العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أبو الجعافر عرَّافاً (1)

من‭ ‬عاداتي‭ ‬السنوية‭ ‬الراتبة‭ ‬أنني‭ ‬أشرشح‭ ‬العرّافين‭ ‬والعرافات‭ ‬وقارئي‭ ‬الطوالع‭ ‬والأبراج‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬ومطلع‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تقويمي‭ (‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬الخير‭ ‬حتى‭ ‬أكثر‭ ‬المسيحيين‭ ‬تشددا‭ ‬لا‭ ‬يسمي‭ ‬سنة‭ ‬مثل‭ ‬2023‭ ‬ميلادية،‭ ‬بل‭ ‬يسمونها‭ ‬في‭ ‬المستندات‭ ‬الرسمية‭ ‬‮«‬تقويمية‭/‬غريغورية‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬تجد‭ ‬ما‭ ‬نسميها‭ ‬نحن‭ ‬بالأعوام‭ ‬الميلادية‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬متبوعة‭ ‬بAD،‭ ‬ويرمز‭ ‬الحرفان‭ ‬للكلمتين‭ ‬اللاتينيتين‭ ‬اللتين‭ ‬تفيدان‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬ميلاد‭ ‬المسيخ‮»‬‭)‬

ولكن‭ ‬وبما‭ ‬ان‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬ربعه‭ ‬الأخير‭ ‬فإنني‭ ‬أريد‭ ‬ان‭ ‬اقدم‭ ‬أوراق‭ ‬اعتمادي‭ ‬كعراف،‭ ‬وبدأت‭ ‬صلتي‭ ‬بعالم‭ ‬التنجيم‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬وجاءت‭ ‬غجرية‭ ‬إلى‭ ‬بلدتنا‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان،‭ ‬والتف‭ ‬حولها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬الحي‭ ‬لتقرأ‭ ‬لهن‭ ‬الطوالع،‭ ‬وكانت‭ ‬هموم‭ ‬معظمهن‭ ‬تتعلق‭ ‬بالأزواج‭ ‬المهاجرين‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬السودان‭ ‬ومصر‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الرزق،‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬أخبارهم‭ ‬تنقطع‭ ‬عن‭ ‬زوجاتهم‭ ‬وعيالهم‭ ‬لمدد‭ ‬طويلة،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬التواصل‭ ‬يتم‭ ‬فقط‭ ‬عبر‭ ‬البريد،‭ ‬وكان‭ ‬البريد‭ ‬سلحفائيا،‭ ‬يوصل‭ ‬الرسالة‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬50‭ ‬كيلومترا‭ ‬في‭ ‬أسبوعين‭.‬

وفي‭ ‬بيئة‭ ‬تسود‭ ‬فيها‭ ‬الأمية‭ ‬والخرافات‭ ‬يكون‭ ‬الناس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يبشرهم‭ ‬بالخير‭ ‬والفأل‭ ‬الحسن،‭ ‬وكان‭ ‬هم‭ ‬النساء‭ ‬الأكبر‭ ‬أن‭ ‬يتأكدن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أزواجهن‭ ‬المهاجرين‭ ‬لم‭ ‬يقعوا‭ ‬ضحايا‭ ‬بنات‭ ‬المدن‭ ‬اللاتي‭ ‬يقال‭ ‬إنهن‭ ‬قليلات‭ ‬حياء‭ ‬وخطافات‭ ‬رجال،‭ ‬ويمكن‭ ‬الزواج‭ ‬بهن‭ ‬بسعر‭ ‬التكلفة‭. (‬كان‭ ‬أهلي‭ ‬النوبيون‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان،‭ ‬يتكلمون‭ ‬عن‭ ‬السودان‭ ‬وكأنه‭ ‬بلد‭ ‬أجنبي،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يدركون‭ ‬أنهم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬السودان،‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬يهاجر‭ ‬شمالا‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬مسافر‭ ‬الى‭ ‬مصر،‭ ‬بينما‭ ‬يقول‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتجه‭ ‬جنوبا‭ ‬صوب‭ ‬الخرطوم‭ ‬إنه‭ ‬مسافر‭ ‬إلى‭ ‬السودان،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬بنساء‭ ‬النوبة‭ ‬السودانية‭ ‬سوء‭ ‬ظن‭ ‬بنساء‭ ‬‮«‬السودان‮»‬‭ ‬ومصر‭).‬

وجاء‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬أمي‭ ‬فوضعت‭ ‬على‭ ‬الرمل‭ ‬أمام‭ ‬الغجرية‭ ‬قرشاً‭ (‬والمبلغ‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬لقارئات‭ ‬الطالع‭ ‬والبخت‭ ‬يسمى‭ ‬البياض‭) ‬وبلسانها‭ ‬الطلق‭ ‬طفقت‭ ‬الغجرية‭ ‬تقول‭ ‬لأمي‭ ‬كلاماً‭ ‬يفتح‭ ‬النفس‭ ‬عن‭ ‬ثروات‭ ‬مفاجئة‭ ‬ونجاح‭ ‬وفلاح‭ ‬العيال،‭ ‬وعرسان‭ ‬وعرائس،‭ ‬وكان‭ ‬إلمام‭ ‬أمي‭ ‬والنسوة‭ ‬الأخريات‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬ضعيفاً،‭ ‬فمنطقتنا‭ ‬المعروفة‭ ‬ببلاد‭ ‬النوبة،‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تتكلم‭ ‬لغة‭ ‬كان‭ ‬أجدادنا‭ ‬يتكلمونها‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5000‭ ‬سنة‭.‬

‭ ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أجلس‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬أمي،‭ ‬فقد‭ ‬رفعت‭ ‬الغجرية‭ ‬عينيها‭ ‬ونظرت‭ ‬إلي‭ ‬وقالت‭: ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬عمرك‭ ‬طويل‭.. ‬أجلك‭ ‬قصير‭.. ‬فهمت‭ ‬أمي‭ ‬الجزئية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بطول‭ ‬العمر،‭ ‬وانشرح‭ ‬صدرها،‭ ‬ورفعت‭ ‬قيمة‭ ‬البياض‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬قروش،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الغجرية‭ ‬تبرطم‭ ‬ببشارات‭ ‬إضافية‭.  ‬ورغم‭ ‬ان‭ ‬إلمامي‭ ‬بالعربية‭ ‬كان‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬إلمام‭ ‬أمي‭ ‬بها،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬ضليعاً‭ ‬فيها‭ ‬بحيث‭ ‬أدرك‭ ‬التناقض‭ ‬بين‭ ‬طول‭ ‬العمر‭ ‬وقصر‭ ‬الأجل،‭ ‬بل‭ ‬فرحت‭ ‬مثل‭ ‬أمي‭ ‬بأن‭ ‬عمري‭ ‬سيكون‭ ‬طويلاً،‭ ‬وظللت‭ ‬أتباهى‭ ‬أمام‭ ‬أقراني‭ ‬بأن‭ ‬قارئة‭ ‬الودع‭ (‬أصداف‭ ‬صغيرة‭ ‬يكون‭ ‬عددها‭ ‬عادة‭ ‬سبعة‭ ‬تلقى‭ ‬بها‭ ‬الغجرية‭ ‬أو‭ ‬الدجال‭ ‬على‭ ‬التراب‭ ‬ويعقب‭ ‬هذا‭ ‬تكليف‭ ‬كل‭ ‬صدفة‭ ‬بمهمة‭ ‬معينة‭ ‬فهذه‭ ‬تتعلق‭ ‬بالمال‭ ‬وتلك‭ ‬بالعيال‭ ‬والثالثة‭ ‬بالنجاح‭ ‬والرابعة‭ ‬بالزواج،‭ ‬إلخ‭)‬،‭ ‬المهم‭ ‬أنها‭ ‬قالت‭ ‬إنني‭ ‬سأعيش‭ ‬طويلا‭ ‬وسأصبح‭ ‬ثريا،‭ ‬ولهذا‭ ‬مازالت‭ ‬تلك‭ ‬العبارة‭ ‬عالقة‭ ‬بذهني‭.‬

طبعاً‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬قارئة‭ ‬ودع‭ ‬لمن‭ ‬يدفع‭ ‬البياض‭ ‬أن‭ ‬مستقبله‭ ‬زي‭ ‬الزفت‭.  ‬فالغجرية‭ ‬لا‭ ‬تستقر‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بضع‭ ‬ساعات‭.  ‬أما‭ ‬الدجالون‭ ‬الذين‭ ‬يقيمون‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬فإنهم‭ ‬يميلون‭ - ‬عكس‭ ‬الغجريات‭ - ‬إلى‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬محدق‭ ‬ومسيطر،‭ ‬وبذلك‭ ‬يتسنى‭ ‬لهم‭ ‬طلب‭ ‬أتعاب‭ ‬ورسوم‭ ‬إضافية‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬منع‭ ‬حدوث‭ ‬المكروه‭!!‬‮»‬‭.  ‬

ورأيت‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬حياتي‭ ‬العجب‭ ‬العجاب‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬صنوف‭ ‬الدجل،‭ ‬وعرفت‭ ‬العديدين‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬الدجالين،‭ ‬حتى‭ ‬اكتسبت‭ ‬مهارات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الفن‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬عادتي‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتقارير‭ ‬التي‭ ‬تنشرها‭ ‬المجلات‭ ‬المحترمة‭ ‬عن‭ ‬أهم‭ ‬أحداث‭ ‬العام‭ ‬الإفرنجي‭ ‬الذي‭ ‬ينتهي‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬ولا‭ ‬يفوتني‭ ‬بالطبع‭ ‬أن‭ ‬اقرأ‭ ‬تكهنات‭ ‬العرافين‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭ (‬سيشهد‭ ‬العام‭ ‬وفاة‭ ‬شخصية‭ ‬عربية‭ ‬مرموقة‭). ‬وقد‭ ‬قررت‭ ‬اعتبارا‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬المقبل‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬لحسابي‭ ‬الخاص‭ ‬بتقديم‭ ‬تكهنات‭ ‬عن‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬بالمجان،‭ ‬توطئة‭ ‬لتقديمها‭ ‬نظير‭ ‬مبالغ‭ ‬معلومة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬عمري‭ ‬فعلاً‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬العرافة‭ ‬طويلاً‭ ‬وأجلي‭ ‬قصيراً‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا