العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الولايات المتحدة تنصح بالشيء وتمارس عكسه!

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الاثنين ٢٦ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

جاء‭ ‬في‭ ‬الأخبار،‭ ‬وتحديدا،‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬الموافق‭ ‬17‭/‬2‭/‬2024‭ ‬أن‭ ‬جهات‭ ‬أمنية‭ ‬وسياسية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬أمريكية‭ ‬حذرت‭ ‬من‭ ‬تنامي‭ ‬العداء‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عربيا‭ ‬وإسلاميا‭ ‬بل‭ ‬وعالميا‭ ‬بسبب‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬‮«‬قطاع‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬تدرس‭ ‬الأمر‭ ‬محاولة‭ ‬وضع‭ ‬حلول‭ ‬مناسبة‭ ‬له‭!!‬

‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬20‭/‬2‭/‬2024،‭ ‬تمارس‭ (‬الفيتو‭) ‬ضد‭ ‬اقتراح‭ ‬الجزائر‭ ‬القاضي‭ ‬بوقف‭ ‬القتال‭ ‬فوراً‭ ‬سامحة‭ ‬باستمرار‭ ‬المذبحة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬أهل‭ ‬‮«‬قطاع‭ ‬غزة‮»‬‭!! ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬نستذكر‭ ‬تحذير‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ (‬لويد‭ ‬أوستن‭) ‬لحكومة‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬حين‭ ‬حذر‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائها‭ (‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭) ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬تخاطر‭ ‬باستبدال‭ ‬نصر‭ ‬تكتيكي‭ ‬بهزيمة‭ ‬استراتيجية‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬استمرار‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بالقيام‭ ‬فيما‭ ‬يفعله‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬وإبادة‭ ‬وقتل‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬يكسبها‭ ‬‮«‬المعركة‭ ‬لكنه‭ ‬يخسرها‭ ‬الحرب‮»‬‭. ‬وجوهر‭ ‬المقصود‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحذير‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬سيلي‭ ‬سيكون‭ ‬جيلاً‭ ‬كارهاً،‭ ‬جيلاً‭ ‬منتقماً،‭ ‬جيلاً‭ ‬مقاوماً‭.‬

الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بقوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬منيت‭ ‬بهزائم‭ ‬قاسية‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬عديدة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أحدثت‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المستهدفة‭ ‬دمارا‭ ‬هائلا،‭ ‬وحققت،‭ ‬كما‭ ‬تدعي،‭ ‬انتصارات‭ ‬عسكرية‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬تكسر‭ ‬إرادة‭ ‬‮«‬أعدائها‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬ييأسوا‭ ‬بل‭ ‬صمدوا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬وقاتلوه‭.‬

هذا‭ ‬الجيش‭ ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬ينسحب‭ ‬بعد‭ ‬اعترافه‭ ‬بالهزيمة‭ ‬رغم‭ ‬‮«‬انتصارات‭ ‬عسكرية‮»‬‭ ‬يحققها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لكنه‭ ‬دائماً‭ ‬يعود‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتى‭. ‬فمثلاً،‭ ‬قتل‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفيتناميين‭ ‬خلال‭ ‬9‭ ‬سنوات‭ ‬لكنه‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬معترفا‭ ‬بهزيمته‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬فشل‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬2001‭ ‬وقتل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬أفغاني‭ ‬لكنه‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬عاما‭ ‬عاد‭ ‬فانسحب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬وسلم‭ ‬الحكم‭ ‬للحركة‭. ‬وفي‭ ‬العراق،‭ ‬ومنذ‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي،‭ ‬قتل‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬المليون‭ ‬عراقي‭ ‬لكن‭ ‬غالبية‭ ‬القوات‭ ‬الغازية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬غادرت‭.‬

لا‭ ‬خلاف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬الذي‭ ‬يواجهه‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬‮«‬قطاع‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬أثر‭ ‬بشكل‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬إلى‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لهذا‭ ‬الأخير‭ ‬والتنديد‭ ‬بجرائمه‭. ‬وتواليا،‭ ‬تتصاعد‭ ‬المظاهرات‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬العالم‭ ‬ضد‭ ‬مجازر‭ ‬‮«‬الكيان‮»‬‭ ‬اليومية،‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬انتقادات‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والأممية،‭ ‬وتحرك‭ ‬آلاف‭ ‬المحامين‭ ‬والهيئات‭ ‬الحقوقية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لمحاكمة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية‭.‬

ألا‭ ‬ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬نفسها‭ (‬كسب‭ ‬المعركة‭ ‬لكن‭ ‬خسارة‭ ‬الحرب‭) ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬دعمت‭ ‬ومازالت‭ ‬تدعم‭ ‬الجهد‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭! ‬وبالفم‭ ‬الملآن‭ ‬نسمعها‭ ‬بصراحة‭ (‬أو‭ ‬قل‭ ‬بوقاحة‭) ‬وهي‭ ‬تردد‭ ‬إنها‭ ‬تسعى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬تخفيف‮»‬‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين؟‭! ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬نجدها‭ ‬لا‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وقف‭ ‬العدوان‭ ‬بل‭ ‬تبرر‭ ‬لها‭ ‬الاستمرار‭ ‬فيه‭!! ‬هذا‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬التأييد‭ ‬السياسي‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المحافل‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ (‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭)‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حمى‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬من‭ ‬عقوبات‭ ‬مستحقة‭ ‬ويبرز‭ ‬السؤال‭: ‬ألم‭ ‬تخسر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬والعراق‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ولدت‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الكره‭ ‬الكبير‭ ‬لها‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬ولدت‭ ‬حالة‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬المقت‭ ‬الشديد‭ ‬لها‭ ‬رغم‭ ‬محاولات‭ ‬بعض‭ ‬المتنفذين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬تصوير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكره‭ ‬وذاك‭ ‬المقت‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬إيراني‭ ‬شيعي،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬قائم‭ ‬وبقوة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الشارع‭ ‬السني‭ ‬أيضاً‭.‬

الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬تتعلم‭ ‬من‭ ‬تجاربها،‭ ‬فهي‭ ‬قد‭ ‬سخرت‭ ‬العالم‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالحها‭ ‬ونصبت‭ ‬نفسها‭ ‬شرطيا‭ ‬وقاضيا‭ ‬عليه،‭ ‬ولهذا‭ ‬خاضت‭ ‬حروبا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الجغرافيات‭ ‬وبلا‭ ‬هوادة،‭ ‬واعتمدت‭ ‬المؤامرات‭ ‬والعمليات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬الخاصة‭ ‬والحروب‭ ‬القذرة‭ ‬وتمويل‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية‭. ‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬نختم‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬المفكر‭ ‬الأمريكي‭ ‬اليهودي‭ ‬الشهير‭ (‬نعوم‭ ‬تشومسكي‭): ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يعتبروننا‭ ‬نظاما‭ ‬إرهابيا‭. ‬إن‭ ‬حملة‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬تأجيجها‭ ‬سياسات‭ ‬أمريكا‭ ‬تجاه‭ ‬المسألة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬والعراق‭. ‬

إن‭ ‬الطريق‭ ‬الوحيد‭ ‬أمام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتهدئة‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬رفضها‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الإجماع‭ ‬الدولي‭ ‬المنادي‭ ‬بحق‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بأن‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬وسلام،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬المحتلة‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬تتهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حكومة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بـ«قصر‭ ‬النظر‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬وسياساتها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬إنها‭ -‬هي‭ ‬نفسها‭- ‬مصابة‭ ‬بـ«قصر‭ ‬نظر‮»‬‭ ‬فادح،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬‮«‬ازدواجية‭ ‬في‭ ‬الرؤية‮»‬‭!! ‬وبعد‭ ‬ذلك،‭ ‬يسألون‭: ‬لماذا‭ ‬يكرهوننا؟‭! ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا