زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الجهل يغذي سوق الدجل
من طريف ما كتب البروفسر علي كوباني أحد أميز من تخصصوا في الطب العدلي في السودان أنه أتاه ذات يوم أربعة أشخاص ذوو لحى محفوفة بعناية، ويرتدون ملابس بيضاء نظيفة، وقال له أكثرهم لحما وشحما أنهم يريدون نقل رفات «شيخهم» الذي توفي قبل تسعة أشهر من المقبرة العامة، الى الضريح الذي اكتمل بناؤه، وإنهم يريدون منه نبش الجثمان حسبما تقتضي الأصول المرعية ليتسنى لهم تشييعه الى مكان يليق به، فقال لهم كوباني إن عليهم تجهيز كفن جديد وصندوق خشبي، مشيرا الى ان العملية يجب ان تكون دقيقة لأنه من المؤكد ان الجثمان تحلل ولم تبق منه سوى العظام، هنا صاح فيه ذلك الرجل: كُف عن قلة الأدب، فجثمان شيخنا (المبروك) لا ولن يتحلل، وأنت ستتولى نبش القبر وسترى بنفسك انه يرقد فيه في كامل هيئته الجسمانية.
جاء اليوم الموعود وتوجه كوباني ومساعدوه الى المقبرة، ووجدوا حولها خلقا كثيرا من مريدي الشيخ المتوفى يقرعون الطبول ويطلقون البخور وينشدون الأناشيد التي تمجد الشيخ الراحل، وبدأت عملية النبش في حذر بالغ حتى وصلوا الى الرفات، واكتشفوا أنه لم يبق من الجثمان سوى كومة من العظام، فإذا بأحد الرجال الأربعة يهتف: الله أكبر فقد وجدنا شيخنا سليما في كامل هيئته، فرددت الحشود التكبير وعلا دوي الطبول احتفاء بتلك «المعجزة»، ويقول كوباني ان من أطلق تلك الكذبة نظر إليه نظرة وعيد مؤداها: لو فتحت فمك بكلمة تنفي ما قلته فستنزل انت في القبر الذي كان فيه شيخنا.
وعلينا الاعتراف بأن الاعتقاد بأن لبعض بني البشر القدرة على الرجم بالغيب وتغيير مجاري الأحداث متفش وبائيا، ولا أحد من باعة وزبائن الوهم أولئك يرعوي عندما يسمع بالدجال الجزائري الذي لجأت اليه عروس عانت من تشنجات بعد أسبوع من عقد قرانها، ثم اختفى أثرها، وبعد عدة أيام تم العثور عليها محتجزة في مستودع ضيق واتضح ان الدجال اغتصبها عدة مرات، أو باللبنانية التي استعانت برجل ذاع أمر قدراته الخارقة ليحبط مسعى زوجها للاقتران بأخرى، فأعطاها مساحيق لتضعها في مشروب تقدمه لزوجها، ونجح «المفعول» في إحباط مشروع الزوجة الثانية، لأن الرجل مات مسموما، واتضح ان الدجال تعمد قتله كي يتسنى له الاقتران بالزوجة التي لجأت اليه، واستطاع دجال الاستيلاء على 33 ألف دولار من فلسطيني وزوجته بزعم إخراج الجان من جسد الزوجة، رغم إقامتها في فلسطين ووجود الدجال في القاهرة (ربما بال «بلو توث»)، بل مضى الدجال الى أبعد من ذلك وطلب من زوج السيدة القدوم الى مصر، لأن أنظمة الاستشعار عنده أفادت بان بيت الزوجية في فلسطين يجلس فوق كنز من المجوهرات، ونجح بذلك في الحصول على مبالغ إضافية إلى ان انكشف أمره وتم اعتقاله.
جاء في دراسة للمنتدى القومي للفكر والتنمية بأن العرب ينفقون خمسة مليارات دولار سنويا على أعمال الدجل والشعوذة، مما يشي بأن الملايين من العرب «المسلمين» ضالعون في سوق الشعوذة، بل صارت هناك قنوات فضائية تلفزيونية عربية متخصصة في فك السحر وإحباط العين الحاسدة وتفيد دراسة أعدها مركز «البحوث الاجتماعية والجنائية» في مصر أن هناك نحو ثلاثمائة ألف شخص في مصر يدعون القدرة على علاج المرضى بتحضير الأرواح، و«إخراج الجن من جسد الإنسان»، إضافة إلى عدد مماثل يزعمون قدرتهم على علاج المرضى بآيات من القرآن والإنجيل وبعض الأعشاب «المبروكة»، وفي هذا تقول آمنة نصير أستاذة الفقه بجامعة الأزهر إن الأميّة ليست وحدها المسئولة عن الاتجاه إلى السحر والاعتقاد في التمائم. بل أن المشكلة الحقيقية تكمن في أميّة العقيدة والفكر.
هذا زمان يحسب فيه كثير من المسلمين انهم يقومون «بالواجب وزيادة» لأنهم يرددون آناء الليل وأطراف النهار: بسم الله/ الحمد لله/ استغفر الله/ ما شاء الله، ثم، وهم لا يدرون، يشركون بالله أناسا أبعد ما يكونون عن الله، فيعدونهم قادرين على تغيير مجرى الأقدار، والتكهن بما سيصير من أحداث هي في رحم الغيب، ويمارسون في سياق ذلك «تنجيس» الأموال بينما لصوص المال المحترفون يغسلونها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك