زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
جهل بالعلم وعبث بالعلم
يقول امبراطور الشعر العربي أبو الطيب المتنبي:
كلما أنبت الزمان قناة ** ركب المرء في القناة سنانا
وذلك للتدليل على إحالة ما هو مفيد ونافع الى شيء ضار، وقياسا على هذا فكلما أنتج واخترع الغرب شيئا بادرنا الى إساءة الظن به، فمنا من قال إن الهواتف العادية تنقل وسوسة الشيطان، وأن من يركب الطائرة لا يدري انه يركب حصانا من الجن، وفي بدايات وصولها الى السلطة في تسعينات القرن الماضي كانت حركة طالبان الأفغانية تقتل كل طبيب او ممرض يقوم بتطعيم الأطفال ضد الشلل والحصبة والسعال الديكي، بزعم أن الأمصال تقتل الأطفال وأنها تحوي دم الخنزير.
ثم جاء الهاتف النقال وصاح الملايين منا بأنه يفسد أخلاق البنات، ولحين من الدهر كان هناك من ينظر الى البنات اللواتي يحملن هواتف جوالة في مكان عام على أنهن «قليلات حياء»، ولما اطمأنت النفوس إلى ان تلك الهواتف لا تحمل فيروس التفسخ الأخلاقي، أدركنا أنها تساعدنا على الاطمئنان على أفراد الأسرة، خاصة البنات، بالسؤال عن الحال والأحوال، بل ظهرت الهواتف الذكية التي تحدد مكاني وجود طرفي المحادثة. وأثيرت ضجة هائلة مع ظهور الهواتف النقالة حول خطرها على الصحة، وأنها تسبب السرطان والاسهال والطرش والخرس، وأصدرت لجان علمية شكلتها الحكومة الأوروبية تقارير تفيد بأن استخدام الهواتف النقالة ينعش الدماغ وينشط الذاكرة خاصة أثناء إجراء المكالمة.
ومعنى هذا أنه من حق كل تلميذ أن يدخل قاعة الامتحانات حاملا هاتفا نقالا لتنشيط دماغه بموجات الميكروويف وبالمكالمات التي يتلقاها من صديقه المزود بكتاب ذي صلة بالامتحان، ولن أنسى مقالا طريفا للأستاذ محمود المراغي في مجلة «روز اليوسف» قال فيه أنه لم يستطع مقاومة حيازة هاتف نقال «أو محمول كما يسمونه في مصر» وذكر فيما ذكر أن هذه الهواتف تسبب العقم وطالب بجعل استخدامها إجباريا للحد من النسل والانفجار السكاني.
كل ما نستطيع أن نفعله - كعاداتنا - هو أن ننتظر القول الفصل حول هذا الموضوع وغيره من المسائل العلمية من العلماء الغربيين!! الغريب في الأمر أننا نأخذ بكلام تلك الفئة من العلماء حول كل شيء بلا جدال ولكن ما أن قدموا لنا الفياغرا حتى بدأت كل دولة عربية بإعداد الدراسات حولها للبت في صلاحيتها!! يا سلام على الهمة العلمية!! أشمعنى الفياغرا وليس أدوية القلب والقرحة والسكري؟ مع ان الفياغرا في جوهرها عقار طبي، ساعد الكثير من الرجال على الإنجاب، وشفى بعضهم من عقد وأمراض نفسية، أم هو المزاج الطبي السادي الذي يسعى إلى حرمان الناس من كل ما يشتهونه: السكر والملح واللحم والمعجنات والقهوة.
وهناك طبيب أميركي يعالج أمراض العقم أعلن مؤخرًا أنه يعتزم استنساخ زوجته البالغة من العمر 58 سنة. يعني يريد نسخة جديدة من زوجته، والأدهى من ذلك أنه يريد وضع الجنين المستنسخ في رحم نفس الزوجة!! يعني الزوجة ستلد نفسها، أي نسخة طبق الأصل من نفسها، والغريب في أمر هذا الطبيب الذي يريد تخليق زوجة شابة من زوجته الحالية أنه يبلغ من العمر سبعين سنة!! يعني حتى إذا نجح في استنساخ زوجته وانتظر النسخة الجديدة لتكبر وتحل محل الأصل «بعد 18 سنة مثلاً» فسيكون عمره وقتها 88 سنة ولن يهنأ بشبابها حتى لو احتكر كل إنتاج شركة فايزر من الحبة الزرقاء.
طيب: لماذا يريد رجل كهذا أن ينتج نسخة شابة من زوجته؟؟ أنه فرط العبث والترف العلمي!! هؤلاء أناس همهم فاضي وبالهم رائق وهؤلاء هم الذين يريدون أن يفشلونا بأن يجعلوا حمل الرجال ممكنا!! وتحضرني هنا قصيدة لأحمد شوقي في وصف الدبابة - استشهد بها كثيرا - ينعي فيها تسخير العلم للدمار والهلاك ويقول في آخرها:
وأفٍّ على العلم الذي تدعونه
إذا كان في علم النفوس رَداها (هلاكها)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك