ماذا لو لم تكن «عدوى الانقلابات» في غرب ووسط إفريقيا كذلك على الإطلاق، بقدر ما هي نتيجة مباشرة لحركات ثورية صريحة، على غرار الحركات المناهضة للاستعمار التي حررت معظم الدول الإفريقية من نير الاستعمار الغربي طوال القرن العشرين؟
وسواء كان الأمر كذلك أم لا، فمن غير المرجح أن نكتشف ذلك في أي وقت قريب، وذلك ببساطة لأن أصوات هذه الدول الإفريقية تم إسكاتها إلى حد كبير وبشكل متعمد. ولكي نفهم الدوافع الحقيقية وراء موجة الانقلابات العسكرية في غرب ووسط إفريقيا – ثمانية منذ عام 2020– فإننا، للأسف، مضطرون إلى القراءة عنها في وسائل الإعلام الغربية.
هذا بلا شك جزء كبير من المشكلة. فالأمر ببساطة يتعلق بوسائل الإعلام الغربية التي فشلت في نقل السياق الاجتماعي والاقتصادي الأعمق وراء الاضطرابات السياسية في مختلف المناطق الإفريقية. ومع ذلك، فإن السيطرة شبه الكاملة على السرد هي أمر متعمد.
في وصف شامل نسبيا لأوليجو نجويما، الزعيم الجديد لجمهورية جابون، لم يقدم موقع بي بي سي أي شيء جوهري من حيث تعريفنا بالدوافع وراء تحرك الجيش ضد الرئيس الجابوني منذ فترة طويلة، علي بونغو. وبطبيعة الحال، كان صوت نغويما نفسه غائباً بشكل شبه كامل في الإعلام الغربي.
من الصعب ويستغرق وقتاً طويلاً أن نجد خطاباً سياسياً متماسكاً وغير مرشح ومنطلقا من الجابون – أو مالي، أو بوركينا فاسو، أو بقية البلدان الإفريقية التي تمر بمرحلة انتقالية سياسية الآن.
ما نجده بدلاً من ذلك هو الأخبار والمعلومات والآراء، وجميعها تقريبًا يتم استقاؤها من خلال وكالات الأنباء والسياسيين والأكاديميين و«الخبراء» الغربيين. وحتى أولئك الذين قد يبدو أنهم يتحدثون لغة غير تقليدية يميلون إلى تغذية الصورة النمطية، ما يؤدي إلى إدامة التصور السائد لإفريقيا.
إن الفحص السريع للمقالات الأخيرة حول غرب إفريقيا في وسائل الإعلام الفرنسية يكشف عن حقيقة واضحة. إن اللغة المستخدمة في تفكيك الاضطرابات الأخيرة تثبت أنه لا توجد صحوة حقيقية جارية بين أهل الفكر الفرنسيين، حتى بين أولئك الذين يتحدثون كجزء من التيار الرئيسي «لليسار» في البلاد.
في مقابلة نشرت في 30 أغسطس 2023 في صحيفة لوبوان، ألقى المؤلف الفرنسي والخبير في الدراسات الإفريقية، أنطوان جلاسر، باللوم على الحكومة الفرنسية لفشلها في رؤية كيف أصبحت إفريقيا «عالمية» وإدراك التحولات في القارة السمراء.
نشر المقال بعد وقت قصير من انقلاب الجابون. لكن أفكار جلاسر ليست جديدة. لقد أشار عدة مرات في الماضي إلى هذا الفشل، بما في ذلك مقال في صحيفة «لوبنيون» في أوائل أغسطس.
ويتلخص جوهر حجته في أن فرنسا فشلت في فهم الديناميكيات السياسية المتغيرة في إفريقيا وما حولها، وأن الأسواق الأفريقية التي كانت تسيطر عليها فرنسا بشدة أصبحت محتلة إلى حد كبير من قبل الصين وتركيا ودول أخرى.
ولكن الرسالة الدقيقة والمبطنة هي التالية: إن إفريقيا تدور، أو ينبغي لها أن تدور دائما في فلك فرنسا، ولابد أن يعمل صناع السياسات في باريس على تطوير فهم بديل للتعامل مع السياسة الإفريقية الجديدة المعولمة أو اللحاق بها.
وقد تم نقل نفس الشعور بالاستحقاق في صحيفة لوفيجارو. تتحدث إيزابيل لاسير، في مقالتها بعنوان «الجابون: الدبلوماسية الفرنسية من خلال انقلابات الدولة في إفريقيا»، عن «تعذيب الدبلوماسيين الفرنسيين في حوض الاستحمام... إنهم بالكاد يصدقون أنهم قادرون على إخراج رؤوسهم من الماء عندما يعيدهم انقلاب جديد إليهم، وبشكل أكثر وحشية».
إن «الوحشية» المشار إليها هنا ليست تلك التي عانت منها الدول الإفريقية في الفترات المؤلمة من الاستعمار وما بعد الاستعمار وإنهاء الاستعمار، بل وحشية الدبلوماسيين الفرنسيين.
تشير لاسير إلى استخدام ماكرون لعبارة «وباء الانقلابات». وكان ماكرون هو من أشاع هذا المصطلح. إنه يجعل الأفارقة يبدون جامحين، وحتى مرضى. والآن يلقي الصحفيون الفرنسيون اللوم على حكومتهم لفشلها في تشخيص المرض الإفريقي، ناهيك عن علاجه.
ولن يكون من الممكن التوصل إلى فهم بديل عندما تصاغ المشكلة على هذا النحو، حيث يقع اللوم بشكل مباشر على الأفارقة، في حين يقع اللوم الأقل – المتمثل في الفشل في الفهم ببساطة – على فرنسا وغيرها من الحكومات الغربية.
تضيف لاسير قولها: «في إفريقيا، لا يؤدي الانقلاب إلى محو انقلاب آخر، بل يضيف إلى الانقلاب السابق». وبعبارة أخرى، فهي فوضى ناجمة عن إفريقيا، وأوروبا تعاني وتتحمل عواقبها – «عبء الرجل الأبيض» على نحو ما.
ولم يتم إيلاء سوى القليل من الاهتمام لاحتمال أن الدول الأفريقية ربما سئمت من الأجهزة القديمة، جهاز الدكتاتوريين الأثرياء والعنيفين الذين يدعمهم الغرب – و«الديمقراطيون» المفترضون – الذين يهدرون ثروات بلادهم للبقاء في السلطة.
الجابون بلد غني جدًا بموارد الطاقة والخشب والمنجنيز والحديد، لكن عدد سكانها الصغير البالغ 2.3 مليون نسمة فقراء للغاية. لقد استمر هذا الاستغلال عقودا من الزمن لأنه ببساطة خدم مصالح الحكام المحليين وشركائهم المتعددي الجنسيات.
ما وسائل الاحتجاجات الأخرى التي يستخدمها شعب الجابون – أو مالي، أو أي دولة أخرى – عندما يتم سحق المسيرات الحاشدة بالعنف وفرض الرقابة الصارمة على وسائل الإعلام؟ – بغض النظر بالطبع عن الانقلابات العسكرية.
ولا يبدو أن هذا هو جوهر الأمر بالنسبة إلى الكثيرين في وسائل الإعلام الفرنسية، الذين يهتمون في الغالب بخسارة معقلهم في إفريقيا لصالح الصين وروسيا وغيرهما. وبدلاً من ذلك، فإن البعض في وسائل الإعلام يستهزئون بالنظرية القائلة إن الأفارقة معجبون بشخصية «الرجال الأقوياء» في الأنظمة غير الديمقراطية – في إشارة مباشرة إلى روسيا والصين.
على الرغم من أن «نظرية الرجل القوي» قد تم تجاهلها منذ فترة طويلة، أو على الأقل فقدت جاذبيتها في الأوساط الأكاديمية، إلا أنها غالبا ما تطبق بشكلها القديم وتلميحاتها القبيحة في الفهم الغربي لإفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.
وليس من المنطقي أن يرفض الأفارقة الديمقراطية، أي الديمقراطية القائمة على المساواة الحقيقية، والتوزيع العادل للثروة، وتوفير الفرص، وحرية التعبير والصحافة، وكل ما عدا ذلك. والتفسير الوحيد، رغم أنه يتم تقديمه بشكل غير مباشر في كثير من الأحيان، هو أنهم جميعا عانوا من الشعور بالضيق الجماعي، وهو ما يزيد من تعقيد المهمة النبيلة المفترضة للدول الغربية.
في الحقيقة، فإن العديد من الدول الإفريقية – كما أظهرت الانقلابات العسكرية الشعبية الأخيرة – تشعر بالاستياء الشديد من الحكومات الغربية للأسباب الصحيحة: تدخلاتها العسكرية، واستغلالها الاقتصادي، وتدخلاتها السياسية، والشعور المستمر بالتفوق.
نادراً ما نسمع مثل هذه الآراء البديلة لأنه ليس من المفترض أن نسمعها. إن الخطاب السياسي المنبثق من غرب إفريقيا، رغم صعوبة الوصول إليه إلى حد كبير، يتحدث عن رغبة جماعية في إحداث نقلة نوعية.
وقال إبراهيم تراوري، الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو: «من الضروري أن تمر هذه المعركة بالأسلحة، ولكن أيضًا من خلال قيمنا وسلوكنا وانتعاش اقتصادنا». وأعلن في خطابه أواخر العام الماضي أن «الكفاح من أجل الاستقلال التام قد بدأ».
وقد أعرب عاصمي غويتا، رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، عن مشاعر مماثلة عندما تحدث عن الحاجة إلى «استعادة» كرامة الأمة في سياق «الهيمنة الاستعمارية». ويتعين على «خبراء» فرنسا والدول الغربية الأخرى أن يعيدوا النظر بشكل أساسي في فهمهم لإفريقيا.
ويجب على الغربيين أيضًا تنويع قاموسهم السياسي، ليشمل «الكرامة»، و«القيم»، و«التحرير»، و«الاستقلال التام»، لأنه من الواضح أن لغة «وباء الانقلابات» وغيرها من العبارات المريحة التي تخدم المصالح الذاتية قد فشلت تمامًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك