زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ولدي تفرنج
كتبت كثيرا عن عشقي للغة العربية، وأن حبي لها جاء بعد طويل جفاء بيننا، تسببت فيه دروس قواعد اللغة وتحديدا «الإعراب»، ثم عرفت شيئا من الشعر العربي، واكتشفت أن لهذه اللغة قدرة هائلة على التصوير البديع لمختلف الأمور، ومن ثم فمن الأشياء التي تحز في نفسي أن لؤي، الذي هو أصغر عيالي، «مستشرق»، وإلمامه باللغة العربية ضعيف، فقد شاءت الأقدار أن يدخل الروضة والمدرسة في لندن، ثم يواصل تعليمه بعد عودتنا إلى قطر في مدرسة بريطانية، حيث يتم تشجيع التلاميذ على التخاطب بالإنجليزية طوال وجودهم داخل مباني المدرسة، وكان لابد له من دخول جامعة يتم فيها التدريس بالإنجليزية، وهكذا صار يمارس الأُنس مع أصدقائه وزملاء الدراسة «العرب» عبر الهاتف أو حتى عند التزاور في البيوت بتلك اللغة، مما يجعله عرضة للبهدلة من جانبي كلما ضبطته بجرم التحدث بالإنجليزية في البيت، وببعض الجهد والتشجيع تحسنت لغته العربية الفصحى بعض الشيء، ولكن إلمامه بالعامية السودانية ما زال ضعيفا، خاصة فيما يتعلق بالحكم والأمثال والمفردات البلدية والعبارات المستجدة.
أنا أيضاً لا أفهم الكثير من المفردات التي دخلت اللغة الدارجة في السودان خلال السنوات الأخيرة، فعندما تسمع شاباً يتكلم عن فتاة ويصفها بأنها «فردة» تفترض أنه يكرهها، لأن كلمة فردة مرتبطة في أذهاننا بأحد زوجي الحذاء، فنحن نتكلم عن الفردة الشمال واليمين، أي الحذاء الخاص بهذه القدم أو تلك، ولكن «فردة» تعني في سودان اليوم «الحبيبة/الحبيب، والصديق/ الصديقة»، فهي تطلق على الجنسين. وتستنكر استخدام تلك الكلمة لوصف شخص له مكانة في نفس المتكلم فيقول لك إنها تعني أننا «زوجان/ جوز» يكمل أحدهما الآخر (فتقول في سرك: يعني لم تجدا كلمة سوى تلك التي تجعل من كل منكما فردة حذاء..جوتي.. كندرة.. شوز؟)، ومن عجائب العامية السودانية أن كلمة نابية مثل «تافه» تستخدم كثيراً لوصف شخص ظريف ولماح وسريع البديهة ولاذع اللسان حلوه، فـ«فلان تافه» تعني أنه حاضر البديهة وحلو الروح ويتمتع بالخبث «الحميد».
نعود إلى لؤي الذي لا ينام أو يأكل الطعام إذا خسر نادي مانشستر يونايتد البريطاني مباراة، وكان قبل أيام يشاهد مباراة في كرة القدم عندما سمع المعلق العربي يقول لضيفه خلال استراحة بين شوطي المباراة «كان التعادل وشيكا»، ونحن في السودان – مثل المصريين نسمي الوجه «وش». فلان وش نحس أو وش سعد، وللتصغير والتحقير نقول في السودان للمخاطب «وشِيك» بكسر الشين تحويرا لـ«وجيه» لتصغير كلمة وجه.
وفي معظم الدول العربية يعني التعبير «زي وشَّك/مثل وجهك» أن الشيء لا يسر ويبعث السرور/ باعتبار أن وش أي وجه المخاطب يسبب النكد، ومن ثم فقد حسب لؤي أن المعلق سيء الأدب وأنه يقول أن التعادل بين الفريقين كان شؤماً مثل «وش» الضيف. وطبعاً إذا قلت لهيفاء وهبي إن «مستقبلك زي وشك» فأنت لا تقصد أن مستقبلها جميل، بل تقال العبارة عند الغضب للإيحاء للمغضوب عليه بأن وجهه من فرط القبح «يقطع الخميرة».
أتذكرون ما كتبته هنا عن السيدة المصرية خريجة الجامعة الأمريكية والتي تعمل مترجمة ورفعت دعوى على زوجها الطبيب طالبة الطلاق منه لأنه «متخلف»، ويصر على التحدث معها بالعربية؟ للحكاية نهاية سعيدة: وقع الطلاق بحكم المحكمة، وربما تشتم القاضي بحسبان أنه قضى بالطلاق لسبب تافه، ولكنه في تقديري أصدر حكماً عادلاً وحكيماً لصالح الزوج الطبيب، فامرأة بتلك الهيافة لا تصلح زوجة لأحد، ولا تحسب – عزيزي القارئ/ القارئة- أنها أمريكانية التنشئة والتربية والثقافة، وتجد صعوبة في التخاطب بالعربية! لا هي مصرية 100% والجامعة «الأمريكية» التي درست فيها موجودة في القاهرة.
شخصياً أنصح كل شاب طموح ببذل كل جهد لإتقان الإنجليزية بوصفها أداة للمعرفة والعلم وليس القنزحة و«الاستعراض» ولكن ليس بالتأكيد على حساب اللغة الأم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك