العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

تحت عين الشمس

هناك‭ ‬مبدأ‭ ‬شهير‭ ‬وجميل‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬المشاكل‭ ‬لا‭ ‬تبرأ‭ ‬عللها‭.. ‬إلا‭ ‬تحت‭ ‬عين‭ ‬الشمس‮»‬‭! ‬

بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭ ‬بوجود‭ ‬أي‭ ‬مشكلة،‭ ‬وبضرورة‭ ‬مواجهتها‭ ‬ومناقشتها‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬لها،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خجل‭ ‬أو‭ ‬تخوف‭ ‬أو‭ ‬مواربة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬مشكورة‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬حين‭ ‬أقدمت‭ ‬على‭ ‬إبعاد‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬متحول‭ ‬جنسي‭ ‬عن‭ ‬البلاد،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬تعليمات‭ ‬صارمة‭ ‬تؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬تنظيف‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الشاذين‭ ‬جنسيا‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الجدال‭ ‬المحتدم‭ ‬الذي‭ ‬يسيطر‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬المثلية‭ ‬الجنسية‭.‬

لقد‭ ‬أعلنت‭ ‬الجمعية‭ ‬الطبية‭ ‬الأمريكية‭ ‬مؤخرا‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يحدد‭ ‬جنس‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬شهادة‭ ‬الميلاد،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬يختار‭ ‬هو‭ ‬هويته‭ ‬الجنسية،‭ ‬وقد‭ ‬صرح‭ ‬أحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬بها‭ ‬بأن‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬مدى‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬لذلك‭ ‬أن‭ ‬يلحقه‭ ‬بالمجتمع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة،‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬والموسيقى‭ ‬والتربية‭ ‬ورعاية‭ ‬الأطفال‭ ‬والعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الذكر‭ ‬والأنثى،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬تحديد‭ ‬جنس‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬شهادة‭ ‬الميلاد‭ ‬إنما‭ ‬يفسد‭ ‬الحقل‭ ‬الطبي‭ ‬تماما،‭ ‬وأن‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لطب‭ ‬الأطفال‭ ‬تبنت‭ ‬موضوع‭ ‬الرعاية‭ ‬الإيجابية‭ ‬لإعطاء‭ ‬القصر‭ ‬مثبطات‭ ‬الهرمونات‭ ‬واصفا‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بأنه‭ ‬شيطاني‭. ‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أبلغ‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المسؤول‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬أبسط‭ ‬مبادئ‭ ‬المسؤولية‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تصريحه‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬بأنه‭ ‬شيطاني،‭ ‬ويحمل‭ ‬إفسادا‭ ‬للحياة‭ ‬وللفطرة‭ ‬ولتعاليم‭ ‬الأديان،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬الشاذ‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬تدشين‭ ‬ناشطين‭ ‬أمريكيين‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬حملة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬فطرة‮»‬‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬محاربة‭ ‬المثلية‭ ‬الجنسية،‭ ‬ومجابهة‭ ‬الحملات‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬هؤلاء‭ ‬بهدف‭ ‬ترسيخ‭ ‬فكرة‭ ‬تجميع‭ ‬الرافضين‭ ‬بمختلف‭ ‬الشرائع‭ ‬السماوية‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬الثقافات‭ ‬وهم‭ ‬الأغلبية‭ ‬بالطبع‭.‬

المثلية‭ ‬الجنسية‭ ‬أو‭ ‬الشذوذ‭ ‬مشكلة‭ ‬معروفة‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬وحاربتها‭ ‬جميع‭ ‬الديانات‭ ‬السماوية‭ ‬لخروجها‭ ‬عن‭ ‬أساس‭ ‬الخلقة‭ ‬الآدمية،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يستدعي‭ ‬الاعتراف‭ ‬بوجودها‭ ‬وبخطورتها‭ ‬وضرورة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬لها‭ ‬للتصدي‭ ‬لها‭ ‬ولمن‭ ‬يروجونها‭ ‬وبكل‭ ‬تبجح‭ ‬تحت‭ ‬عين‭ ‬الشمس،‭ ‬فالأمر‭ ‬بات‭ ‬يتطلب‭ ‬المواجهة‭ ‬الشجاعة‭ ‬والجريئة‭ ‬بقوة‭ ‬القانون‭ ‬عبر‭ ‬إصدار‭ ‬تشريعات‭ ‬ناظمة‭ ‬لحماية‭ ‬المجتمع‭ ‬،‭ ‬ولمنع‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالشذوذ‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬بكل‭ ‬تباهٍ‭ ‬وفخر،‭  ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬اختلط‭ ‬بها‭ ‬الحابل‭ ‬بالنابل‭ ‬والجيد‭ ‬بالرديء‭ ‬والخطأ‭ ‬بالصواب،‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭.‬

نعم،‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬حريته‭ ‬تجاه‭ ‬اختياراته‭ ‬وقرارته،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬نفسه،‭ ‬وداخل‭ ‬أسوار‭ ‬بيته،‭ ‬فلا‭ ‬ذنب‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬الرافضين‭ ‬له‭ ‬ولمبادئه‭ ‬ولأفعاله‭ ‬الشائنة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتقبله‭ ‬ويتعايش‭ ‬معه‭ ‬كرها‭ ‬وإجبارا،‭ ‬والسؤال‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭:‬

كيف‭ ‬نحمي‭ ‬أبناءنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬الشاذة‭ ‬والقناعات‭ ‬المتوحشة،‭ ‬والتي‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها‭ ‬اليوم‭ ‬وتصل‭ ‬إليهم‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬ورغما‭ ‬عنا،‭ ‬شئنا‭ ‬ذلك‭ ‬أم‭ ‬أبينا؟‭ ‬

لعل‭ ‬الحل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قوة‭ ‬القانون‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬إنما‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬الجنسية‭ ‬والنفسية‭ ‬السليمة‭ ‬لأبنائنا،‭ ‬والتي‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الأعمار،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية،‭ ‬وفي‭ ‬سن‭ ‬مبكرة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬تحت‭ ‬عين‭ ‬الشمس‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا