شهدت العلاقات الخليجية الأمريكية «تحسنا» في الأشهر الأخيرة بشكل ملحوظ. وسط تعزيز التعاون في مجالات الأمن الإقليمي، والبنية التحتية، وأمن الطاقة، والدبلوماسية. ووصف «إدوارد وونغ»، و«فيفيان نيريم»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، زيارة وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن»، للسعودية في يونيو 2023 بأنها «توجت جهود واشنطن لإعادة بناء العلاقات بعد عامين متوترين».
ومنذ هذه الزيارة استمر تقارب العلاقات. وفي قمة «مجموعة العشرين»، الأخيرة، بنيودلهي؛ رحبت «الولايات المتحدة»، بإنشاء «ممر للتجارة والنقل يربط بين الهند وأوروبا»، يعزز طموحات دول الخليج في أن تُصبح «مركزًا رئيسيًا»، للتجارة العالمية. وفي سبتمبر2023، وسعت «واشنطن»، نطاق التزاماتها الأمنية تجاه «مملكة البحرين»، من خلال «اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل»، التي وصفتها «الخارجية الأمريكية»، بأنها «حجر الزاوية للتعاون بين مجموعة أوسع من الدول التي تتقاسم مصالح متبادلة ورؤية مشتركة، فيما يتعلق بسياسات الردع والدبلوماسية»، وهو ما رأت «كيرستن فونتنروز» -المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي- أنه «يمكن أن يكون بمثابة نموذج لحلفاء واشنطن الآخرين في المنطقة».
وفي ضوء تطور العلاقات «الأمريكية-الخليجية»، وتأكيد الالتزامات المتبادلة تجاه مصالح كل منهما، قبل بدء «الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة»، في «نيويورك»؛ التقى «بلينكن»، نظراءه من دول مجلس التعاون الخليجي؛ لمناقشة القضايا الإقليمية، وإعلان التقدم الذي تم إحرازه مؤخرًا في العلاقات الثنائية، حيث أشاد بكيفية تعاون دول الخليج مع واشنطن؛ للوصول إلى «نتائج إيجابية حقيقية»، في مجالات الاقتصاد، والتجارة، والأمن، والجغرافيا السياسية، والإصلاحات الاجتماعية، والتي شدد على كونها لن تعود بالنفع عليهم وعلى الشرق الأوسط فحسب، بل على بقية العالم أيضًا.
وفي حين أن أيام انعقاد «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، تُعد أحد أكثر الأيام ازدحامًا بالنسبة لكبار الدبلوماسيين في العالم -حيث أجرى «بلينكن»، مناقشات مع «هان تشنغ»، نائب الرئيس الصيني، و«يوكو كاميكاوا»، وزير الخارجية الياباني، فضلا عن مسؤولين من حلفاء الولايات المتحدة الغربيين- فإن بدء مداولاته بالتشاور مع وزراء خارجية دول «مجلس التعاون»، يدل على مدى تقدير «إدارة بايدن»، واعترافها بمساهماتهم في الشؤون العالمية، والأهمية الاستراتيجية المتزايدة للخليج، كمركز للتجارة والابتكار والأمن.
وتأكيدًا لهذا التحليل، أكد «بلينكن» -خلال الاجتماع نفسه- التزام بلاده تجاه المنطقة، خاصة فيما يتعلق بـ«تنميتها الاقتصادية، واستقرارها السياسي، وأمنها من التهديدات العدائية». وتحدث عن كيف أن «إدارة بايدن»، «استثمرت في علاقتها مع دول الخليج»، وأنها «تستثمر على المدى الطويل» في المنطقة. وكان أحد أبرز العناصر التي أكدها، هو دعم «واشنطن»، للشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار. وأوضح «آدم لوسينتي»، من موقع «المونيتور»، أنه «أشاد بمزايا الممر الاقتصادي بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا»، مع تأكيده على كيف سيساعد المشروع الجهود الرامية إلى «بناء منطقة أكثر استقرارًا، وأمانًا، وتكاملًا»، لا تفيد الخليج وأمريكا؛ اقتصاديًا، وسياسيًا فحسب، بل شعوب العالم أجمع».
وتم الاتفاق على مذكرة تفاهم بين «الولايات المتحدة»، و«الهند»، والسعودية»، على هامش «قمة العشرين»، الأخيرة، لوضع الأسس لممر جديد للنقل والتجارة عبر الشرق الأوسط، والذي سيتضمن تحديث البنية التحتية الرئيسية، وروابط الاتصالات. وأشار «جوليان ديسي»، و«سينزيا بيانكو»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إلى أن دول الخليج تنظر إلى الممر من منطلق تمتعها بـ«مركزية جيوسياسية»، و«موقعها كمركز عالمي للتجارة والسياحة والتكنولوجيا».
ومع ذلك، فإن بروز الخليج، كحلقة وصل بين غرب وشرق العالم، أدى إلى تحدي من تم استبعادهم من المنطقة، حتى لو رأى الخبراء أن تلك الدول غير المشتركة في الاتفاق لا يمكنها المنافسة. وردا على تجاهل المسار لتركيا، أثار الرئيس «رجب طيب أردوجان»، الحديث عن احتمال إنشاء ممر اقتصادي آخر لمنافسة النموذج الأمريكي الهندي الخليجي الأوروبي. وكما أوضح «آدم سامسون»، في صحيفة «فايننشال تايمز»، فإن مبادرة أنقرة بشأن «طريق التنمية»، مرورًا بالعراق، سينقل البضائع من جنوب العراق إلى تركيا، ثم إلى أوروبا، بالاعتماد على 1200 كيلومتر من شبكات السكك الحديدية والطرق العالية السرعة.
ومع ذلك، فإنه وفقا لـ«إمري بيكر»، من «مجموعة أوراسيا»، فإن «القضايا المتعلقة بالأمن والاستقرار، لا تهدد جدوى المشروع على المدى الطويل فحسب»، بل إن تركيا وشركاءها المفترضين يفتقرون إلى القدرات التمويلية «لتحقيق المخطط الكامل للمشروع». ولكي تشارك دول الخليج بشكل أكبر، وتساعد في تمويل هذا المسار، فإنها «تحتاج إلى الاقتناع، بما سيعود عليها من فوائد، جراء الاستثمار فيه»، وهو أمر «ليس واضحًا على المدى القريب».
وفي الاجتماع الذي عُقد في «نيويورك»، تمت الإشارة إلى التحسن الملحوظ في العلاقات الثنائية بين «الولايات المتحدة»، و«دول الخليج»، خاصة مع تأكيد الأمين العام لمجلس التعاون، «جاسم البديوي»، تحسن العلاقات طوال العام الراهن، وتأكيده أن «الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن في طليعة أولويات دول الخليج».
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات متبادلة تواجه مصالح الطرفين. وأشار «البديوي»، إلى أن «الانتشار النووي، وتهديدات الأمن البحري، وحرية الملاحة»، فضلاً عن «الصراعات الداخلية في كل من اليمن، والسودان، وسوريا، ولبنان، وأفغانستان، وإفريقيا»؛ تعتبر بمثابة «مخاوف رئيسية لدول الخليج». وفي طليعة هذه المخاوف، تأتي تصرفات «إيران»، المزعزعة للأمن الإقليمي.
وبالإشارة إلى كيفية «تعاون الولايات المتحدة لردع عدوان طهران، وأنشطتها المزعزعة للاستقرار»؛ تم تسليط الضوء بشكل خاص -خلال الاجتماع- على «التهديد الذي يشكله برنامجها النووي»، والحاجة إلى «دعم وتعزيز حرية الملاحة»، في المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية، كما أثيرت أيضًا المفاوضات الأخيرة التي أجرتها «واشنطن»، لتأمين إطلاق سراح السجناء المحتجزين في إيران.
ومع إشارة «لوسينتي»، إلى أنه بينما كان «بلينكن»، يناقش المسائل الإقليمية مع نظرائه الخليجيين، «كان خمسة أمريكيين في طريقهم إلى الدوحة، كجزء من صفقة تبادل السجناء مع إيران»، فقد أكد وزير الخارجية أيضا عن مدى «ثقته في الإجراءات، والتدابير الذي تم إعدادها ضمن العملية الدبلوماسية لتأمين إطلاق سراح السجناء الأمريكيين، معربا عن شكره لكل من عُمان، وقطر، على «لعب دور حيوي»، في تسهيل إطلاق سراحهم بعد سنوات من السجن.
ومن الجدير بالذكر، أن الخلاف حول استراتيجية «إدارة بايدن»، تجاه التعامل مع إيران، لا يأتي من دول الخليج وحدها، بل من داخل النظام السياسي الأمريكي نفسه. وواجه قرارها بالتفاوض مع «طهران» -حتى عبر وسطاء- معارضة شديدة داخل «الكونجرس». وفي أغسطس 2023، كتب 26 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى «بلينكن»، ووزيرة «الخزانة الأمريكية»، «جانيت يلين»، للتعبير عن معارضتهم لمثل هذه السياسات، بحجة أن تبادل السجناء من شأنه أن يشكل «سابقة خطيرة» للسياسة الخارجية الأمريكية، وشرعية تفاعلاتها مع الدول المعادية.
وفي سبتمبر -ذكرى وفاة «مهسا أميني على أيدي السلطات الإيرانية، والقمع الوحشي للمتظاهرين السلميين من قبل النظام في طهران- أشار «كينيث كاتزمان»، من مركز «صوفان للحوار الاستراتيجي»، إلى أنه «من الواضح أن طهران «ليس لديها أصدقاء في الكونجرس». وأقر مجلس النواب الأمريكي مؤخرًا، بالإجماع «قانون مهسا»، الذي دعا «إدارة بايدن»، إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب.
وفي أعقاب انهيار المحادثات لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني، سعت «واشنطن»، إلى التوصل إلى ترتيب غير رسمي مع «طهران». وبينما اعترفت «تريتا بارسي، من «معهد كوينسي لفنون الحكم المسؤول»، بأن هذا «بديل ضعيف» لاتفاق أوسع نطاقا؛ فقد أكدت أن هذا هو أفضل ما يمكن أن يأمله الغرب في «الظروف» الحالية.
ومع ذلك، أثار هذا النهج العديد من الانتقادات أيضًا. ومع توضيح «كاتزمان»، أنه سيكون «من الصعب» على «الكونجرس»، منع «البيت الأبيض»، من الموافقة على ترتيب غير رسمي مع «طهران»، بدلاً من تفاهم مقنن يتطلب موافقة المجلس التشريعي الأمريكي، اتهم النائب الجمهوري «جلين جروثمان»، رئيس اللجنة الفرعية للأمن القومي بمجلس النواب، إدارة بايدن بـ«الافتقار إلى الشفافية» في تعاملاتها مع إيران.
وفي واقع الأمر، تباينت آراء المراقبين حول سياسة «إدارة بايدن»، تجاه تبادل الأسرى. وفي حين، أكدت «باربرا سلافين»، من «مركز ستيمسون»، أنه لا توجد «صفقات مثالية»، و«لا توجد خيارات سهلة»، بالنسبة لواشنطن، لكنها أصرت على أن صفقة التبادل «ليست فدية»، و«ليست استرضاء». في مقابل ذلك، أوضح «ريتشارد غولدبرغ»، من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، أن «دفع الولايات المتحدة 6 مليارات دولار مقابل خمسة أشخاص»، إجراء يمثل «كُلفة باهظة»، واصفًا الأمر بأنه «فدية تاريخية» من قبل إدارة بايدن.
من جانبها، أضافت «كايلي جيلبرت» -الباحثة الأسترالية البريطانية، التي سُجنت بتهم مشكوك فيها من قبل إيران- أن الاحتجاج على تعاملات «إدارة بايدن»، الأخيرة «مُبَرر»، وأن «واشنطن»، تجد نفسها «منقادة إلى منحدر زلق»، للتعامل مع طهران، والذي ستتجرأ الآن على تقديم المطالب بشكل متزايد للدول الغربية من أجل عودة مواطنيها.
على العموم، أقر المراقبون والمحللون بأن العلاقات «الأمريكية-الخليجية»، تشهد في الوقت الحالي «تحسنا»، بشكل واضح بعد عامين متوترين. ومع تغيير «إدارة بايدن»، مسارها للاعتراف بفوائد شراكتها الاستراتيجية، مع دول الخليج، وتقديرها لها بشكل أفضل، فقد أكد اجتماع «أنتوني بلينكن»، مع نظرائه من دول «مجلس التعاون»، قبل بدء الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ على مدى تطور العلاقات التي تم إصلاحها، والتزام الجانبين بتعزيزها من أجل المنفعة المتبادلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك