يتداول بين الحين والآخر على الساحة المحلية تطبيق قرار تغيير عطلة نهاية الأسبوع من «الجمعة والسبت» إلى «السبت والأحد»، وذلك لما لها من تأثيرات وجوانب اقتصادية مختلفة على إنتاجية الموظفين وأداء أصحاب الأعمال والمؤسسات الحكومية والخاصة، وينقسم عادةً رواد مواقع التواصل الاجتماعي وحتى رجال الأعمال بين مؤيدين لهذا القرار وآخرين محايدين والبعض معارض له.
في حين، قد تم تقديم الاقتراح برغبة بشأن تغيير عطلة نهاية الأسبوع لتكون السبت والأحد بدلاً من الجمعة والسبت من قبل النائب د. علي النعيمي، على أن يحسب يوم الجمعة نصف يوم عمل، وقد جاء في مبررات المقترح، ان تعديل الإجازة يأتي بما يتوافق مع النظام الاقتصادي العالمي ويقلّص فترة الانقطاع عن الأسواق العالمية من يومين إلى نصف يوم فقط. الإمارات، اتخذت هذه الخطوة قبل عامين، وتحديداً في يناير 2022، حيث تم تقليص أيام العمل في الأسبوع من خمسة إلى أربعة أيام ونصف، وتغيير عطلة نهاية الأسبوع من الجمعة والسبت إلى السبت والأحد، كما نص القرار على توحيد موعد إقامة خطبة وصلاة الجمعة، لتكون الساعة 1:15 ظهرا على مستوى الدولة طوال العام.
واعتبرت الحكومة أن القرار الجديد سيسهم «في تعزيز الترابط الأسري والتلاحم المجتمعي، وتحسين حياة الموظفين، وخاصة مع تمديد عطلة نهاية الأسبوع لتكون يومين ونصف».
يطرح الجدل حول الإجازات العديد من التساؤلات حول تأثير ذلك على الاقتصاد الكلي، في ظل تنامي الدراسات العالمية التي تناقش تلك الفكرة من جانبي التنمية البشرية والاقتصادية، وارتباط تحسين نفسية العامل والموظف بزيادة الإنتاج.
محلياً، بالطبع لا توجد أي دراسة حتى الآن لقياس مدى نجاح هذا القرار من عدمه، ولكن «أخبار الخليج» تواصلت مع عدد من الخبراء الاقتصاديين للوقوف حول تأثيرات هذا القرار على الاقتصاد الوطني، وأبعاده الإنتاجية بالنسبة إلى الموظفين وأصحاب الأعمال.
الزميل الكاتب الصحفي محميد المحميد طرح في مقاله عبر عمود «الرأي الثالث» الذي نشر أمس بعض الجوانب المهمة حول هذا القرار، حيث أكد ان الاقتراح من الناحية القانونية سليم جدا، ومن الناحية الدينية لا شيء فيه، طالما حافظ على تحديد وقت لأداء صلاة الجمعة، أما من الناحية الاجتماعية فهو محل شد وجذب، كعادة المجتمعات عند طرح أي فكرة جديدة، في حين أنه من الناحية الاقتصادية محل انقسام بين من يرى أن الأمر مرتبط بالشأن الاقتصادي العالمي وهو إيجابي، وبين من يرى أننا لا نتأثر كثيرا في هذا الشأن، ولا داعي له.
وأضاف في مقاله، «هناك نقاط حيوية في المقترح، ينبغي التوقف عندها، وهي مرتبطة بمنظومة السياسة المستقبلية للبلاد، في التوازن بين التوجهات الاقتصادية، وبين الخصوصية الاجتماعية ليوم الجمعة تحديدا.. ذات التفاعل والتباين الحاصل اليوم، شهدناه في سبتمبر 2006، حينما قررت مملكة البحرين البدء بتغيير نظام الإجازة الأسبوعية ليصبح يومي الجمعة والسبت بدلا من يومي الخميس والجمعة (..)».
والأهم من ذلك لفت إلى أنه «نحن بحاجة إلى دراسة متخصصة في هذا الشأن، تعين صاحب القرار، قبل أن نقول نعم أو لا للمقترح، وخاصة فيما يتعلق بالعمل والإنتاجية، وإفساح المجال لمزيد من الترابط الاجتماعي، ومراعاة خصوصية يوم الجمعة، وكيفية تنسيق الأمر مع الدراسة في المدارس والجامعات وغيرها، وبالطبع الفكرة لن تنطبق على بعض المواقع والوظائف الحيوية والمجتمعية، كالخدمات الصحية والأمنية وغيرها».
خبير الإدارة الإنتاجية د. أكبر جعفري، قال إن زيادة نصف يوم أو يوم عمل لا تصل فيها درجات الانتاجية إلى مرحلة حرجة، والقصد هنا أن تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على إنتاجية الموظفين والمؤسسات.
وأضاف، ليست هناك علاقة طردية بين مستويات الإنتاجية وفترة الدوام، حيث إن من دون إدارة فعالة لرصد المؤشرات قد تهبط الإنتاجية، لذلك من المهم وجود إدارة ناجعة ذات أداء عال تحدث التغيير في أداء الموظفين سواء كان ذلك بتحديد يوم الجمعة نصف يوم عمل أو اعتبار الجمعة يوم إجازة أيضاً كما فعلت إمارة الشارقة.
وأوضح أن إمارة الشارقة أعلنت نتائج التقييم الذي أجراه المجلس التنفيذي للإمارة بشأن العمل 4 أيام في الأسبوع بدلا من 5 في الدوائر الرسمية، وبحسب الدراسة، أسهم نظام العمل المطبق في إمارة الشارقة في ارتفاع عدد من المؤشرات والعوامل الإيجابية المتعلقة ببيئة العمل والإنتاجية للموظفين.
وأشار جعفري إلى أن المهم في تطبيق هذا القرار من عدمه ألا تتأثر إنتاجية الموظفين والمؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة، وحيث إن ضغوطات العمل عالية وقد يتأثر البعض من خلال عمله أيام الجمعة – ولو كان الدوام نصف يوم – يفضل أن يطبق قرار إمارة الشارقة وهو احتساب 3 أيام عطلة نهاية الأسبوع، أو اللجوء إلى الخيار الآخر وهو أن يتم احتساب يوم الجمعة يوم عمل عن بعد كما فعلت بعض المؤسسات في إمارة دبي، وفي الوقت ذاته أكد أن الأهم أن يتم الحفاظ على العقيدة الإسلامية وأن يخصص وقت كاف للعبادة في هذا اليوم – الجمعة.
بدورها، أكدت سيدة الأعمال زهراء طاهر، أن فكرة تغيير الاجازة الأسبوعية لها تأثير سلبي عاطفي أكثر مما يكون اقتصاديا، وذلك لان يوم الجمعة هو الأساس في مجتمعنا وفي العالم الاسلامي، لما له من أبعاد اجتماعية ودينية.
وأضافت طاهر، إن تخلينا عن العاطفة وما تعودنا عليه، اقتصاديا وعمليا وخصوصا مع العولمة ومع ارتباط العالم بغض النظر عن المواقع الجغرافية، أرى أنه من الناحية الاقتصادية له تأثير ايجابي، وخصوصا ان دولة الامارات طبقت هذا القرار.
ولفتت الى أن أصحاب الاعمال غالباً يعملون أيام الجمعة أيضاً رغم أنها عطلة رسمية، ولكن لا يستطيعون طلب ذلك من الموظفين. وقالت، «مع تطور أساليب العمل عن بعد أصبح المجال مفتوحاً للعمل مع اسواق مختلفة، فتغيير العطلة أيضاً قد يفتح آفاقا جديدة لذلك».
وفي رأيها الشخصي، رأت طاهر أن يوم الجمعة هو اليوم المفضل للعطلة، وقالت، اتوقع ان التغيير سيحدث في المنطقة عاجلا ام اجلا وسنتعود عليه مثلما تعودنا عندما تغيرت العطلة من الخميس إلى السبت، وبالتأكيد ينبغي الالتفات عند تطبيق هذا القرار إلى أهمية وقت صلاة الجمعة والعمل على إيجاد حلول مناسبة لذلك.
رئيسة المجلس المركزي للاتحاد العربي للمصارف والتجارة والشؤون المالية، نورا الفيحاني قالت: «يتوقع أن يحقق هذا التغيير في أوقات الدوام للعاملين في القطاعين العام والخاص، العديد من الفوائد الاقتصادية ويؤثر بشكل إيجابي على القطاعات الاقتصادية عمومًا وعلى إنتاجية الموظفين بشكل خاص وسوف يسهم تغيير موعد الإجازة في سد فجوة زمنية وتحقيق تنسيق أكثر بين تعاملات النظامين المالي والمصرفي المحليين مع النظام العالمي. وبالتالي، يتم مواءمة أيام العمل في البحرين مع البورصات والأسواق المالية العالمية، مما يعزز الاستقرار والتنافسية».
وأضافت الفيحاني، «يتوقع أن يسهم هذا التغيير في تحقيق فوائد اقتصادية مهمة على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى قطاع الأعمال بشكل خاص. يتيح للبحرين المزيد من التنافسية ويسهم في جذب المزيد من الشركات والاستثمارات العالمية، مما يعزز مكانتها كمركز مالي رائد في المنطقة». ولفتت، «سوف يعزز هذا التغيير اندماج الاقتصاد الوطني مع مختلف الاقتصادات والأسواق العالمية. وبناءً على الارتباط المتزايد للبحرين بالأسواق الدولية، ويتعزز موقع ومكانة البحرين على الخارطة كمركز مالي رائد في المنطقة».
وأشارت الفيحاني، «يتضمن التغيير تقليص عدد أيام العمل إلى 4.5 أيام. بالرغم من أنه قد يستغرق بعض الوقت للتكيف مع هذا التغيير، فإن الموظفين البحرينيين يعرفون بكفاءتهم وقدرتهم على التكيف مع التحولات. كما أن تجربة تغيير الإجازة من الخميس إلى السبت لم تسبب أي تأثير سلبي على الإنتاجية في الماضي، مما يشير إلى قدرتهم على التكيف مع التغيير».
وأوضحت، «سوف يتيح هذا التغيير للموظفين فرصة للاستفادة من يومي السبت والأحد كأيام إجازة، مما يسهم في تحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية. يمكن للموظفين قضاء المزيد من الوقت مع أسرهم وممارسة نشاطاتهم واهتماماتهم الشخصية، مما يعزز رضاهم العام ويرفع مستوى الرفاهية».
وختمت، يتوقع أن يكون لتغيير موعد الإجازة الأسبوعية تأثيرات اقتصادية إيجابية على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى مستوى قطاع الأعمال بشكل خاص. كما سيسهم في تحسين توازن العمل والحياة للموظفين وزيادة إنتاجيتهم وتحفيزهم.
بدورها، قالت الخبير المصرفي د. غنية الدرازي، إن تغيير العطلة الرسمية من يوم الجمعة والسبت إلى نظام السبت والأحد يساعد مملكة البحرين على مواكبة العطلات العالمية في معظم أنحاء العالم، الأمر الذي يخفف من الوقت الضائع بسبب اختلاف مواعيد الاجازة الأسبوعية في قطاعات حيوية في البحرين مثل قطاعات التجارة والتأمين والقطاع البنكي وغيرها من القطاعات التي تستلزم التواصل مع الأسواق العالمية. وأضافت، على سبيل المثال في القطاع البنكي يعتبر يوم الاحد يوما ضائعا حيث تستغله البنوك لأداء الأعمال المكتبية والإدارية بينما الأعمال البنكية مثل التحويلات وأعمال الخزينة والأعمال البنكية الأخرى المدرة للمال تكون متوقفة بسبب الاجازة في الاسواق العالمية.
وبالتالي شددت على أن تغيير الاجازة الأسبوعية سوف يزيد من الأعمال البنكية المدرة للمال التي من الممكن ان ينجزها البنك خلال أسبوعه ويخفف من انخفاض الخسائر بسبب اختلاف الاجازة مع الاسواق العالمية ويعزز الإنتاجية وبالتالي زيادة الأرباح وزيادة نسبة مشاركة القطاع البنكي في الناتج المحلي ودوران عجلة الاقتصاد بشكل اكبر، كذلك يساعد تغيير الاجازة الأسبوعية البحرين على البقاء في الصدارة في المنافسة مع دول الجوار على مكانة مركز الأعمال في المنطقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك