حين يتحدث المؤرخون الثقات والمشهود لهم بالنزاهة والموضوعية عن عظمة الانتصار التاريخي الذي حققه العرب في حرب أكتوبر عام 1973، فإنهم في واقع الامر لا يبالغون في احكامهم وتقديراتهم بل يشهدون بما اعترف به كبار القادة الصهاينة أنفسهم سواء القادة العسكريون أو السياسيون من الشعور بمرارة الهزيمة التي تلقوها في حرب أكتوبر وقضت على كثير من الأوهام ومشاعر الغرور والغطرسة التي تملكتهم بعد حرب 1967.
وفيما يلي نعرض لعدد من شهادات واعترافات القادة الصهاينة بآثار الهزيمة عام 1973.
الجنرال موشي ديان وزير الحرب الإسرائيلي علم 1973 اعترف قائلا: «إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل وان ما حدث في هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها، وأدى كل ذلك إلى تغير عقلية القادة الإسرائيليين»، «ولو لم أكن متأكدا أنه لم يبق خبير سوفيتي واحد في مصر لقلت إننا نحارب روسيا نفسها».
وكتب «ديان» في مذكراته يقول: إننا لم نملك القوة الكافية لإعادة المصريين إلى الخلف مرة أخرى، مشيدا بالدقة التي استخدم بها المصريون الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات.
وأكد «ديان» في مذكراته أنه «علينا الاعتراف بأننا لسنا أقوى من المصريين وأن حالة التفوق العسكري الإسرائيلي قد انتهت إلى الأبد وأن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب في ساعات إذا حاربوا إسرائيل تعتبر نظرية خاطئة، فلقد كانت هذه حربا صعبة، معارك المدرعات فيها قاسية، ومعارك الجو فيها مريرة.. إنها حرب ثقيلة بأيامها وثقيلة بدمائها».
أما جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل أثناء الحرب والتي اعترفت لاحقا بأنها فكرت في الانتحار اثناء الحرب فقد قالت في كتابها «قصة حياتي»: إنه لا شيء أقسى على نفسي من كتابة ما حدث في أكتوبر، فلم يكن ذلك حدثا عسكريا رهيبا فقط وإنما مأساة عاشت وستعيش معي حتى الموت، فلقد وجدت نفسي فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ قيامها».
وأضافت: «إننا كنا نحارب في جبهتين في وقت واحد ونقاتل اعداء كانوا يعدّون أنفسهم للهجوم علينا من سنين، وكان التفوق علينا ساحقًا من الناحية العددية سواء من الأسلحة، أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال.. كنا نقاسي من انهيار نفسي عميق.. لم تكن الصدمة في الطريقة التي بدأت بها الحرب فقط، ولكنها كانت في حقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها».
اما أبا آبيان وزير خارجية إسرائيل في نوفمبر 1973 فقد قال: «ان الانتصار المصري نابع من وطنية الجنود، فلقد طرأت متغيرات كثيرة منذ السادس من أكتوبر 1973، لذلك ينبغي ألا نبالغ في مسألة التفوق العسكري الإسرائيلي، بل على العكس فان هناك شعور طاغيا في إسرائيل الآن بضرورة إعادة النظر في علم البلاغة الوطنية، أن علينا أن نكون أكثر واقعية وان نبتعد عن المبالغة».
فيما قال الجنرال إبراهام آدان في كتابه على ضفتي قناة السويس: «كانت أكبر أخطائي هو هجومي في اتجاه القناة، لقد أحسست في الثامن من أكتوبر بضغوطهم علي بينما لم يكن يحدث مثل ذلك في الحروب السابقة، ولم يكن أمامي مفرّ سوى أن أستجيب» .
وقال «أروي بن أري» مساعد قائد جبهة سيناء في الحرب: في الساعات الأولى لهجوم الجيش المصري كان شعورنا مخيفا لأننا كنا نشعر أننا نزداد صغرا والجيش المصري يزداد كبرا، والفشل سيفتح الطريق إلى تل أبيب وأنه في يوم 7 أكتوبر خيم على إسرائيل ظل الكآبة ومنذ فجر ذلك اليوم وحتى غروب الشمس كان مصير إسرائيل متوقفا على قدرة صدها لهجوم مصر وسوريا، وخلال 25 عاما منذ عام 1948 حتى 1973 لم تتعرض إسرائيل لخطر الدمار بصورة ملموسة كما حدث في ذلك اليوم المصيري.
وتساءل «عساف ياجوري» أحد القادة العسكريين في الحرب على الجبهة المصرية والذي وقع في الأسر في الأيام الأولى للحرب: كيف حدث هذا لجيشنا الذي لا يقهر؟ كيف أصبحنا في هذا الموقف المخجل؟ وأين ذهبت سرعة الجيش الإسرائيلي وتأهبه؟
أما «إسحاق رابين» أحد أهم القادة الإسرائيليين ورئيس الأركان الإسرائيلي فيما بعد فقد أكد نجاح القوات المصرية والسورية في تدمير معظم المعدات الاسرائيلية التي تساعد على استمرار القتال، ولولا الجسر الجوي الأمريكي لما استطعنا الاستمرار في القتال، والذي يعدّ أضخم جسر جوي في التاريخ».
اما ديفيد بن جوريون الذين يلقبونه بمؤسس دولة إسرائيل فقد قال: «إن حرب أكتوبر قد قوّضت الثقة بالنفس لدى نخبة الأمن الاسرائيلية.. وتسببت بقدر معين في هدم افتراضات أمنية قامت عليها الاستراتيجية الاسرائيلية لفترة طويلة، ومن ثم تغيرت بعض العناصر الرئيسية في نظرية الأمن القومي التي تبلورت في العقد الأول من قيام الدولة على يدي».
في حين قال جورج ليزلى رئيس المنظمة اليهودية في ستراسبورج: «لقد أسفرت جولة الحرب الرابعة بين إسرائيل والعرب عن كارثة كاملة بالنسبة لإسرائيل، فنتائج المعارك والانعكاسات التي بدأت تظهر عنها في إسرائيل تؤكد أهمية الانتصارات العربية التي أنهت الشعور بالتفوق الإسرائيلي وجيشها الذي لا يقهر وأكدت كفاءة المقاتل العربي وتصميمه وفاعلية السلاح الذي في يده».
في كتابه «الى أين تمضي إسرائيل» يقول «ناحوم جولدمان» رئيس الوكالة اليهودية الأسبق:
ان من اهم نتائج حرب اكتوبر 1973 انها وضعت حدا لأسطورة اسرائيل في مواجهة العرب، كما كلفت هذه الحرب اسرائيل ثمنا باهظا حوالي خمسة مليارات دولار، وأحدثت تغيرا جذريا في الوضع الاقتصادي في الدولة الاسرائيلية التي انتقلت من حالة الازدهار التي كانت تعيشها قبل عام 1973 رغم ان هذه الحالة لم تكن ترتكز على اسس صلبة كما ظهر الى ازمة بالغة العمق كانت اكثر حدة وخطورة من كل الأزمات السابقة، غير ان النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت على الصعيد النفسي.. لقد انتهت ثقة الاسرائيليين في تفوقهم الدائم، كما اعترى جبهتهم المعنوية الداخلية ضعف هائل وهذا أخطر شيء يمكن ان تواجهه الشعوب وبصفه خاصة إسرائيل».
وأكد حاييم هيرتزوج رئيس إسرائيل الأسبق، في كتاب مذكراتي: «أن الصدمة خلال حرب اكتوبر لم تصب الجنود الاسرائيليين فقط وإنما أصابت أيضا القيادة الإسرائيلية ذاتها، على رأسها موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك»، قائلا: «إن حرب أكتوبر انتهت بصدمة كبرى عمت الإسرائيليين ولم يعد موشي ديان كما كان من قبل، وانطوى على نفسه من ذلك الحين، فلقد كان دائما على قناعة بأن العرب لن يهاجموا وليس في وسعهم أن يهاجموا».
وأضاف: «لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل أكتوبر 1973 وكان ذلك يمثل إحدى مشكلاتنا، فقد تعلم المصريون كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم. لقد كانوا صبورين كما كانت بياناتهم أكثر واقعية منا، كانوا يعلنون الحقائق تماما حتى بدا العالم الخارجي يثق في أقوالهم وبياناتهم».
اما الجنرال آفيف كوخافي، الرئيس السابق لهيئة المخابرات العسكرية فاعترف بأن الفشل الاستخباري الإسرائيلي في حرب 73 كان بسبب الثقة الزائدة بالنفس، وانعدام الشك بما يتعلق بنوايا المصريين لخوضهم معركة ضد إسرائيل، فقد فشلت المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان» عام 1973 في توقع الحرب، وأخذ الجيش الإسرائيلي على حين غرة، وكان ذلك سببا لتتالي الانتكاسات العسكرية التي أصابت الجيش الإسرائيلي في الحرب».
واعترف الجنرال الإسرائيلي عاموس يدلين رئيس سلاح المخابرات العسكرية السابق بأن حرب أكتوبر كانت بمثابة فشل استخباراتي لإسرائيل بالنسبة لإعطاء الإنذار المسبق لنشوب الحرب، مشددا على أنه حتى لا يتكرر مثل هذا الفشل، فقد غيرت إسرائيل مفاهيم الاستخبارات والأساليب كما طورت مصادر استخباراتية إضافية لكي تضمن إنذارات كافية لاحتمال نشوب الحرب».
اعترف أيضا الجنرال احتياط ايلى زاعيرا، رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية خلال حرب 6 أكتوبر 1973، بأنه ارتكب عدة أخطاء خلال الحرب وإن النظام المصري سعى إلى تحقيق الانتصار ولو كان جزئيا، مضيفا أن الخطأ الآخر الذي ارتكبه يتعلق بالعقلية الخاطئة التي كان المستوى العسكري يتمسك بها في حينه، وتتمثل في تقليل احتمالات نشوب حرب مع الدول العربية»، لافتا إلى أنه يشعر وكأنه لم يكافح لإقناع المستوى السياسي بصواب مواقفه».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك