اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
أيوب هذا الزمن
منذ الأزل يبحث الشعب الفلسطيني عن رموز يلتف حولها، عن قدوة لا تباع ولا تشترى يسير خلفها، عن حنجرة صادقة تدافع عنه لأنها تقاسمه قدره من ساحات الحرب لا من قاعات المؤتمرات، لم يختر وائل الدحدوح أن يكون تلك الأيقونة، هو الصحفي الأعزل، رفعته الفواجع إلى قامة أمة، وفقد بعد آخر غدا رمز الصبر لشعب بأكمله، الرجل الجبار لفرط ضعفه الإنساني اعتاد أن يتحدى العدو بإخفاء دمعه، حتما سيبكي هذا المساء في عزلته، أما الكاميرات فقد اعتاد أن يصور بها مآسي غيره، دعس على قلبه الأبوي ووقف صامدا أمام الموت وهو يخطف هذه المرة ابنه البكر الذي أورثه لعنة الصحافة في زمن المذابح الفلسطينية، بيد مضمدة وذراع مكسورة اخترقها الرصاص أمسك وائل بيد ابنه الشهيد وقبلها مرارا، فيده هي ما نجا من جسد شوهه الحريق، سلام ليدين صامدتين تناوبتا على حمل رسالة الحقيقة حد الموت.
تلك كانت أبلغ وأجمل الكلمات التي قيلت عن صلابة وصمود وآلام الدحدوح، التي يتمتع بها هذا الشعب الغزاوي الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والتي جاءت على لسان الأديبة الكبيرة أحلام مستغانمي لتعبر ببراعة فائقة عما يجول في خاطر كل مواطن عربي يعتصر قلبه تضامنا مع هذا الصحفي الهمام، واصفة إياه بأيوب هذا الزمن، وذلك في أعقاب استشهاد نجله الأكبر حمزة باستهداف من الاحتلال أثناء تغطية صحفية في خان يونس ليدفع ثمنا غاليا لتغطيته الإعلامية في قطاع غزة، لتتواصل مسيرته مع المآسي والآلام حيث استشهد 12 شخصا من عائلته، بينهم ابنه وابنته وزوجته وحفيده، إلى جانب تعرضه للإصابة برصاص قوات الاحتلال الغاشم.
الدحدوح فعليا أصبح غزة في هيئة إنسان، فهو لم يستسلم أو ينكسر، فبعد ساعات من دفن ابنه البكر واصل عمله عبر قناة الجزيرة، مؤكدا عزمه على المواصلة في أداء واجبه الإنساني والمهني والأخلاقي بكل قوة مهما بلغت الآلام والأوجاع، مشيرا إلى أن خروجه من غزة أمر مستحيل، بل غير مطروح من الأساس، وأن رسالته سقيت بالدم والدموع والعرق ولا بد من الصمود والاستمرار.
تشير الاحصائيات إلى أن عدد الصحفيين القتلى في هذا العدوان الغاشم قد ارتفع إلى حوالي 106 صحفيين منذ السابع من أكتوبر الماضي، حيث أوضحت لجنة حماية الصحفيين الدولية ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية أن الأسابيع العشرة الأولى من الحرب الإسرائيلية على غزة كانت الأكثر دموية على الاطلاق بالنسبة إلى الصحفيين، إذ سجلت مقتل أكبر عدد من الصحفيين خلال عام واحد وفي مكان واحد.
حقا، إن أصعب بل أقسي شيء قد يواجهه أي صحفي أن يصبح في لحظة ما هو الخبر، هو الصورة، وذلك بحسب ما قاله الدحدوح وهو يبكي ابنه الشهيد حمزة، ولكن هذا هو قدر من اختار أن يناضل في ساحة الحرب، لا من قاعات المؤتمرات، كما ذكرت مستغانمي.
لك الله أيها الدحدوح البطل الشجاع!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك