زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لا للعلاج بالريموت كونترول
أعذروني فقد كان مقالي ليوم أمس يتعلق بحكايتين عن الفشل الكلوي وزراعة الكلى، وأحدثكم اليوم عن أمر صحي (ولا أقول طبي)، وأبدأ بحكاية أم الجعافر التي هي »زوجتي وحلم حياتي/ بين ماض من الزمان وآت» مع الاعتذار للشاعر جورج جرداق والمطربة ام كلثوم، فقد ظلت تعاني لسنوات آلاماً مبرحة في الظهر والكتف، بسبب اختلال خلقي في ترتيب فقرات الظهر العلوية والعنق، (سكوليوزز بلغة الفرنجة) وكان الله رحيما بها ولم تعان اي متاعب أو آلام في مراحل حياتها الأولى، كما يحدث عادة ممن يعانون من مثل ذلك الاختلال وسافرت بها شرقاً وغرباً، حتى صرت «مثقفاً» في شؤونها الصحية، ولأن المريض يبحث عن حل حتى في فم التمساح، فقد كنا نسأل هنا وهناك عن اختصاصيين في أمور الأعصاب والعمود الفقري.
وذات مرة تلقت زوجتي معلومة بأن هناك طبيباً شاطراً في عاصمة عربية ما، وألحت علي في مخاطبته هاتفياً لأخذ موعد معه، ولأنه لا صوت يعلو فوق صوت أم المعارك فقد اتصلت بالطبيب الجراح الذي سألني أسئلة عامة عن حالتها، وفور سماع أجوبتي شرع صاحبنا يحدثني عن تفاصيل الجراحة التي سيجريها للمدام بإعادة ترتيب الفقرات كذا وكذا في ظهرها، بحيث تستطيع المشاركة في الألعاب الأولمبية، و«أنا أحب السودانيين فلا تحملوا هم تكاليف العلاج، لأنني سأعالجها بسعر التكلفة».
وأنهيت المكالمة معه بأسرع ما يمكن لأنه سقط من عيني ونظري، فليس هناك طبيب يحترم نفسه وتقاليد مهنته يقبل بتشخيص حالة مريض عبر الهاتف، دعك من أن يكون جراحاً ويحدد نوع وأسلوب الجراحة دون أن يلقي نظرة على صور الأشعة والرنين المغناطيسي وتخطيط الأعصاب، بل إنني اعتقد أن قبول أطباء المشاركة في برامج تلفزيونية تستقبل شكاوى المرض فيقومون هم بتشخيص كل حالة وتوصيف طريقة العلاج أو جرعات هذا الدواء أو ذاك عملا لا أخلاقيا.
ومن عيوب مجتمعاتنا فيما يتعلق بالمسائل الطبية أن بعضنا ينصب نفسه مفتياً في شؤون الأطباء: الطبيب الفلاني شاطر وماهر.. أما الطبيب الفلتكاني فبالتأكيد حمار وشهادته مزورة! لأنني ذهبت إليه وأنا أعاني من عدم توازن ودوخة وقال إن العلة تكمن في أذني «بدلاً من أن يكشف على مخي، وأنا عمري ما شكيت من ألم في الأذن». ويصدق بعضنا تلك الأحكام الساذجة، وقد يقرر في ضوئها السفر إلى الخارج لأنه سمع أن في وجهته طبيباً بارعاً بدليل أنه عالج كنتوشة زوجة بطروخ التنبلاوي.
والمؤسف أن عواصم عربية بعينها صارت مشهورة بـ «التفوق» الطبي، لا لسبب سوى أن الأطباء هناك خرجوا عن أصول المهنة وأخلاقياتها وصاروا يعلنون عن أنفسهم وقدراتهم الخارقة بأساليب فجة تنطلي على البسطاء، وتلجأ إليهم شاكياً من علة في المعدة، فيقنعونك بأنك تعاني عللا في القلب والعين والكبد والكلى والطحال والأذن الوسطى وقرنية العين، و«روح أعمل تحاليل في المختبر وبعدها أعمل صور بالموجات الصوتية والأشعة تحت البمبية».
في واحدة من تلك الورش الطبية في عاصمة عربية خضعت سيدة لعملية جراحية، وبعد عدة أيام رجعت إلى العيادة ليزيل الجراح الغرز من موضع الجراحة، واستلقت على ظهرها وبدأ الجراح في البحث عن أداة يزيل بها الغرز ولكنه لم يعثر على شيء يصلح لتلك المهمة، فغادر الغرفة ثم عاد حاملاً سكين مطبخ عادية، ولاحظت ابنة المريضة أن السكين عليها بصمات ورائحة البصل واللحم والثوم، فاستنكرت استخدامها على جرح ما زال «طرياً»، فنظر إليها الطبيب باحتقار، وقام بغمس السكين في قنينة ديتول، وواصل قطع الغرز والمسكينة تصرخ وتولول لأن السكين لم تكن حادة، فكان الجراح يسحب الخيط بشدة بيده كي ينقطع، ولعدة أيام بعدها عانت المريضة التهابات وتقيحات حادة في موضع العملية، ورفعت الأمر إلى نقابة الأطباء (هذه الحكاية منشورة في صحف البلد الذي ينتمي إليه الجراح في الأول من اكتوبر المنصرم)، ويا أعزائي ضعوا ثقتكم في أطباء بلدانكم فهم على الأقل «قلبهم عليكم» ومنكم وفيكم ولا تلجأوا إلى أي طبيب ينشر إعلانات ودعايات عن كفاءته.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك