الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
إسرائيل تستهدف «قتل التاريخ» كذلك..!!
يقول تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية: «إذا حصلنا يوما على القدس، وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدّسا لدى اليهود فيها، وسوف أدمر الآثار التي مرّت عليها القرون».
ومنذ ذلك اليوم والصهاينة يواصلون إزالة أي أمر له علاقة بحقيقة التاريخ الفلسطيني، ويسعون إلى التزوير وطمس الحقائق، بكل الطرق والوسائل، حتى بالهدم ومسح ومحو التاريخ الأصيل.
وبالأمس قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المسجد العُمري في قطاع غزة، ضمن 103 مساجد وثلاث كنائس، وقد كتب الأستاذ سليمان جودة، مقالا رائعا حول الحادثة، جاء فيه: ((سوف يكتب التاريخ أن الثامن من ديسمبر كان شاهدًا على استهداف المسجد العُمري في قطاع غزة، وأن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفته وهي تعرف ماذا تفعل وماذا أيضًا تستهدف؟.. فالمسجد العُمري يظل يمثل رمزية خاصة لدى الغزاويين، لأنه المسجد الأكبر والأقدم في مُدن القطاع كلها، ولأنه ارتبط عبر تاريخه بالخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولأنه على هذا الأساس ليس مجرد دار للعبادة، ولكنه قطعة حية من تاريخ فلسطين.. قطعة حية يتوارثها الأبناء، عن الآباء، عن الأجداد، ويجد فيها كل جيل شيئًا يخصه ويتصل بوجدانه.
وعندما نقلت وكالة «رويترز» للأخبار نبأ استهدافه، فإنها فعلت ذلك وهي تلفت الانتباه إلى أن المسجد ليس كأي مسجد في غزة، وأن قيمته تختلف في نظر كل غزاوي عن قيمة كل دار عبادة أخرى سواه، وأن الاحتلال وهو يستهدفه كان يستهدف تاريخ فلسطين، أكثر مما يستهدف مجرد مبنى بجدرانه، ونقوشه، وقبابه، ومآذنه.
إن الإسرائيليين يتخيلون أن أرض فلسطين هي أرض الميعاد بالنسبة إليهم، وعلى هذا الأساس كانوا قد توافدوا إليها منذ «وعد بلفور» 1917، ومنذ مؤتمر الحركة الصهيونية الذي دعا إليه «تيودور هرتزل» في «بازل» السويسرية 1897.
جاء اليهود بعد المؤتمر، ثم بعد الوعد، وفي خيالهم أوهام الميعاد تداعب سرابًا في داخلهم، وقد خلطوا الدين بالسياسة يوم جاءوا ولا يزالون، ولكن دوافع الدين كانت حاضرة في المجيء، ربما بأكثر من عوامل السياسة نفسها، لأن السياسة إذا كانت قد دارت حول فكرة البحث عن وطن بديل لهم، فالدين كان يصور لهم أن هذه الأرض الفلسطينية هي أرضهم لأسباب تعود إلى ديانتهم القديمة يوم جاء بها موسى عليه السلام.
وأعمال الحفر التي لا يتوقفون عنها في القدس بحثًا عن الهيكل المزعوم، هي في حقيقتها ظل من ظلال الميعاد الذي عاشوا ويعيشون عليه.. إنهم يطاردونه في القدس على وجه الخصوص، وفي كامل أرض فلسطين على وجه العموم، ولكنهم يعرفون بينهم وبين أنفسهم أن هذه ليست أرضهم، وأنها أرض لها صاحب حقيقي، وأن صاحبها هو كل فلسطيني من عكا في أقصى الشمال، إلى النقب في أقصى الجنوب.
ولهذا.. يؤرقهم أن يكون لصاحب الأرض تاريخ على أرضه، ويقض مضجعهم أن تكون هناك شواهد على هذا التاريخ، ويؤلمهم أن تكون الشواهد ذات تاريخ ممتد مثل المسجد العمري، أو تكون من نوع كنيسة القيامة في القدس، أو كنيسة المهد في بيت لحم، أو كنيسة البشارة في الناصرة، حيث وُلد المسيح عليه السلام وعاش.. يؤرقهم هذا، ويؤلمهم، ويقض مضجعهم، ولكنها الحقيقة التي تنطق بها شواهد من نوع المسجد العُمري، حتى ولو استهدفوه مئة مرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك