زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ليس للحب أمد صلاحية
نحن قوم نكتب الشعر والنثر في الحب ولكننا نستصعب ان نقول «أحبك» لمن نحب، حتى لو كانوا عيالنا فوق سن العاشرة، بمعنى أننا قد نتواضع ونقول لطفل صغير إننا نحبه إذا تشكك في حبنا له (كان ولدي لؤي يبتزني في طفولته، فكلما رفضت له طلبا أو زجرته على خطأ تساءل في استكانة: يعني ما تحبني؟ فلا أخضع للابتزاز وأقول له: لو كررت هذا الفعل او القول فلن أحبك).
قبل سنوات كتبت عن رجل إيراني تجاوز التسعين، طلق زوجته بعد زواج دام 75 عاماً. وقال الرجل إنه ليس راغباً في الزواج بأخرى، ولكن ملَّ وسئم العيش مع زوجته. وأثناء كتابة المقال قلت لزوجتي: لو مد الله في أيامنا ودام زواجنا خمسين سنة، «كل حي يروح لحاله»، فكان ردها: خليها أربعين سنة! ورغم أن الأمر كان هذرا (هزارا) ومناكفة ومداعبة فإنني تضايقت، فقد توقعت منها أن تعاتبني وتتهمني بأنني لا أحترم ولا أرعى «العشرة»، وها هي تقول لي إنها لا تمانع في تفنيشي إذا دام زواجنا أربعين سنة.
أذكر أنني كنت ضيفاً في منتدى، وتعرضت لسيل من الأسئلة، ثم فاجأني أحد الحضور بسؤال عجيب: هل من الوارد أن تتزوج فوق زوجتك الحالية؟ لم أتلجلج في الإجابة عن السؤال، بل قلت بكل ثبات: لن أتزوج عليها حتى لو رحلت عن الدنيا قبلي. وكنت صادقاً، لأنني أعتقد أن الزواج لا يتعلق فقط برغبات الرجل أو المرأة بل أيضاً برغبات و«مصلحة» العيال الذين نجموا عن الزواج، طالما العلاقة الزوجية قائمة على المودة والرحمة والاحترام المتبادل، وقلت ما قلت لأنه ليس وارداً عندي أن تدخل حياتي امرأة قد تنال من أيّ من عيالي ولو بكلمة عابرة، أي أن أترمّل وأتبهدل أهون عندي من أن يتبهدل عيالي على يد امرأة أخرى حتى لو كان أولئك العيال جميعاً فوق الثلاثين.
في العاصمة المصرية نظرت محكمة الأحوال الشخصية في دعوى طلاق رفعتها سيدة في الثالثة والسبعين مطالبة بإنهاء زيجة دامت أكثر من خمسين سنة. الزوج يبلغ الثامنة والسبعين، يعني كان أكبر من زوجته بخمس سنوات، وقالت الزوجة إنه بعد أن كبر أولادهما الثلاثة وتزوجوا ونالوا أعلى الوظائف والدرجات العلمية صارت حياتها خواء وسأماً ومللاً. واعترفت الزوجة بأن زوجها كان لطيفاً ومحباً ثم فجأة انصرف عنها، وصار يقضي معظم يومه خارج البيت مع أصدقائه في المقاهي والمطاعم، وقد تمرّ أيام دون أن يتبادل معها كلمة. الصحف التي نقلت حكاية دعوى الطلاق هذه تفننت في وضع عناوين تستخف بالدعوى «تريد المزيد من التدليل/عجوز مازالت رومانسية»، وكأن هناك سناً معينة يستغني عندها الإنسان عن الحب والحنان.
حقيقة الأمر هي أن الإنسان يصبح أكثر حاجة إلى تعابير الحب والاهتمام كلما تقدم في السن (عندما ينام الشخص وأسنانه في مكانين منفصلين)، ويصاب كثير من الآباء والأمهات ممن تقدموا في السن بالاكتئاب ويصبحون عصبيين لأن من حولهم ينصرفون عنهم، بسبب مشاغل الحياة، أو بسبب انشغالهم بأمورهم الخاصة، بل وقد يعتبرون الوالدين العجوزين «عبئاً»، وكلما فكرت في أنه قد يأتي يوم يعيش فيه كل واحد من عيالي في بيته الخاص وتصبح صلتي بهم وبأمّهم مكالمات هاتفية أو زيارات عابرة أحسّ بغصّة في حلقي وألم في صدري. أحياناً أتمنى لو أنني أملك المال لبناء مجمع سكني للعائلة الجعفرية يقيم فيها عيالي مع أزواجهم وزوجاتهم. فإذا بأكبر أولادي ووالد أحفادي يعيش بهم بعيدا عني ولا يزوروننا إلا مرتين في السنة (يا للعقوق)، وبعد هذا يعتزم الإقامة في كندا حيث من المرجح ان يصاب فيها بالبرود العاطفي.
وأبتسم وأنا أتذكر قصة الامريكي المقيم في شيكاغو واتصل بابنه الذي في اليابان وابنته التي في البرازيل ليبلغهما أنه قرر تطليق أمهما، فجاءته الصرخات من كل منهما: اصبر باكر أكون معكم وأحل «المشكلة»، فنظر الرجل لزوجته مبتسما وقال: أولاد ال... سيأتون ويقضون معنا بعض الوقت.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك