زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حكايات ابن المقرطع
من المؤكد ان ابن المقفع صاحب كتاب كليلة ودمنة هو أول من نسج - على مستوى العالم - حكايات شخوصها حيوانات تنطق وتتصرف كما البشر، ويقول ابن «المطرقع» المعاصر إن الغراب كان جالسا فوق شجرة، والانبساط باد عليه، فمر به أرنب وسأله: ماذا تفعل يا غراب فوق الشجرة؟ فرد الغراب: لا شيء، فقط أجلس وأتمتع بمشاهدة ما يدور حولي، وقد اكتشفت أن الكسل والاسترخاء هما قمة المتعة، فتشكك الأرنب في ذلك المنطق لبعض الوقت، فأضاف الغراب: النشاط والعمل يعطيان نتائج مستقبلية أما الكسل فنتائجه فورية، وعملا بتلك النصيحة تمدد الأرنب ورقد تحت الشجرة فمر به ثعلب وأكله. والدرس المستخلص من هذه الحكاية هو أنه كي يتسنى لك الجلوس أو الرقاد دون فعل شيء، لابد أن تجلس في العلالي.. فوق... ويفسر هذا كيف يتسنى لكبار الموظفين الاحتفاظ بوظائفهم ومزاياهم وهم لا يفعلون شيئاً بينما صغار الموظفين يذوقون الويل إذا تكاسلوا أو قصروا في أداء واجباتهم.
تذكرت نشيدا درسناه في المرحلة الابتدائية: رأى الغراب جبنة في دار/ لبعض قوم من ذوي اليسار/ فاستل منها قطعة وطارا/ كأنه قد ملك الإمارة/ وحينما حط على إحدى الشجر/ رآه ثعلب فأحدق النظر/ فقال يا غراب لي سنة لم أراك/ لأسمع الجميل من غناك/ فامتثل الغراب لقول الثعلب/ فصار يشدو بالغناء المطرب/ فوقعت الجبنة من منقاره/ غنيمة باردة لجاره، فقال يا غراب ما ظلمتك/ بمثل ما عاملت قد عاملتك (هنا انتصر الذكاء على الغباء).
وكان أرنب آخر يتابع ما دار بين الغراب والأرنب المسكين، فقرر أن ينعم بالخمول والكسل دون أن يعرض حياته للخطر، ولكن بالجلوس أعلى الشجرة بعيدا عن الثعالب، فتوجه إلى ثور في حقل قريب واستشاره في كيفية الطيران، فقال له الثور: إذا أكلت من روثي (بعري) فإنك تستطيع أن تطير وأن تجلس أعلى الشجرة، فلم يتردد الأرنب وانهمك يأكل في فضلات الثور، وبعد قليل جرب الطيران، واكتشف أنه يستطيع أن يحلق لارتفاع مترين، فواصل أكل الروث وأعاد المحاولة فطار لقرابة أربعة أمتار، وبعد أن أكل كل ما في الحظيرة من روث، وجد نفسه يطير إلى أعلى الشجرة، فجلس في أعلى فروعها، وهو يحس بالسعادة، وشعر بالرضا عن النفس وبالأمان ولكن صيادا رآه وأطلق عليه النار وصرعه.. والدرس المستفاد هنا هو أن أكل **** من هم أقوى منك قد يوصلك إلى القمة ولكنه لا يضمن لك البقاء فيها، إذا كنت أصلا قليل الحيلة.
وهناك ذلك الأرنب الذي كان منهمكا في الكتابة فمر به ثعلب وسأله: ماذا تكتب يا أرنوب، بدلا من أن تسعى لكسب الرزق؟ فرد الأرنب أنه يكتب دراسة عن كيف يأكل الأرنب الثعلب، فضحك الثعلب من ذلك، وقال له: هل تستخدم الجزر أم الخيار في الكتابة؟ ولكن الأرنب قال له: إنني أكتب فعلا عن طريقتي في صيد الثعالب، وإذا كنت لا تصدقني أدخل معي إلى بيتي، فتبعه الثعلب إلى الجحر، وبعد قليل خرج الأرنب وهو ممسك برأس الثعلب، ثم واصل الكتابة فمر به ذئب فدار نفس الحوار بينهما وزعم الأرنب أنه يعد بحثاً عن كيف يأكل الأرنب الذئب، وبالطبع ضحك الذئب وصاح: أنت يا صاحب الأذنين الأطول من إيريال التلفزيون القديم تقتل ذئبا وتأكله؟ ولكن الأرنب قال له: إن كنت تريد الدليل فادخل معي إلى بيتي.. وهكذا دخلا.. وخرج الأرنب بعد قليل وهو يجر رأس الذئب وراءه، وتكرر نفس الوضع مع الدب الذي دخل بيت الأرنب ليجد أسداً يجلس بداخله. والعظة في هذه الحكاية هي أنه لا يهم أن يكون موضوع بحثك تافهاً أو غير منطقي، أو أنك هزيل وكحيان طالما أنك «مسنود» بمن بيده أدوات البطش.
وحتى وأنت مسنود فإن «الأسد» الذي يسندك يفوز بمعظم الغنيمة ويترك لك «الرأس».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك