زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
للظروف الاقتصادية أحكام
هل أتتكم حكاية المرأة اليوغندية؟ ويوغندا يا رعاك الله، جارة السودان من الناحية الجنوبية، قبل أن ينفصل عنه الإقليم الجنوبي، وأعني هناك تلك السيدة اليوغندية التي مات زوجها فترملت وتبهدلت، ولأنها كانت تحبه كثيراً قررت أن تأكله. وقد كان. أي أكلته بالفعل «همهمهمهم»، ولم تترك منه إلا الرأس لخلوِّه من اللحم، وقبل أن تنالها ألسنة السوء، أبلغت الأرملة الشرطة أنها أكلت جثة الزوج بناء على نصيحة والده. يعني أبو الزوج الميت هو الذي أوعز إليها بالاستفادة من لحمه قبل أن يتلف حتى تنتقل جيناته إليها. يعني في نظر الوالد، كانت الزوجة أولى بلحم زوجها من ديدان الثرى.
وبالطبع سيقول المتحذلقون والمتنطعون والمتفلسفون أن ما فعلته تلك المرأة ضرب من البربرية، فما رأي هؤلاء في اختفاء بضعة ملايين من الكلاب في الصين بعد أن فرضت الحكومة ضريبة عليها؟ وتلك الكلاب لم تهاجر إلى هونغ كونغ أو كندا، بل اختفت لأن أصحابها أكلوها. وكانوا في ذلك ومن وجهات نظرهم عمليين: إما دفع الضرائب وإما السماح للشرطة بقتل الكلاب، وفي كلتا الحالتين كانت الكلاب «ستروح أوانطة»، فلم يكن من سبيل أمامهم سوى أكلها. وهنا أيضاً سيقول الناس أن تلك ممارسة بربرية، أما عندما يعد الفرنسيون الشوربة من سيقان الضفادع فإن ذلك لا ينفي أنهم سادة التحضر والتمدن!
لظروف الناس الاقتصادية أحكام، وأذكر هنا كيف أن مصنعاً للأحذية في مصر واجه قبل نحو عشرة أعوام أزمة في السيولة النقدية فأعطى العاملين نصف رواتبهم نقداً.. كاش داون.. والنصف الآخر «جزم.. جوتي.. شوز»، يعني على سبيل المثال من الممكن أن رئيس العمال تقاضى 200 جنيه نقداً مع 4 أزواج أحذية برباط وثلاثة أزواج صندل و4 أزواج شباشب. المشكلة هي أنه لو كان انتاج المصنع قابلاً للتسويق لما عانى المصنع أصلاً من نقص السيولة.
وما هو أخطر من ذلك أن ظاهرة الارتداد إلى المقايضة، في زمن أصبحت فيه البطاقات الإلكترونية تقوم مقام النقود، في زمن كهذا يذهب الناس إلى السينما في سيبيريا حاملين معهم البيض، ويدفعون بيضتين مقابل تذكرة المقاعد الشعبية، وقياساً على هذا فإن يريد مقعداً في الدرجة الأولى يجب أن يدفع القيمة دجاجة عالية الخصوبة، أما المقصورة الفاخرة «بلكون» فقيمتها تيس ذو كفاءة عالية وسليل حسب ونسب؛ وسيبيريا هذه تضم مخزوناً هائلاً للبترول والغاز الطبيعي، وهي جزء من جمهورية روسيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي الذي كان يحمي الأيتام من أمثالنا من بطش واشنطن، الذي فككه وفتفته ذاك الموسوم بـ «شامة» قبيحة على أم رأسه، ميخائيل غورباتشوف.. لعنة الله عليه وعلى من أتوا من بعده، وعلى رأسهم يلتسين الذي فتكت به الفودكا فأراحتنا من طلعته القميئة ثم جاءنا القبضاي بوتين قطع الله منه الوتين.
لقد أصبحت مقتنعاً تماماً بأن الاشتراكية لم تكن كلها شراً كما يذيع الذين شهروا سكاكينهم بعد سقوط الثور الاشتراكي، فلابد لكل أمة من جرعة قوية من الاشتراكية لحماية الفقراء دون تحويل الشعب كله إلى فقراء فإذا أضفنا إلى الاشتراكية جرعة من الرأسمالية تكفل التنافس الحر، نكون قد توصلنا إلى نظرية الإشتمالية التي كان لي شرف إعدادها وإخراجها وإنتاجها هنا على صفحات «أخبار الخليج»، ويطيب لي أن أعلن عن بيع حقوق استخدام تلك النظرية لمن يرغب بشرط أن يكون الدفع نقداً.. يعني «بيض» لا.. وأحذية، يفتح الله.. وبصراحة فإنني لا أحبذ بيع هذه النظرية للدول الغلبانة لأنها جميعاً تؤمن بـ «الرأشمولية» وهي الرأسمالية في ظل نظام شمولي، ولابد أن أعترف على مضض بأن الرأشمولية أثبتت نجاحها في الكثير من البلدان حيث تعزز مركز الرأسماليين بينما «شملت» الدولة بقية قطاعات الشعب برعايتها بأن وضعتها تحت عينها التي لا تغمض!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك