة‭ ‬الحظر‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والأطراف‭ ‬في‭ ‬المعاهدة‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬أسلحة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬مدار‭ ‬الأرض،‭ ‬أو‭ ‬تثبيتها‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬جرم‭ ‬سماوي،‭ ‬أو‭ ‬محطة‭ ‬فضاء‭. ‬كما‭ ‬تنص‭ ‬المعاهدة‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القيام‭ ‬باستكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لمنفعة‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬لأن‭ ‬الفضاء‭ ‬تراث‭ ‬عالمي‭ ‬مشترك‭. ‬

وهذه‭ ‬المعاهدة‭ ‬الأممية‭ ‬كباقي‭ ‬المعاهدات‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬تحت‭ ‬مظلمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬ملزمة‭ ‬للدول،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬أية‭ ‬آلية‭ ‬لمراقبة‭ ‬تنفيذ‭ ‬بنودها‭ ‬ومعاقبة‭ ‬المخالفين‭ ‬لها،‭ ‬ولذلك‭ ‬فالدول‭ ‬العظمى‭ ‬المتنفذة‭ ‬والقوية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬وتسيطر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدات،‭ ‬وتوجه‭ ‬بوصلتها‭ ‬نحو‭ ‬مصالحها‭ ‬القومية‭. ‬

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا