زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
علاقتي بأوباما ونميري
لم أخف قط إعجابي بالرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ولم يكن ذلك لأسباب «عرقية»، ولكن بمنطق «حنانيك بعض الشر أهون من بعض»، أي أن من سيأتون بعده سيكونون في غالب الأحوال أكثر شرا ودموية و«حُشرية» منه، وكم تمنيت لو أن أوباما بقي في منصبه خمس أو عشر سنوات أخرى، ولو جعلني مستشارا له فترة قصيرة، لشرحت له كيف يفعل ذلك بدلا من الحكم ولايتين فقط، انتهت آخرتهما في عام 2016، كما ينص الدستور الأمريكي الحالي، فالرئيس الأمريكي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكان بإمكان أوباما تحريك تلك القوات وإعلان حالة الطوارئ، ثم تعديل الدستور، استجابة لرغبة الجمهور، بحيث يصبح من حقه أن يحكم ثلاثا ورباعا.
خلال سنوات حكمه للسودان، ركبت الرئيس المشير جعفر نميري العفاريت وقال: إما جعفر نميري أو جعفر عباس في هذا البلد، وزج بي في السجن، ثم فصلني من عملي، ولكنني لم أكن له ضغينة، بل أسديت له خدمة جليلة في انتخابات الرئاسة، وحسب نميري أنه سيبهدلني بإدخالي السجن، وفات عليه أنه أسدى إلي خدمة جليلة بتحويلي إلى «مناضل»، فبعت ذكرياتي في السجن إلى الصحف في سلسلة مقالات بالعملة الصعبة التي أودعتها في بنوك في جزر البهايما (هذه غير البهاما).
نميري فعل بي ما فعل من دون أن يدري أنني أسديت إليه خدمة جليلة في انتخابات الرئاسة (ترشيح نفسه ضد نفسه باعتبار أنه لم يكن في السودان شخص غيره مؤهلا للمنصب): كنت مدرساً في مدرسة الخرطوم بحري الثانوية، وتقرر تعطيل الدراسة لاستخدام المدارس كمراكز انتخابية، وتحويل عدد من المدرسين إلى ضباط انتخابات. ورغم أنني لم أكن ضمن أولئك الضباط فإنني كنت أذهب إلى المدرسة يومياً لأن اللجنة العليا للانتخابات كانت تزود مراكز الاقتراع المزعومة بوجبات من فئة النجوم الخمس، وهكذا كنت أحصل على حصتي من الدخل القومي طعاماً كنت أحسب قبلها أنه لا يوجد إلا في الجنة التي أعدت للمتقين، وأتسامر مع زملائي الذين لم يحس أحد بوجودهم.
وفي اليوم الثالث للاقتراع دب الخوف في نفوس ضباط الانتخابات، لأن ورقة اقتراع واحدة لم تدخل صناديقهم. ماذا يفعلون ومن المفروض أن يفوز نميري بالنسبة العربية المعتادة مع إضفاء بعض المصداقية على النتيجة، على الأقل بإجراء إحصاء ولو شكلي للأصوات. وبوصفي خبيراً في شؤون السياسة العربية طلبت منهم أن يتركوا أمر انتخاب الرجل رئيساً لي، وأمسكت بأحد دفاتر الاقتراع وملأت أوراقه بـ «نعم» ثم عبأت أوراق دفتر آخر بـ«لا» وكتبت بخط يدي عبارة «لاعم» أي كوكتيل من «نعم» و«لا» في مئات البطاقات ثم كسرت قفل صندوق الاقتراع وحشوته بدفاتر كاملة الدسم أوراقها بيضاء. ويا للسعادة! فاز نميري بمجموع يؤهله لدخول «الطب»، ونال زملائي مبالغ ضخمة كحوافز على اشتراكهم في الانتخابات ولما طالبتهم بعمولتي قالوا: يكفيك الأكل البلاش الذي التهمته طوال أسبوع.
وكما ذكرت في زاوية سابقة فإنني أدين لنميري بعد الله بالفضل لأنه دفعني إلى الهجرة إلى خارج السودان، ففي فترة كان فيها وزير التربية غائباً أصبح جعفر نميري مسؤولاً عن الوزارة وفي أول يوم له فيها طلب من وكيل الوزارة إنهاء خدمات أي شخص اسمه جعفر؟ ولأن الوكيل كان بيروقراطياً بعقل حمار فقد أصدر بياناً أنهى فيه خدماتي ومعي بضعة جعافر من بينهم جعفر نميري، وقبل أن ينتهي اليوم كان الوكيل معنا في كشف المطرودين من الخدمة، وقد فتحها الله عليه من يومها وأصبح تاجر أسماك بينما عاش نميري حتى مماته عالة على دافع الضرائب السوداني.
المهم أنهى نميري خدماتي كمدرس فهاجرت وصرت خبيراً أجنبياً في منطقة الخليج (هل فهمتم لماذا ألت وأعجن حول كوني نوبياً؟ كي يحق لي أن أزعم بأنني «أجنبي». والعرب لا يعتبرون من ينتمي إليهم بدرجة أو بأخرى خبيراً حتى لو كان قادراً على أن يكون أفضل من يتقن المهنة).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك