من الغريب عند متابعة الأحداث الدامية والمواجهات المستمرة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أن الموضوع الجوهري الذي تسبب في كل هذه الصراعات الدموية هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي ورفضه الرفض الكامل والمطلق لقرارات الشرعية الدولية المعلومة لدى الجميع والتي يجمع عليها أغلب دول العالم وهذا هو المفتاح الرئيسي لفهم ما يحدث اليوم في غزة وما يحدث كل يوم تقريبا في الضفة من مواجهات وقتل وتهديم للبيوت وحرق للمزارع واقتلاع للأشجار على حساب الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يعيش تحت كابوس الاحتلال وتحت كابوس اعتداءات المستوطنين.
وبغض النظر عن المواجهة الحالية بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وقوات حركة حماس فإن سقوط عديد من الضحايا من المدنيين في غزة هو أمر مخالف للقانون الإنساني الدولي وخاصة في أثناء الحروب، فإن ما يتم تجاهله تماما سواء من قبل الإسرائيليين أو من قبل الدول الغربية وإعلامها وسياساتها أن حماس ليست دولة وليس لها جيش نظامي وإنما هي مجموعة من المقاتلين الذين يواجهون حالة احتلال مستمر وعنيف ولا يرحم في حين أن إسرائيل تمتلك جيشا جرارا ومتطورا ويمتلك أسلحة حديثة ومتقدمة ومدعوم بشكل كامل ومطلق من الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب الدول الأوروبية وكل هذه القوات لمواجهة مجموعة من المقاتلين الذين تحركوا ضد حالة الحصار والظلم الذي يتعرض له سكان غزة منذ أكثر من 16 سنة على الأقل. وهو حصار كامل حتى أن العديد من التقارير المنشورة في العالم تؤكد أن قطاع غزة وهو يبلغ 350 كيلو مترا مربعا يعد سجنا كبيرا يقطنه حوالي مليونان وثلاثمائة ألف مواطن فلسطيني من ضمنهم أكثر من مليون هجروا من مناطق أخرى من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 وهو محاصر بشكل كامل ويمنع إدخال أي شيء لهذا القطاع الذي يختنق فيه سكانه وتبلغ نسبة البطالة فيه حوالي 50% ويعد من أكثر المناطق ازدحاما وكثافة سكانية ولولا المعونات الأممية والعربية لأصبح سكان هذه المنطقة في وضع بائس لا يحتمل.
وما يتم تجاهله في هذه المعركة الأخيرة أيضا إن ما تقوم به إسرائيل كرد فعل على العملية التي قامت بها قوات حماس تعتبر في معظمها ضمن جرائم الحرب المنصوص عليها في القانون الدولي، فأي بطولة وأي قوة وأي انتصار في التدمير الممنهج للمساكن والبيوت على رؤوس أصحابها؟! وأي بطولة أيضا في أن يطوق جيش كبير مثل الجيش الإسرائيلي هذه المنطقة من الأرض ويعلن تهجير السكان وإنه سيسحق هذه المنطقة برعاية ودعم معلن من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى والعديد من الدول الأوروبية التي شعرت بأن إسرائيل مهددة بسبب عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها حماس!.
وهناك ما يتم تجاهله أيضا من الحقائق الواضحة وهو أن إسرائيل ترفض الالتزام بالقرارات الدولية خاصة القرارين 338 و 424 بشان حتمية وضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية، كما أن إسرائيل وبالرغم من الجهود التي يبذلها الفلسطينيون والعرب وعدد من دول العالم والرباعية الدولية للوصول إلى اتفاق نهائي من خلال أوسلو 1993 فإنها أفرغت هذه الاتفاقية من محتواها تماما وحاصرت الشعب الفلسطيني في الضفة بمن في ذلك الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورجعنا مجددا إلى دائرة الاقتتال مع اندلاع الانتفاضة الثانية وجاءت الرباعية الدولية لوضع خارطة طريق لحل هذا الصراع وفقا لمبدأ الأرض مقابل السلام ووفقا للقرارات الدولية إلا أن إسرائيل أفرغت جهود الرباعية من محتواها السياسي والجغرافي.
بعد كل هذا وبعد استمرار الضربات الإسرائيلية واعتداءات المستوطنين المستمرة بما في ذلك الاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والقتل الممنهج للشباب الفلسطيني واحتجاز الآلاف من الشباب الفلسطيني في السجون الإسرائيلية وأغلبهم من دون محاكمة في مثل هذه الأجواء لا نستغرب أبدا اندلاع انتفاضات متتالية سواء كانت سلمية مثل انتفاضة الحجارة عام 1987 و عام 2002 أو هذه العملية الأخيرة التي قامت بها حماس و الأمر المؤكد أنه حتى لو تم إنهاء وجود حماس من دون حصول الشعب الفلسطيني على استقلاله ستظهر حماس ثانية وثالثة عبر السنين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك