العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

تراها تبطي.. بس ما تخطي

في‭ ‬عالم‭ ‬الطيران،‭ ‬تحتفل‭ ‬المطارات‭ ‬بـ«التحية‭ ‬المائية‮»‬،‭ ‬عندما‭ ‬تدخل‭ ‬طائرة‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬تحية‭ ‬الطائرة‭ ‬عند‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬ومغادرتها‭ ‬من‭ ‬المطار‭ ‬للمرة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬تتم‭ ‬‮«‬التحية‭ ‬المائية‮»‬‭ ‬لحظة‭ ‬تقاعد‭ ‬طيار‭ ‬أو‭ ‬مراقب‭ ‬جوي،‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬الخدمة،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التكريم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الطيران‭.‬

وقد‭ ‬انتقل‭ ‬ذلك‭ ‬التقليد‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬السفن‭ ‬والمراكب،‭ ‬ومع‭ ‬القبطان‭ ‬البحري‭ ‬كذلك‭.. ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭ ‬الرياضية‭ ‬عند‭ ‬اعتزال‭ ‬لاعب‭ ‬قديم،‭ ‬أو‭ ‬لحظة‭ ‬انضمام‭ ‬لاعب‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬ناد‭ ‬آخر،‭ ‬ويسمى‭ ‬بـ‮«‬ممر‭ ‬الشرف‮»‬‭.. ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬عند‭ ‬أول‭ ‬مباراة‭ ‬يخوضها‭ ‬‮«‬فريق‭ ‬بطل‮»‬‭ ‬عقب‭ ‬تتويجه‭ ‬بأي‭ ‬لقب،‭ ‬بأن‭ ‬يقف‭ ‬له‭ ‬لاعبو‭ ‬الفريق‭ ‬المنافس‭ ‬بممر‭ ‬شرفي،‭ ‬تحية‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬المجهودات‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬لتحقيق‭ ‬البطولة‭.‬

ويقال‭ ‬إن‭ ‬فكرة‭ ‬هذا‭ ‬التقليد،‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬أولا‭ ‬عند‭ ‬عودة‭ ‬الجيوش‭ ‬منتصرة‭ ‬من‭ ‬الحروب،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬قواعد‭ ‬البروتوكول‭ ‬والمراسم‭ ‬لحظة‭ ‬استقبال‭ ‬السفراء‭ ‬والقادة‭ ‬والزعماء،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التحية‭ ‬والتكريم‭ ‬والتقدير‭.‬

في‭ ‬مجتمعات‭ ‬أخرى،‭ ‬بعضها‭ ‬عربية،‭ ‬تمارس‭ ‬عادة‭ ‬‮«‬رمي‭ ‬القلة‭ ‬وكسرها‮»‬،‭ ‬لحظة‭ ‬مغادرة‭ ‬جار‭ ‬السوء،‭ ‬أو‭ ‬خروج‭ ‬مسؤول‭ ‬سيئ‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬عادة‭ ‬‮«‬الاحتفالية‮»‬‭ ‬عند‭ ‬عملية‭ ‬الطلاق‭ ‬والانفصال،‭ ‬فتحتفل‭ ‬الزوجة‭ ‬بخلاصها‭ ‬من‭ ‬زوجها‭ ‬المتغطرس‭ ‬والمتعجرف‭.. ‬أعرف‭ ‬بعض‭ ‬الأسر‭ ‬والعائلات‭ ‬تقيم‭ ‬الممر‭ ‬الشرفي‭ ‬في‭ ‬احتفالية‭ ‬ذكرى‭ ‬يوم‭ ‬عيد‭ ‬ميلاد‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الأب،‭ ‬تقديرا‭ ‬للعطاء‭ ‬الأسري‭ ‬ووفاء‭ ‬للوالدين‭.  ‬

وربما‭ ‬لاحظ‭ ‬الجميع‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬أن‭ ‬الممر‭ ‬الشرفي‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭ ‬كذلك،‭ ‬لحظة‭ ‬تقاعد‭ ‬مسؤول‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬فيصطف‭ ‬له‭ ‬الموظفون‭ ‬للتحية‭ ‬عند‭ ‬التوديع،‭ ‬بعد‭ ‬لقائه‭ ‬مع‭ ‬المسؤول‭ ‬الجديد‭ ‬وإجراء‭ ‬عملية‭ ‬انتقال‭ ‬المهام‭ ‬والمسؤوليات‭.. ‬وتلك‭ ‬فكرة‭ ‬جميلة،‭ ‬تؤكد‭ ‬استمرارية‭ ‬العمل،‭ ‬مع‭ ‬تقدير‭ ‬العاملين‭.‬

ما‭ ‬يهمنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭.. ‬أن‭ ‬‮«‬التحية‭ ‬المائية‮»‬‭ ‬و«الممر‭ ‬الشرفي‮»‬،‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬أساليب،‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمعية‭ ‬وقيمة‭ ‬حضارية،‭ ‬إنسانية‭ ‬ومهنية،‭ ‬ثابتة‭ ‬وحاضرة‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭.. ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات،‭ ‬في‭ ‬الوزارات‭ ‬والهيئات،‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬تعزيزا‭ ‬لمبدأ‭ ‬التقدير‭ ‬والتكريم،‭ ‬والامتنان‭ ‬والتشجيع،‭ ‬والتنافسية‭ ‬العادلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمة‭ ‬الوطن‭ ‬والمؤسسة‭ ‬والناس‭.‬

ما‭ ‬يهمنا‭ ‬كذلك،‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬ومسؤول،‭ ‬أو‭ ‬أب‭ ‬وأم،‭ ‬أو‭ ‬مدرس‭ ‬وعامل،‭ ‬فيما‭ ‬سيتركه‭ ‬من‭ ‬ذكرى‭ ‬طيبة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الآخرين،‭ ‬بعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬انتهاء‭ ‬المسؤولية‭ ‬التي‭ ‬أسندت‭ ‬اليه،‭ ‬أو‭ ‬رحيله‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭.. ‬هل‭ ‬سيدعو‭ ‬له‭ ‬الناس‭ ‬بالخير،‭ ‬أم‭ ‬سيدعون‭ ‬عليه‭ ‬بالشر‭.. ‬وقديما‭ ‬قالت‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬دعوة‭ ‬الآخرين‭: ‬‮«‬تراها‭ ‬تبطي‭ ‬بس‭ ‬ما‭ ‬تخطي‮»‬‭.. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الاستجابة‭ ‬للدعاء‭ ‬قد‭ ‬تتأخر‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تخطئ،‭ ‬وتصيب‭ ‬بسهامها‭ ‬يوما‭ ‬ما‭.. ‬فاحذروا‭ ‬منها‭ ‬وتجنبوها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا