زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
مديون ليلى ومجنون كرواتيا
كتبت هنا قبل نحو عامين عن «مديون ليلى»، وهو سوداني أصيب بالفشل الكلوي وتبرع له العشرات من أقاربه بكلاهم ولكن لم يحدث تجانس الانسجة المطلوب وكانت المفاجأة أن كلية ليلى التي هي زوجته ولم تكن تربطها به قرابة دم جاءت أنسجتها مطابقة تماما لأنسجة كلية الزوج، وهكذا أسميته مديون ليلى، ولم ينس صاحبنا قط جميل زوجته تلك.
ثم تعالوا نقرأ حكاية ستيفان بيزاكيتش، وهو مواطن من كرواتيا أصيب بفشل كلوي، ونجح جراح مسالك بولية في زرع كلية جديدة له، فاستردّ عافيته وصحته، ثم رفع دعوى قضائية على الجرّاح والمستشفى الذي تمّت فيه الجراحة مطالباً بتعويض مادي. ستقول: إما هذا الكرواتي مجنون وناكر للجميل، أو أبو الجعافر مجنون. لا داعي للاستعجال في إصدار الأحكام. فقد حصل بيزاكيتش على الكلية الجديدة من سيدة كانت قد ماتت دماغياً، وبعد أن شفي من آثار العملية الجراحية واستأنف حياته العادية طرأ تغيير عجيب على سلوكه: صار مهووساً بترتيب الملابس في الخزانات والخياطة وتلميع الطاولات وكيّ الملابس وطبخ الطعام. هذه «ما فيها شيء»، صح؟ ولكنه صار يبكي لو رأى قطة ضالة هزيلة، ويحرص على مسح جسمه بالكريمات والدهانات.
نسيت أن أقول لكم أنه يبلغ من العمر 65 عاماً، وأن أذكركم بأن الرجل الكرواتي بطبعه «دفش» أي خشن وبه غلظة وبعض جلافة، ويعتبر الأعمال المنزلية اختصاصا نسائياً، وبالتالي كان من البديهي أن يصبح بيزاكيتش أضحوكة بين أصحابه بسبب قيامه بأعمال نسائية ولكونه صار ستّاتي المزاج. ولكن كانت زوجته رادميلا في منتهى الانبساط، لأنه يقوم نيابة عنها بأعباء المطبخ والعناية بالبيت، بل وتعارض الدعوى التي رفعها ضد المستشفى والجراح الذي نقل إليه الكلية النسائية، من منطلق أنه لا يعيب الرجل في شيء أن يقوم بأعمال منزلية، وأن المهم في الأمر هو أن الكلية الستاتية أنقذته من الموت بعد أن أصبح غسل الكليتين غير مجد معه.
يقول البروفيسور بوبان بوبالو مدير معهد أبحاث الذكورة والأنوثة في زيوريخ بسويسرا إنه من الممكن من الناحية النظرية أن تنتقل بعض المواد البيوكميائية والجينية مع العضو المزروع، وأن هناك احتمالا أن كلية المرأة التي زرعت في جسم بيزاكيتش كانت تحوي كمية كبيرة من الستروجين مما أدى إلى اختلال التوازن النفسي لديه. وهناك اختصاصيو مخ وأعصاب يؤكدون أن الذاكرة ليست فقط في الدماغ بل تكون موزعة في خلايا وأعضاء الجسم، وشاهدت مؤخرا فيلما وثائقيا عن مليونير أمريكي كان مهووسا فقط بجمع المال، وبعد أن زرعوا له قلب شاب رياضي انصرف تماما عن عالم المال وصار من محترفي سباقات الدراجات ورغم أنه تجاوز الخمسين إلا أنه -بالقلب الرياضي الجديد- صار رشيقا قوي العضلات، ثم استغل شهرته «الجديدة»، وصار ينظم الفعاليات لجمع المال للأغراض الخيرية وتبرع بالملايين من ثروته للفقراء والمرضى، واكتشف أن الشاب المتوفى الذي انتقل اليه قلبه كان يخصص معظم ما يكسبه من الرياضة للأعمال الإنسانية، فعزز ذلك فرضية أن بعض خصال الشخص المتوفى الذي يتم نقل عضو من جسمه إلى آخرين تنتقل الى الشخص المستفيد من ذلك العضو.
والفشل الكلوي مثل الذبحة الصدرية والجلطة قد يفاجئ الإنسان الذي لا يجري فحوصات دورية للاطمئنان على وظائف الأعضاء الحيوية في الجسم، وقد تصاب أنت أيها القارئ -لا قدر الله- بهذا النوع من الفشل، وقد يكون تأثيره مضاعفاً لأنك فشلت في الحصول على شهادة أكاديمية، أو حصلت عليها وفشلت في الحصول على وظيفة عليها القيمة. ما سيحدث غالباً هو أنك ستلجأ إلى بلد يعاني أهله الفقر ومن ثم يبيعون بعض أعضائهم ومنها الكلى، فاستفسر جيداً عن مصدر الكلية التي ستزرع فيك حتى لا تعود إلى أهلك -إذا كنت رجلاً- والمونوكير على أظافر يديك أو -إذا كنت امرأة- تسير في الشارع ويصدر حلقك أصواتا منكرة مثل (خااا خخخا توفففف).. هذه ممارسة رجالية محضة، واحذروا إذا زرعتم أعضاء في الغرب، من أعضاء الخنازير المعدلة وراثياً حتى لا تعود إلى بلدك معافى ثم يجدك أهلك تأكل من مقلب القمامة!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك