في مجتمعنا رغم ما حققته المرأة من نجاحات وإنجازات في كافة المجالات فإن نظرة المجتمع إلى المرأة الحامل قد تخللت كثيرا منا وتمكنت من السيطرة على عقلنا الباطن، فربة البيت تقلق على البيت والأولاد والدراسة وأمور البيت والمواعيد، أما المرأة العاملة (أيا كانت طبيعة عملها) فتبدأ كوابيس التعب والإجهاد والإجازات والمواعيد والبيت والدراسة، هكذا بدأت الدكتورة ندى عبدالعال طبيبة أمراض النساء والولادة حوارها معنا عن امتزاج شعور القلق مع الفرح خلال فترة الحمل، واستكملت قائلة:
لا أخفيكم سرا فقد مررت بتلك التجربة أيضا وشعور الفرحة المكسورة، فعملي مرهق جدا وساعات العمل طويلة وتتطلب قدرا عاليا من اللياقة والتركيز والدراسة المستمرة، ولكن كوني أعيش معكم في نفس المجتمع كنت أظن أن النجاح يعني تجاهل كل تلك المشاعر وإخفاءها تماما، بل التظاهر بأن تغيرات الحمل التي أدرك جيدا أنها فسيولوجية وليست مرضية لا تؤرق حياتي ولا تعوق كفاءتي بتاتا. كم الضغوطات النفسية التي تمر بها المرأة الحامل وخاصة العاملة منهن لن يستوعبه إلا من قد مر به.
بدأ الأمر طبيعي حتى سمعت تلك الجملة Pregnancy is a beautiful journey –الحمل رحلة جميلة- ومن هنا بدأت رحلة البحث عن حقيقة الأمر، نحن كأطباء نعرف من دراستنا أن التغيرات الهرمونية خلال فترة الحمل تسبب نوعا من اضطراب الهرمونات والإنزيمات المسؤولة عن الشعور بالحزن والسعادة ما يسبب ذلك الإحساس غير المبرر بالحزن وتقلب الحالة المزاجية؛ ولذلك للأسف نتعامل نحن الأطباء مع تلك الأعراض على أنها أعراض طبيعية تتأقلم معها الحامل مع الوقت وتتعامل معها معظم النساء كأنها أعراض لا يجب أبدا الإفصاح عنها أو ذكرها للطبيب. من هنا بدأت رحلة البحث في هذا الموضوع للإجابة عن هذا التساؤل والوقوف على حقيقة ما إذا كانت هناك حلول نأمل من خلالها معالجة اضطرابات القلق التي قد تصيب المرأة الحامل، وتؤثر سلبا على كل جوانب حياتها.
لقد قمت بالتعاون مع دكتورتي الغالية دكتورة عفاف الزهراني استشارية النساء والولادة بعمل دراسة بحثية تقتضي دراسة البحوث المنشورة سابقا التي درست بالتحديد اضطرابات القلق خلال الحمل، ونحن هنا نقصد القلق بالتحديد وليس الاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى. كانت نتيجة البحث بعد دراسة 69 بحثا تتناول نفس الموضوع أن نسبة حالات اضطرابات القلق في الحمل كانت تصل إلى 70% من النساء الحوامل. أثبتت الدراسة أيضا أن معظم الحالات التي شخصت باضطرابات القلق في الحمل بدأت في الثلث الثاني من الحمل أي من حوالي 12 أسبوعا، والجدير بالذكر أن الدراسة قد أثبتت أن أكثر النساء الذين شخصن باضطرابات القلق كن النساء العاملات، والنساء صغيرات السن، وأولئك اللاتي قد مررن بتجارب قاسية كفقدان جنين أو مضاعفات خلال الحمل أو الولادة.
وبعد هذه النتائج قررنا بالتعاون مع د. أبرار النشيط طبيبة النساء والولادة وبإشراف الجميلة د. ناهد كمال استشارية النساء والولادة إجراء دراسة مقطعية في مملكة البحرين لنتمكن من رصد نسبة الحالات غير المشخصة في مجتمعنا لننظر إن كانت هذه المشكلة في مجتمعنا تستحق تسليط الضوء عليها أم انها مشكلة بسيطة ولا تشكل مشكلة مجتمعية، وقد أظهرت النتائج أن 53% من الحالات المشاركة بالبحث يعانين من اضطرابات القلق أثناء الحمل من بينهن 15% يعانين اضطرابا شديدا وهن بحاجة إلى العلاج.
كما أشارت نتائج الدراسة إلى أن أكثر النساء عرضة للإصابة باضطرابات القلق في مجتمعنا كن النساء العاملات، كما تبين أيضا ان أكثر الحالات عانت من هذه المشكلة في الثلث الأخير من الحمل أي من بداية الشهر السابع، والنساء التي مرت بتجارب مؤلمة في حمل سابق.
ومن اللافت للانتباه أن أولئك اللاتي لم يخططن للحمل أو تم حدوث الحمل خلال استخدام أي من وسائل منع الحمل كن أكثر عرضة للإصابة باضطرابات القلق.
ومن هنا نتوجه للسادة المسؤولين بالنظر في طلبنا بإدراج عيادة خاصة بالصحة النفسية للمرأة الحامل في كل المراكز الصحية وعيادات الحوامل إيمانا منا بأن للصحة النفسية بالغ الأثر في كفاءة وإنتاجية المرأة الحامل ما له من بالغ الأثر على المجتمع ككل، كما أن الدعم النفسي سيساعدنا جميعا في جعل فترة الحمل رحلة جميلة ولن يسهم فقط في زيادة تواصل مشاعر الأم تجاه حملها وطفلها الجديد، بل سيسهم بشكل كبير في رفع كفاءة وإنتاجية المرأة الحامل في كل محافل الحياة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك