العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هذا هو الفاروق الثاني.. عمر!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠١ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

إنه‭ ‬بحق‭ ‬معجزة‭ ‬بشرية‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬أو‭ ‬بمعظمها‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬السنة‭ ‬المائة،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬المجددين‭ ‬الذين‭ ‬أشار‭ ‬إليهم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬حدًيثه‭ ‬المشهور‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬يبعث‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬يجدد‭ ‬لها‭ ‬دينها‮»‬‭ ‬أبو‭ ‬داود‭ / ‬الحديث‭ ‬صحيح‭. ‬

إذًا،‭ ‬فالخليفة‭ ‬الًراشد‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬هو‭ ‬المجدد‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬بعثه‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وأعاد‭ ‬للخلافة‭ ‬صفاءها،‭ ‬وأنار‭ ‬الوجود‭ ‬بعدلها‭ ‬وإنصافها،‭ ‬وأحيا‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬الخلافة‭ ‬الراشدة،‭ ‬ولديهم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وعد‭ ‬بذلك،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يطفئوا‭ ‬نور‭ ‬الله‭ ‬بأفواههم‭ ‬ويأبى‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬نوره‭ ‬ولو‭ ‬كره‭ ‬الكافرون‭) ‬التوبة‭ / ‬32‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬أخذ‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬العهد‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬دينه،‭ ‬ويعلو‭ ‬برايته‭ ‬ولو‭ ‬كره‭ ‬المشركون،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أرسل‭ ‬رسوله‭ ‬بالهدى‭ ‬ودين‭ ‬الحق‭ ‬ليظهره‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬كله‭ ‬ولو‭ ‬كره‭ ‬المشركون‭) ‬التوبة‭ / ‬33‭.‬

إذًا،‭ ‬فالمدة‭ ‬التي‭ ‬قضاها‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬رغم‭ ‬قصرها‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬المعجزة‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬الإسلامي‭ ‬خالد‭ ‬محمد‭ ‬خالد‭ ‬جعل‭ ‬عنوان‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬معجزة‭ ‬الإسلام‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‮»‬‭ ‬لتأكيد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬هو‭ ‬معجزة،‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬المعجزة،‭ ‬وبه‭ ‬يستنهض‭ ‬الهمم‭ ‬ليحذو‭ ‬الحكام‭ ‬حذوه،‭ ‬وينتهجوا‭ ‬نهجه‭. ‬ولًقد‭ ‬وضع‭ ‬دستورًا‭ ‬يضبط‭ ‬اختلاط‭ ‬الناس‭ ‬به،‭ ‬والدخول‭ ‬عليه،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬من‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يصحبنا،‭ ‬فليصحبنا‭ ‬بخمس‭ ‬أو‭ ‬فليفارقنا‭: ‬يرفع‭ ‬إلينا‭ ‬حاجة‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬رفعها،‭ ‬ويعيننا‭ ‬على‭ ‬الخير‭ ‬بجهده،‭ ‬ويدلنا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهتدي‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬الخير،‭ ‬ولا‭ ‬يغتابن‭ ‬عندنا‭ ‬أحدًا،‭ ‬ولا‭ ‬يعرضن‭ ‬لما‭ ‬لا‭ ‬يعنيه‮»‬‭. ‬معجزة‭ ‬الإسلام‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ / ‬خالد‭ ‬محمد‭ ‬خالد‭).‬

إنها‭ ‬شروط‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬سهلة‭ ‬ميسر‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬لكنها‭ ‬عند‭ ‬الاستمرار‭ ‬عليها،‭ ‬ومواصلة‭ ‬العمل‭ ‬بها،‭ ‬وإعطاء‭ ‬العهد‭ ‬والميثاق‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بها‭ ‬وتحقيقها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬يظهر‭ ‬لنا‭ ‬صعوبتها‭ ‬وثقل‭ ‬مسؤولية‭ ‬حملها،‭ ‬ولكن‭ ‬ابن‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أهلًا،‭ ‬ولقد‭ ‬أثبت‭ ‬التاريخ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وفاء‭ ‬نادر،‭ ‬لهذا‭ ‬قلَّ‭ ‬الداخلون‭ ‬عليه،‭ ‬وتجنب‭ ‬مجلسه‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬الالتزام‭ ‬بهذه‭ ‬الشروط‭ (‬السهلة‭ ‬الممتنعة‭) ‬على‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الحكام‭ ‬والخلفاء‭ ‬لكنه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنه‭ ‬أثبت‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬الدولة‭ ‬العادلة‭ ‬في‭ ‬سنتين‭ ‬وبضعة‭ ‬أشهر‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يستطيعه‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭. ‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬بدايته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬توحي‭ ‬بذلك‭ ‬حين‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬أخواله‭ ‬أن‭ ‬يأتوه‭ ‬بأقضية‭ ‬جده‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنه‭)‬،‭ ‬ولقد‭ ‬سار‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬جده‭ ‬الفاروق‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬المؤرخون‭ ‬بأنه‭ ‬حكم‭ ‬نفسه‭ ‬فانحكم‭ ‬له‭ ‬الناس،‭ ‬وقالوا‭ ‬عنه‭ ‬أي‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭): ‬‮«‬حكمت،‭ ‬فعدلت،‭ ‬فأمنت،‭ ‬فنمت‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬نعم‭.. ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬الأمان،‭ ‬ولن‭ ‬تثبت‭ ‬أركان‭ ‬الإسلام‭ ‬إلا‭ ‬بالعدل‭ ‬والإنصاف،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬ابن‭ ‬عبد‭ ‬العزيز،‭ ‬ومن‭ ‬قبله‭ ‬جده‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭)‬،‭ ‬سنتان‭ ‬وخمسة‭ ‬أشهر‭ ‬لا‭ ‬تساوي‭ ‬شيئًا‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الأمم،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الحاكم‭ ‬الصالح‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬تعني‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير،‭ ‬وكما‭ ‬كانت‭ ‬أيام‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬ليست‭ ‬كأيامنا‭ ‬هذه،‭ ‬فكذلك‭ ‬أيام‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ليست‭ ‬كأيامنا‭ ‬هذه‭ ‬لأن‭ ‬الأيام‭ ‬والسنين‭ ‬لا‭ ‬تحسب‭ ‬بالعدد‭ ‬بل‭ ‬تحسب‭ ‬بما‭ ‬يتحقق‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬إنجاز‭ ‬وما‭ ‬حققه‭ ‬ابن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬كثير‭ ‬ويجل‭ ‬على‭ ‬الوصف،‭ ‬والتاريخ‭ ‬شاهد‭ ‬عدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

قالوا‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬إنه‭ ‬معجزة‭ ‬الإسلام‭ ‬إذ‭ ‬لولا‭ ‬الإسلام‭ ‬والعمل‭ ‬بتعاليمه‭ ‬لما‭ ‬استطاع‭ ‬ابن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬ما‭ ‬حقق،‭ ‬والإسلام‭ ‬محفوظ‭ ‬في‭ ‬أصوله‭ ‬الثابتة،‭ ‬وتقدم‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬وسائله‭ ‬وإمكاناته‭ ‬يعينهم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الحاكم‭ ‬الصالح‭ ‬للناس‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬العمران،‭ ‬والخلفاء‭ ‬الراشدون‭ ‬من‭ ‬قبلهم،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يحققون‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬ابن‭ ‬عبدالعزيز؟‭! ‬سؤال‭ ‬بريء‭ ‬نطرحه‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يسر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لهم‭ ‬سبيل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬وجعلهم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬رقاب‭ ‬الناس،‭ ‬وسوف‭ ‬يسألون‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬فيه‭ ‬مال‭ ‬ولا‭ ‬بنون‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أتى‭ ‬الله‭ ‬بقلب‭ ‬سليم،‭ ‬وعمل‭ ‬صالح،‭ ‬وإيمان‭ ‬وثيق‭.‬

ذلكم‭ ‬هو‭ ‬الحاكم‭ ‬الصالح‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭.. ‬الرؤيا‭ ‬الصادقة‭ ‬لأمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنه‭) ‬وكيف‭ ‬شغلته‭ ‬هذه‭ ‬الرؤيا‭ ‬الصادقة‭ ‬في‭ ‬يومه‭ ‬وليله،‭ ‬ولقد‭ ‬حققها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أحفاده‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنهم،‭ ‬هو‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا