زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
سأقاطعها جزئيا
بحكم أنني من الجيل الذي اعتمد على إذاعة صوت العرب المصرية لتلقي الأخبار والمعارف السياسية فقد نشأت وأنا سيء الظن بالولايات المتحدة، وكبرنا وتوالت الأحداث في كل القارات وثبت أن الولايات المتحدة دون سوء الظن بكثير (يوم الأربعاء الموافق 29 نوفمبر الماضي، طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل عدم اجتياح جنوب غزة بقوات أرضية تفاديا لإزهاق أرواح المدنيين، والاكتفاء بالضربات الجوية ذات الدقة الجراحية - يا لمشاعر الأمريكان الإنسانية).
وعطفا قسريا على الكلام أعلاه أقول إن القاسم المشترك بيني وبيل غيتس صاحب ومؤسس شركة مايكروسوفت لبرمجيات الكمبيوتر هو أن كلينا يبدأ يومه بفتح البريد الإلكتروني، وإذا كان غيتس يتفوق عليّ بكون دخله في الساعة الواحدة يزيد على دخلي ودخل اللي خلفوني في ثلاثين سنة، فإنني أتفوق عليه بكوني في كامل قواي العقلية «نسبياً». يقال - والعهدة على الرواة - أن غيتس يعاني إلى حد من طيف من مرض التوحد autism الذي يجعل المصاب يفقد القدرة على التعامل والتعاطف مع ما حوله من بشر وكائنات ويتعلق بشيء واحد فقط وقد لا يستجيب لما يثير الفرح والحزن وما إلى ذلك من تعابير عاطفية، بدليل أن غيتس غير عابئ بما لديه من مال فحيازته ستين مليار دولار أو ستين جنيهاً سودانياً بالنسبة إليه نفس الشيء أو «سيم سيم»، كما يقول الهنود الذين أرغموا البريطانيين على الاختيار بين إنقاذ لغتهم أو إنقاذ إمبراطورتيهم، فاختاروا إنقاذ اللغة وفروا من الهند. ولا أصدق أن غيتس مجرد من العواطف فقد تبرع بنحو 30 مليار دولار، لمكافحة الأمية والمرض، وتقليل وفيات الأطفال في الدول الفقيرة، ورغم أن ثروته تناهز 65 مليار دولار إلا أنه أعلن أنه لن يترك لأفراد أسرته إلا 40 مليون دولار.. بس؟
تذكرت والدي رحمه الله الذي ترك لنا أربعين جنيهاً ظللنا نتصارع بسببها في المحاكم، لأنها كانت ديوناً مترتبة عليه، وما أن شرعنا في إبراء ذمته حتى ظهر عدد من المستهبلين يزعمون أن لديهم ديونا في رقبته، ولسوء حظهم كان والدي دقيقا في حفظ المستندات، فخابت مساعيهم، وعندما علمت ابنتي مروة بتلك المعلومات عن غيتس قالت لي: ألا تشعر بالخجل لأن رجلاً مثله نجح في جمع كل تلك الثروة بينما أنت تتحول إلى نتنياهو إذا طلبنا منك أن تشتري لنا وجبة جاهزة؟
المهم أن البريد الإلكتروني كان لحين من الدهر صلتي الوحيدة بالعصر الحديث، وكانت تصلني عبره يومياً عشرات الرسائل، ولأن عنواني الإلكتروني يظهر قرين مقالاتي، فقد وصلتني رسائل عرفت من خلالها أن العديد من زملاء الدراسة ما زالوا أحياء عند ربهم يرزقون، وأنني لم ألتق بالكثيرين منهم سنوات طويلة لأنهم لم يغادروا دول الخليج التي يقيمون فيها بطرق غير قانونية، منذ أن دخلوها أول مرة لأن الخروج سيكون بتأشيرة ذات اتجاه واحد.
ووصلتني مؤخراً عدة رسائل تدعوني إلى الكتابة عن ضرورة مقاطعة السلع الأمريكية من منطلق أن أمريكا تساند العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة،، ولا مانع عندي في الكتابة حول هذا الموضوع لأنني لن أتضرر من تلك المقاطعة، لأنني أصلاً لا أشتري السلع الأمريكية باستثناء الآيسكريم والدو - نط، فهاتان سلعتان لا يمكن أن أقاطعهما، وعزائي هو أنني أشتري النسخة الخليجية منهما، أي أن أصل الآيسكريم -والدو نط اللذين أشتريهما أمريكي ولكنهما يصنعان محلياً في منطقة الخليج حيث أقيم ولصالح مستثمرين خليجيين، ومقاطعتي للبضائع الأمريكية كانت وستكون لأسباب سياسية معروفة لكل ذي حس وطني، ولأسباب اقتصادية لكل عديم حس مالي مثلي، فالمنتجات الأمريكية غالية الثمن، وهناك بدائل آسيوية لها.
وبما أنني «محترف» «سلع» مغشوشة ومقلدة فلا حاجة بي إلى المنتجات الأمريكية الأصلية، وحتى الكمبيوتر الذي أكتب عليه هذه الكلمات تايواني والبرامج التي أستخدمها فيه مقرصنة أي من إنتاج القراصنة ولا دخل لبيل غيتس بها. وعلى كل حال لا سبيل لمقاطعة الآيسكريم والدو - نط والطائرات والأفلام والدبابات والسيارات، والأدوية المنقذة للحياة، و.. .. ليدي غاغا والفياغرا!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك