إنه بحق معجزة بشرية بكل المقاييس أو بمعظمها حيث جاء على رأس السنة المائة، وكان أول المجددين الذين أشار إليهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حدًيثه المشهور: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» أبو داود / الحديث صحيح.
إذًا، فالخليفة الًراشد عمر بن عبدالعزيز هو المجدد الأول الذي بعثه الله تعالى، وأعاد للخلافة صفاءها، وأنار الوجود بعدلها وإنصافها، وأحيا الأمل في صدر الأمة في عودة الخلافة الراشدة، ولديهم من الله تعالى وعد بذلك، يقول سبحانه: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) التوبة / 32. ليس هذا وحسب، بل لقد أخذ الله تعالى العهد على نفسه في أن يظهر دينه، ويعلو برايته ولو كره المشركون، يقول سبحانه وتعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة / 33.
إذًا، فالمدة التي قضاها عمر بن عبدالعزيز رغم قصرها إلا أنه استطاع أن يصنع فيها ما يشبه المعجزة حتى أن الكاتب الإسلامي خالد محمد خالد جعل عنوان كتابه: «معجزة الإسلام عمر بن عبدالعزيز» لتأكيد أن ما حققه عمر بن عبدالعزيز هو معجزة، أو شيء قريب من المعجزة، وبه يستنهض الهمم ليحذو الحكام حذوه، وينتهجوا نهجه. ولًقد وضع دستورًا يضبط اختلاط الناس به، والدخول عليه، فقال: «من أراد أن يصحبنا، فليصحبنا بخمس أو فليفارقنا: يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلنا على ما لا نهتدي إليه من الخير، ولا يغتابن عندنا أحدًا، ولا يعرضن لما لا يعنيه». معجزة الإسلام عمر بن عبدالعزيز / خالد محمد خالد).
إنها شروط قد تبدو سهلة ميسر الالتزام بها لكنها عند الاستمرار عليها، ومواصلة العمل بها، وإعطاء العهد والميثاق على الوفاء بها وتحقيقها على أرض الواقع يظهر لنا صعوبتها وثقل مسؤولية حملها، ولكن ابن عبد العزيز كان لها أهلًا، ولقد أثبت التاريخ ذلك في وفاء نادر، لهذا قلَّ الداخلون عليه، وتجنب مجلسه من لا يستطيعون الالتزام بهذه الشروط (السهلة الممتنعة) على غيره من الحكام والخلفاء لكنه رضي الله تعالى عنه أثبت إمكانية تحقيق الدولة العادلة في سنتين وبضعة أشهر ما لم يستطيعه غيره في عشرات السنين.
لقد كانت بدايته رضي الله عنه توحي بذلك حين طلب من أخواله أن يأتوه بأقضية جده الفاروق عمر بن الخطاب (رضوان الله تعالى عنه)، ولقد سار عمر بن عبدالعزيز على نهج جده الفاروق الذي وصفه المؤرخون بأنه حكم نفسه فانحكم له الناس، وقالوا عنه أي عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر «نعم.. لن يتحقق الأمان، ولن تثبت أركان الإسلام إلا بالعدل والإنصاف، وهذا ما حققه ابن عبد العزيز، ومن قبله جده الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)، سنتان وخمسة أشهر لا تساوي شيئًا في عمر الأمم، لكنها في حياة الحاكم الصالح عمر بن عبدالعزيز تعني الشيء الكثير، وكما كانت أيام الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ليست كأيامنا هذه، فكذلك أيام عمر بن عبدالعزيز ليست كأيامنا هذه لأن الأيام والسنين لا تحسب بالعدد بل تحسب بما يتحقق فيها من إنجاز وما حققه ابن عبدالعزيز كثير ويجل على الوصف، والتاريخ شاهد عدل على ذلك.
قالوا عن عمر بن عبدالعزيز إنه معجزة الإسلام إذ لولا الإسلام والعمل بتعاليمه لما استطاع ابن عبدالعزيز أن يحقق ما حقق، والإسلام محفوظ في أصوله الثابتة، وتقدم العصر في وسائله وإمكاناته يعينهم على تحقيق الحاكم الصالح للناس ما حققه العمران، والخلفاء الراشدون من قبلهم، فلماذا لا يحققون ما حققه ابن عبدالعزيز؟! سؤال بريء نطرحه على من يسر الله تعالى لهم سبيل الوصول إلى السلطة، وجعلهم الله تعالى على رقاب الناس، وسوف يسألون عن ذلك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وعمل صالح، وإيمان وثيق.
ذلكم هو الحاكم الصالح عمر بن عبدالعزيز.. الرؤيا الصادقة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضوان الله تعالى عنه) وكيف شغلته هذه الرؤيا الصادقة في يومه وليله، ولقد حققها الله تعالى على يد واحد من أحفاده رضي الله تعالى عنهم، هو عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك