العملية الفلسطينية الكبيرة التي جرت يوم السابع من أكتوبر وحملت عنوان «طوفان الأقصى» هي عملية استثنائية وغير مسبوقة؛ فقد دخلت عناصر كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) لأول مرة إلى مدن ومستوطنات إسرائيلية بأعداد فاقت 1000 عنصر وعربات وطائرات شراعية، كما اقتحموا معبر إيريز وكرم أبوسالم وحطموا بجرافات فلسطينية السياج الحدودي الذى يفصل بين قطاع غزة وإسرائيل.
كما أُطلق حوالي 7 آلاف صاروخ من غزة نحو إسرائيل وجرت مواجهات عنيفة في مدن إسرائيلية وليس فقط مستوطنات في غلاف غزة مثل مدينة عسقلان وسيدروت، كما سيطروا وضربوا 35 موقعًا وقتلوا أكثر من 1200 إسرائيليّ وأسروا آخرين وأصابوا ما يزيد على 2500.
واللافت أن مواجهات 2019 و2022 اقتصرت المواجهة فيها على حركة الجهاد فقط دون باقي الفصائل ومنها حماس ولم يسقط فيها أي ضحية إسرائيلية رغم إطلاق سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد) مئات الصواريخ على عدد من المدن الإسرائيلية.
لقد استهدفت إسرائيل قادة الجهاد ولم تستهدف قادة حماس، وكان هناك احترام لقواعد الاشتباك بين الجانبين كما هو الحال مع حزب الله في لبنان، خاصة أن حركة حماس ما زالت، على خلاف مع حركة الجهاد، لا تمثل جزءًا أصيلًا من الحسابات الاستراتيجية الإيرانية وأنها رغم علاقتها الجيدة معها حافظت على قدر من الاستقلالية وأعلت من شأن حساباتها الفلسطينية.
عملية المقاومة الفلسطينية «طوفان الأقصى» هي بحق عملية استثنائية لأن فيها ابتكارًا ودقة واحترافية كبيرة، ورسائلها عديدة، فهي من ناحية جاءت بعد فترة ابتعاد لحركة حماس عن المواجهات السابقة التي شملت الجهاد والجيش الإسرائيلي حتى خرجت كثير من الكتابات الغربية تعتبر فيها حماس أنها أصبحت قوة «عازلة» بين باقي فصائل المقاومة وإسرائيل، وجاء هجوم السابع من أكتوبر ليكسر هذه النظرية لأن هذا النوع من العمليات يحتاج فترات طويلة من الإعداد والتدريب والخداع الاستراتيجي حتى يمكن تنفيذها.
كما حملت رسائل إخفاق إسرائيلي داخلي وفشل سياسي وأمني واستخباراتي كبير، كما عكست فشلًا كاملًا لسياسات حكومة نتنياهو التي انشغلت بالسيطرة على السلطة القضائية وقهر الشعب الفلسطيني واعتباره غير موجود، وتبنت سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة والفصل العنصري واستمرت في بناء المستوطنات بالضفة الغربية بصورة جعلت حل الدولتين عمليًّا شبه مستحيل. يقينًا لقد فشلت سياسات حكومة نتنياهو في تجاهل حقوق الفلسطينيين وتبرير الاحتلال وأصبح استمرارها على المحك.
يقينًا العمليات العسكرية المسلحة رغم ما تثيره من حماس وتعاطف عربي إلا أنها لا تمثل في ذاتها حلًّا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إنما هي رسالة رفض واحتجاج مفهومة في ظل الاحتلال المطلوب منه أن يستفيد من رسالتها من أجل إجبار إسرائيل على إنهاء الاحتلال وإعادة الحقوق إلى الشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في بناء دولته المستقلة.
سترد إسرائيل بعنف وقسوة كما شاهدنا ذلك في جرائم الحرب والقصف الشامل على مناطق قطاع غزة في الأيام الماضية لكن الأمر المؤكد أنه طالما بقي الاحتلال ستستمر المنطقة في حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك