العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا يخيم الغموض على العلاقات الأمريكية الإيرانية؟

بقلم: د. حسن نافعة

الثلاثاء ٠٣ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬2‭ ‬أبريل‭ ‬2015،‭ ‬وقعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬5‭ ‬دول‭ ‬كبرى،‭ ‬هي‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وفرنسا‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وألمانيا،‭ ‬اتفاقا‭ ‬حول‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي،‭ ‬عُرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬العمل‭ ‬الشاملة‭ ‬المشتركة‮»‬،‭ ‬تعهدت‭ ‬فيه‭ ‬الدول‭ ‬الموقعة‭ ‬برفع‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بسبب‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬التزام‭ ‬الأخيرة‭ ‬بألا‭ ‬تتجاوز‭ ‬نسبة‭ ‬تخصيبها‭ ‬لليورانيوم‭ ‬3‭.‬67%‭.‬

بعد‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬أيار‭/‬مايو‭ ‬2018،‭ ‬قرر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬عاصفة‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬السكرتير‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬وتعهد‭ ‬إبان‭ ‬حملته‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬2020‭ ‬بعودة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للالتزام‭ ‬مجدداً‭ ‬بهذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬إذا‭ ‬أصبح‭ ‬رئيساً‭.‬

اليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬دخوله‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬بايدن‭ ‬يستعد‭ ‬لبدء‭ ‬حملة‭ ‬انتخابية‭ ‬جديدة‭ ‬يطمع‭ ‬للفوز‭ ‬فيها‭ ‬بولاية‭ ‬رئاسية‭ ‬ثانية،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬وعد‭ ‬به‭.‬

صحيح‭ ‬إنه‭ ‬دخل‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬شهدت‭ ‬محطات‭ ‬كثيرة‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬الشد‭ ‬والجذب،‭ ‬وتخلّلتها‭ ‬موجات‭ ‬من‭ ‬التشاؤم،‭ ‬وصلت‭ ‬أحياناً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإيحاء‭ ‬بوصولها‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود،‭ ‬وموجات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬التفاؤل،‭ ‬وصلت‭ ‬أحياناً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإيحاء‭ ‬بأن‭ ‬اتفاقاً‭ ‬جديداً‭ ‬بات‭ ‬وشيكاً‭ ‬وفي‭ ‬متناول‭ ‬اليد،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الصخب‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬لشهور‭ ‬طويلة‭ ‬لم‭ ‬يسفر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬ملموس‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

ولأنه‭ ‬ليس‭ ‬بوسع‭ ‬أي‭ ‬مراقب،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التحري‭ ‬والتدقيق،‭ ‬أن‭ ‬يحدد‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬بالضبط،‭ ‬فقد‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬التكهن‭ ‬بمصير‭ ‬اتفاق‭ ‬2015،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬أياً‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬لم‭ ‬ينسحب‭ ‬من‭ ‬مفاوضات‭ ‬فيينا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أو‭ ‬يعلن‭ ‬رسمياً‭ ‬فشلها‭. ‬لذا،‭ ‬فالأرجح‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬إزاء‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬احتمالات‭:‬

الأوَّل‭: ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بايدن‭ ‬قد‭ ‬اقتنع‭ ‬أخيراً‭ ‬باستحالة‭ ‬عودة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بهذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬بالشروط‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قرر‭ ‬التخلي‭ ‬نهائياً‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬فيينا‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬مواصلة‭ ‬المسار‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬انتهجه‭ ‬ترامب‭.‬

الثاني‭: ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المفاوضات‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬الجارية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإيراني‭ ‬قد‭ ‬دخلت‭ ‬مرحلة‭ ‬حساسة‭ ‬تستدعي‭ ‬التكتم،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬احتمال‭ ‬إعلان‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬بينهما‭ ‬قبل‭ ‬انطلاق‭ ‬حملة‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المقبلة‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬قائماً‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬استبعاده‭ ‬كلياً‭.‬

والثالث‭: ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬بالفعل‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬حسم‭ ‬تستدعي‭ ‬التريث‭ ‬والانتظار‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يتحول‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬ورقة‭ ‬للمزايدة‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬أمريكية‭ ‬يصعب‭ ‬التكهن‭ ‬بنتائجها،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬ينعكس‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬التفاهمات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

وأياً‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬بوسع‭ ‬أي‭ ‬متابع‭ ‬مدقق‭ ‬في‭ ‬التقارير‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬تباعاً،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬إعلان‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬2015،‭ ‬وما‭ ‬تبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬أمريكية‭ ‬قصوى‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬الإيرانية‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الانسحاب‭ ‬اتسمت‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصلابة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وبقدر‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المرونة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬التكتيكي‭.‬

بمجرد‭ ‬دخول‭ ‬الانسحاب‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬أبدى‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬علي‭ ‬خامئني‭ ‬استعداد‭ ‬إيران‭ ‬لمواصلة‭ ‬الالتزام‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يخصها‭ ‬في‭ ‬الاتفاق،‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬تَفي‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬التجارية‭ ‬والمالية‭ ‬بإيران‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬النفط‭ ‬منها‭. ‬

وعندما‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إلزام‭ ‬شركاتها‭ ‬ومصارفها‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬حسن‭ ‬روحاني‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬ملزمة‭ ‬بدورها‭ ‬بالوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬بموجب‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬مبيعات‭ ‬اليورانيوم‭ ‬المخصب‭ ‬الزائد‭ ‬والماء‭ ‬الثقيل،‭ ‬وأعلنت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أنها‭ ‬ستقوم‭ ‬باستئناف‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬بما‭ ‬يتجاوز‭ ‬النسبة‭ ‬المتفق‭ ‬عليها،‭ ‬وهي‭ ‬3‭.‬67%،‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬أداة‭ ‬ضغط‭ ‬هائلة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭.‬

وعندما‭ ‬أرادت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬اختبار‭ ‬مدى‭ ‬صلابة‭ ‬الموقف‭ ‬الإيراني‭ ‬وراحت‭ ‬تتحرش‭ ‬بإيران‭ ‬عسكرياً،‭ ‬باختراق‭ ‬مجالها‭ ‬الجوي‭ ‬بواسطة‭ ‬طائرات‭ ‬تجسس‭ ‬تحلق‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬شاهقة،‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬حزيران‭/‬يونيو‭ ‬2019،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬غلوبال‭ ‬هوك‮»‬‭ ‬الباهظة‭ ‬التكلفة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تجرؤ‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬الرد‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬تتعجل‭ ‬أبداً‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بعدما‭ ‬حاولت‭ ‬الأخيرة‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬التفاوض‭ ‬ليشمل‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬الصاروخي‭ ‬وسياساتها‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬رفضته‭ ‬رفضاً‭ ‬قاطعاً،‭ ‬وأصرّت‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬2015‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تعديل،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬ضرورات‭ ‬أو‭ ‬اعتبارات‭ ‬فنية‭ ‬بحتة‭.‬

ولأنها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تمكّنت‭ ‬من‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬عليها‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬فقد‭ ‬استطاعت‭ ‬إيران‭ ‬تحييد‭ ‬معظم‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬لهذه‭ ‬العقوبات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬خوض‭ ‬مفاوضات‭ ‬فيينا‭ ‬ارتكازاً‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬يتسم‭ ‬بالندية‭ ‬التامة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

أشارت‭ ‬تقارير‭ ‬صحفية‭ ‬غربية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تعثر‭ ‬مفاوضات‭ ‬فيينا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭ ‬إصرار‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬حرس‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬قائمة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وإصرار‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬تخريب‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات،‭ ‬اعتقاداً‭ ‬منها‭ ‬بأن‭ ‬فشلها‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬موافقة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬اعتماد‭ ‬الحل‭ ‬العسكري‭ ‬كبديل،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬الأهم‭ ‬لهذا‭ ‬الفشل‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬ثقة‭ ‬إيران‭ ‬بأي‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكية‭ ‬مقبلة‭ ‬واحتمال‭ ‬انسحابها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬جديد،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬طلب‭ ‬ضمانات‭ ‬يراها‭ ‬البعض‭ ‬تعجيزية‭ ‬لتجنب‭ ‬وقوع‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال‭.‬

وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬العودة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬تغير‭ ‬بعد‭ ‬انخراطها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وأصبح‭ ‬أقلّ‭ ‬حماسة‭ ‬لهذه‭ ‬العودة،‭ ‬لتبيَّن‭ ‬لنا‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬كفة‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬فيينا‭ ‬أصبحت‭ ‬هي‭ ‬الراجحة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران‭ ‬مصلحة‭ ‬مؤكدة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭.‬

مصلحة‭ ‬إيران‭ ‬واضحة،‭ ‬لأن‭ ‬الاتفاق‭ ‬سيؤدي‭ ‬تلقائياً‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬أموالها‭ ‬المجمدة‭ ‬التي‭ ‬يقدرها‭ ‬البعض‭ ‬بأنها‭ ‬وصلت‭ ‬حالياً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ومصلحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬واضحة،‭ ‬لأن‭ ‬عدم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اقتراب‭ ‬إيران‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬العتبة‭ ‬النووية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تسعى‭ ‬لتجنبه،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية‭ ‬أشارت‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬تقاريرها‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مخزون‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬اليورانيوم‭ ‬المخصب‭ ‬بلغ‭ ‬23‭ ‬ضعف‭ ‬الحد‭ ‬المسموح‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬اتفاق‭ ‬2015،‭ ‬وأن‭ ‬معدلات‭ ‬تراكم‭ ‬هذا‭ ‬المخزون‭ ‬تتزايد‭ ‬باطراد،‭ ‬إذ‭ ‬ارتفعت‭ ‬بنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬25%‭ ‬منذ‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬الماضي،‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬قلقاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬ليس‭ ‬لدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أيضاً‭.‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬هنا‭ ‬إعادة‭ ‬التذكير‭ ‬بحقيقة‭ ‬مهمة،‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الأزمات‭ ‬المحتدمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تبدو‭ ‬متداخلة‭ ‬ومترابطة‭ ‬عضوياً،‭ ‬وأن‭ ‬إيران‭ ‬تمارس‭ ‬فيها‭ ‬دوراً‭ ‬متزايد‭ ‬التأثير،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬المشتعلة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وفي‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭.‬

ولأن‭ ‬مصير‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬جميعاً‭ ‬يبدو‭ ‬بدوره‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بالمسار‭ ‬الذي‭ ‬ستسلكه‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬فقد‭ ‬بات‭ ‬واضحاً‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬مصير‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يتوقف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬احتمالات‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬يسمح‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بالاتفاق‭ ‬الخاص‭ ‬ببرنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي،‭ ‬وهو‭ ‬موضوع‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يلفه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية،‭ ‬كما‭ ‬سبقت‭ ‬الإشارة‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تسعى‭ ‬حالياً‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الصراعات‭ ‬المحتدمة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬كي‭ ‬تتفرغ‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬المشتعلة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬مستعدة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لمعالجة‭ ‬جذور‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الصراع‭ ‬المحتدم‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

ولأن‭ ‬الحكومة‭ ‬القائمة‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تقودها‭ ‬تيارات‭ ‬وتوجهات‭ ‬شديدة‭ ‬التطرف‭ ‬والعنصرية،‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬المستوطنات‭ ‬تمهيداً‭ ‬لضم‭ ‬أكبر‭ ‬مساحة‭ ‬ممكنة‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬كما‭ ‬تصر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬اعتماد‭ ‬الخيار‭ ‬العسكري‭ ‬كبديل‭ ‬وحيد‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬مصير‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬متأرجحاً‭ ‬بين‭ ‬احتمالات‭ ‬تهدئة‭ ‬تسعى‭ ‬إليها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬واحتمالات‭ ‬تصعيد‭ ‬تقود‭ ‬إليها‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

ولأنه‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‭ ‬حتى‭ ‬انطلاق‭ ‬حملة‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬2024،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي‭ ‬هو‭ ‬البديل‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬احتمال‭ ‬وقوع‭ ‬انفجارات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭.‬

وهو‭ ‬احتمال‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬استبعاده‭ ‬في‭ ‬المطلق،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران‭ ‬تمكّنتا‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬مؤخراً‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬سمح‭ ‬بتبادل‭ ‬السجناء‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الأرصدة‭ ‬الإيرانية‭ ‬المحتجزة‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬كما‭ ‬تردّد‭ ‬مؤخراً‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬قامت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بإبطاء‭ ‬معدلات‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬ووقفه‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬60%،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تؤكده‭ ‬مصادر‭ ‬إخبارية‭ ‬مستقلة‭.‬

أظن‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬تغيرات‭ ‬كبيرة‭ ‬قبل‭ ‬انتهاء‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬المقبل،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬المشتعلة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬على‭ ‬وتيرتها‭ ‬الحالية‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭  ‬

في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا