يتابع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وقائع العدوان الصهيوني الهمجي المتواصل على أهلنا في غزة الابية وما تشهده حاليًا من أحداث قتل وعنف متعمد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ردًا على طوفان الأقصى الذي اندلع يوم السابع من أكتوبر 2023، ونتج عنه موجة من القصف العنيف لأماكن تجمع المدنيين الفلسطينيين ما أدى إلى وفاة عشرات الآلاف من الشهداء معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. فهل قام المسلمون الذين يتجاوز تعدادهم المليار إنسان بواجبهم الشرعي في نصرة إخوانهم الصامدين في ارض الرباط فلسطين وخصوصا في معركة غزة الأبية؟
أيها المسلمون الموحدون الساجدون الحامدون، قد تجتمعون كل يوم جمعة بأمان وسلام في مساجد الله لنعبده آمنين مطمئنين، بينما هناك إخوة لنا صامدون نراهم الآن في الشوارع لا مأوى لهم بعد أن قُصفت بيوتهم، فقدوا شتى مظاهر الحياة ظلمًا وقهرًا وعدوانًا، أصبحوا بلا منازل ولا أبناء ولا أمان ولا حقوق، بلا ذنب لهم.
لم يحزنهم فقد منازلهم بقدر ما يميتهم كل ثانية شعور الألم والحزن لفقدهم أعز من كانوا يعيشون من أجلهم، ففي طرقات فلسطين رائحة الدم تتطايرها الرياح، وفي كل شبر طفل قُتل، وامرأة ثكلى، وزوج فاقد لأسرته، وأولاد بلا أمهات، ونساء بلا أزواج، بل وعائلات كاملة لم يبقى من يُبكيها.
إن ما يحدث في قطاع غزة من قصف وحصار هو جريمة حرب، لا يمكن أن تمر مرور الكرام.. إن أبناء غزة ضحايا للظلم والعدوان، وهم يستحقون منا كل الدعم والمساندة.
كيف ستطيب لنا الحياة وبين المسلمين من يُعذب ويُقّتل ويسجن ويقهر ويُغدر به؟، كيف سنواجه الله ونحن نسير في دروب الحياة نستمتع تارة ونكل ونمل أخرى ونتناسى من هم يجاهدون بأرواحهم وأولادهم ونسائهم وكل ما يملكون من أجل وطنهم المسلوب؟، كيف سنقف أمام الله وقد تركنا إخواننا تأكلهم الذئاب، وقد علمنا أن للذئاب مكرٌ لا يُؤمن وعهد لا يؤتمن؟!
يعيش في غزة تحت الحصار الإسرائيلي أكثر من 2 مليون نسمة أصبحت أعدادهم تقل يوميًا بالقتل والقصف، أصبح الأحياء منهم في حكم الأموات، فليس هناك غذاء ودواء ومياه نظيفة وكهرباء، بل ويفقدون بعد كل هذا كله أرواحهم بلا ذنب.
وتعرضت غزة لأكثر من 15 حربًا إسرائيلية منذ عام 2000، وقتل خلالها آلاف المدنيين وتدمير المنازل وحتى الآن لا تعلم غزة مصيرها ومآلها ومتى الخلاص من هذا العدو الهمجي الذي أصبح قدرًا محتومًا لا مفر منه.
أيها المسلمون، إن نصرة غزة واجب ديني وأخلاقي لابد منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» كما قال «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، فأي عون يمكننا أن نقدمه لغزة المحاصرة؟
إخوة الإسلام، ليس بيدنا سلاح لنقاتل، ولا يمكننا دخول فلسطين لنجاهد بسبب الحسابات الدولية والحدود المغلقة، لكننا يمكن أن نجاهد بكل ما يمكِّننا الله منه، نجاهد بالدعاء دومًا وأبدًا حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا، ونمتنع عن دعم الأعداء ومن يناصرهم، فلا حاجة لنا بمنتجاتهم التي أغرقت أسواقنا وقوت شوكتهم علينا، ونجاهد بإمدادات الطعام والوقود للقطاع المحاصر لتعود بعض أساسيات الحياة لأهالينا المنكوبين.
إننا ندعو الله تعالى أن ينصر إخواننا في غزة، وأن يرفع عنهم البلاء، وأن يوحد الشعوب العربية والإسلامية على نصرتهم وشد الرحال لدعمهم ومؤازرتهم وأن ينتفضوا جميعًا ضد عدو الله وعدوهم وعدونا، فما دام العرب متشرذمين فلا نصر ولا خلاص لفلسطين، وكما اتحدوا في نصر أكتوبر واستخدموا سلاح النفط والوحدة العربية فكانت الفاجعة للأعداء هذه تجربة ليست بعيدة عن الأذهان بل هي في تاريخنا المعاصر وراينا ثمارها الهائلة، وقد شهدنا أمامنا الفرصة التي نهضت مع طوفان الأقصى لنكرر ما يمكن ان تحدثه القوة العربية القادرة على التغلب على العدوان مهما كانت قوته.
وقد قال الله تعالى «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ».
إن فلسطين هي أرض مقدسة، وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهي أرض الأنبياء والمرسلين، وقطاع غزة هو جزء من فلسطين، وقد تعرض لأشد الجرائم وأكثرها بشاعة على مر التاريخ، فمنذ عام 1967، يعيش أهل غزة تحت الحصار الإسرائيلي، الذي تسبب في معاناة إنسانية كبيرة.
وفي عام 2021، تعرض قطاع غزة لحرب وحشية شنها الاحتلال الإسرائيلي، واليوم، ما زالت غزة تعاني من الحرب التي تتجدد بعد طوفان كان له أن ينجح وأن يحقق المزيد من النتائج المذهلة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني لولا عدم وجود قوة عربية متحدة ومتكاملة وهو امر يؤسف له وواقع يجب العمل على تغييره فإمكانيات هذه الامة هائلة ولا ينقصها سوي التوظيف الجيد والاستثمار الناجز والفعال من اجل خدمة قضايا الامة ونصرة نضالنا المشروع لتحرير اراضينا المحتلة ومقدساتنا السليبة والمهددة بالتهويد وفي طليعتها المسجد الأقصى المبارك.
ان غزة الأبية تعاني في الوقت الحاضر من الدمار والبطالة والفقر والفقد والموت في كل لحظة، وهذا كله بسبب الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، الذي يرفض حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة.
ان نصرة أهل غزة هي نصرة للحق والعدل، وهي نصرة للمقدسات الإسلامية بل ونصرة لدين الحق وكلمة الحق، فقد قال المولى عز وجل: «ولينصرن الله من ينصره» فالنصر بأيدينا أسبابه وبيد الله تحققه، قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا».
فالتوكل على الله ضرورة للنصر ولن يأتي التوكل على الله إلا بالعدة والتخطيط ودراسة قوة العدو لإضعافه والنيل منه كما نال من أطفالنا ونسائنا وشبابنا وشيوخنا.
صحيح أن غزة أبية لا تستسلم، ولن تستسلم، ولن تسلم أراضيها للعدو المغتصب الظالم المتكبر، لكنها أيضًا تحتاج لدعم عربي واسلامي قوي ومؤثر، فلا نقف مكتوفي الأيدي مكممي الفم، فالله الله في الأقصى الجريح، ما دام العرب والمسلمون يقولون لا، فلن تستطيع قوة على الأرض أن تسلبنا قبلتنا الأولى، ولا ننسى أن العدو يتربص بأهالينا في قطاع غزة ليسلبهم أرضهم التي تقع شمال شرق شبه جزيرة سيناء، ونقولها وبصوت مرتفع لا يخالطه رجفة، لن تستطيعوا محو التاريخ ولن تقتطعوا غزة من فلسطين ولن تطأ أرجلكم سيناء مجددًا في اطارا مخططاتكم الاستعمارية التوسعية الرامية الى تهجير أهالي غزة خارجها ودفعهم قسرا الى النزوح الى الأراضي المصرية.
فلا تنسوا أبدًا أن دعاءكم نجاتكم ونجاتهم، لا تغفلوا عن التضرع إلى الله بالنصر والخلاص، فقد جاء الوقت لنثبت أننا مخلصين لإخواننا في غزة وفلسطين بكل ما استطعنا، فلن تذهب أقواتنا لدعم من يشترون ويصنعون القنابل والأسلحة لقتل إخواننا، توبوا الى الله واعقدوا النية على الجهاد بالدعاء وبالمال من أجل نصرة فلسطين.
أيها المسلمون، إننا نأمل جميعًا أن نرى انتصار أهل غزة قريبًا، وأن يرفع الله عنهم الغمة، وأن يمن عليهم بالحرية والاستقلال، فاللهم انصر أهل غزة، وارفع عنهم الغمة، وانصرهم على عدوهم يا رب العالمين.
اللهم انصر أهل غزة، واحفظهم من شر أعدائهم، اللهم اجمع كلمتهم، ووحد صفهم، اللهم ارحم شهداءهم، وابرئ جرحاهم، واشف مرضاهم، اللهم اجعل غزة أرضًا مباركة، وأهلها أمة آمنة قوية. آمين، والحمد لله رب العالمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك