العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الخطأ بيِّن والصواب بيِّن (1)

من‭ ‬عادات‭ ‬أهل‭ ‬الغرب‭ ‬عند‭ ‬الاحتفال‭ ‬بأعياد‭ ‬ميلادهم‭ ‬أو‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬جديدة‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مهمة‭ ‬مثل‭ ‬الإقلاع‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭ ‬أو‭ ‬المسكرات،‭ ‬أو‭ ‬الزواج،‭ ‬أو‭ ‬الطلاق،‭ ‬أو‭ ‬إكمال‭ ‬دراسة‭ ‬انقطعت،‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بمغامرة،‭ ‬مثلا‭ ‬زيارة‭ ‬حوض‭ ‬نهر‭ ‬الأمازون‭ ‬أو‭ ‬دارفور،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬ينتصف‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬حتى‭ ‬يبدأ‭ ‬العد‭ ‬التنازلي‭ ‬في‭ ‬صحف‭ ‬الغرب،‭ ‬لوداع‭ ‬عام‭ ‬واستقبال‭ ‬آخر‭ ‬جديد،‭ ‬فيتم‭ ‬حصر‭ ‬تركة‭ ‬العام‭ ‬الموشك‭ ‬على‭ ‬الانقضاء‭: ‬ماذا‭ ‬تم‭ ‬إنجازه‭ ‬خلاله‭ ‬من‭ ‬اختراعات‭ ‬واكتشافات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأوطان‭ ‬والمبدعين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الجديد‭ ‬المرتقب‭ ‬مع‭ ‬إطلالة‭ ‬عام‭ ‬جديد،‭ ‬وكم‭ ‬كيلوجراما‭ ‬فقدت‭ ‬كيم‭ ‬كارداشيان‭ ‬خلال‭ ‬شهرين‭ (‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬أبا‭ ‬أو‭ ‬أمّا‭ ‬فاسأل‭ ‬عيالك‭ ‬عن‭ ‬بنت‭ ‬آوى‭ ‬كارداشيان‭ ‬هذه،‭ ‬وإذا‭ ‬اكشفت‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬لديه‭ ‬معلومات‭ ‬كافية‭ ‬عنها‭ ‬فاحرمه‭ ‬من‭ ‬الميراث‭).‬

وتحفل‭ ‬الصحف‭ ‬الغربية‭ ‬بتقارير‭ ‬ومعلومات‭ ‬عن‭ ‬الجديد‭ ‬المرتقب‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬ولصحيفة‭ ‬التايمز‭ ‬اللندنية‭ ‬ملحق‭ ‬صحي‭ ‬أسبوعي‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬الصحة‭ ‬الطيبة‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬عدد‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬يوليو‭ ‬المنصرم،‭ ‬نشرت‭ ‬الصحيفة‭ ‬بضع‭ ‬نصائح‭ ‬تتعلق‭ ‬بالصحة‭ ‬العامة،‭ ‬وتحث‭ ‬القراء‭ ‬على‭ ‬معاهدة‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬اتباعها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭. ‬ومعظمها‭ ‬يبدو‭ ‬بديهياً،‭ ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الكثيرون‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬نعرف‭ ‬بداهة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬ضارة‭ ‬بالصحة‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬نزاولها‭ ‬أو‭ ‬نتعاطاها،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬ضرورية‭ ‬للصحة‭ ‬والعافية‭ ‬ولكننا‭ ‬نتجاهلها‭.‬

لا‭ ‬يحتاج‭ ‬حتى‭ ‬الأمي‭ ‬إلى‭ ‬طبيب‭ ‬يقول‭ ‬له‭: ‬إن‭ ‬التدخين‭ ‬ضار‭ ‬بالصحة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬تجد‭ ‬ملايين‭ ‬المثقفين‭ ‬والمستنيرين‭ ‬وبينهم‭ ‬أطباء‭ ‬يدخنون‭ ‬ويستخدمون‭ ‬التبغ‭ ‬بديلاً‭ ‬للبخور‭. ‬ونعرف‭ ‬أن‭ ‬المشي‭ ‬هو‭ ‬أبو‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الرياضة،‭ ‬وهو‭ ‬متاح‭ ‬للغني‭ ‬والفقير‭ ‬والذكر‭ ‬والأنثى،‭ ‬وقد‭ ‬يضع‭ ‬بعضنا‭ ‬برنامجاً‭ ‬ثابتاً‭ ‬للمشي،‭ ‬ولكن‭ ‬نفس‭ ‬هؤلاء‭ ‬البعض‭ ‬غير‭ ‬مستعدين‭ ‬للمشي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬خطوة‭ ‬بعد‭ ‬مغادرة‭ ‬سياراتهم،‭ ‬ويظلون‭ ‬يلفون‭ ‬ويدورون‭ ‬بسياراتهم‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬‮«‬موقف‮»‬‭ ‬قريب‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬الذين‭ ‬يودون‭ ‬الذهاب‭ ‬إليه،‭ ‬فهم‭ ‬غير‭ ‬مستعدين‭ ‬للمشي‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المكان،‭ (‬رغم‭ ‬اقتناعهم‭ ‬بأن‭ ‬المشي‭ ‬مفيد‭ ‬للجسم‭) ‬لأنه‭ ‬مشي‭ ‬خارج‭ ‬‮«‬برنامج‭ ‬الرياضة‭ ‬المحدد‮»‬‭.‬

كنت‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬أدخن‭ ‬نحو‭ ‬ستين‭ ‬سيجارة‭ ‬يومياً‭. ‬ومن‭ ‬أحقر‭ ‬أنواع‭ ‬التبغ‭.. ‬سجائر‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يفرقع‭ ‬وينفجر‭ ‬في‭ ‬وجهك‭ ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬يحوي‭ ‬قطعاً‭ ‬من‭ ‬الفحم‭ ‬أو‭ ‬الخشب‭ ‬القابل‭ ‬للاشتعال‭.. ‬سجائر‭ ‬تنطفئ‭ ‬فتضطر‭ ‬إلى‭ ‬إشعالها‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬لأن‭ ‬النار‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬اختراق‭ ‬حجر‭ ‬صغير‭ ‬محشور‭ ‬بين‭ ‬ثنيات‭ ‬التبغ‭ ‬الرديء‭. ‬وصار‭ ‬صدري‭ ‬يكركر‭ ‬مثل‭ ‬أكورديون‭ ‬قديم‭ ‬تعبث‭ ‬به‭ ‬الريح‭. ‬ولجأت‭ ‬إلى‭ ‬الحيل‭ ‬المعتادة‭ ‬لمن‭ ‬يزعمون‭ ‬أنهم‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬التدخين،‭ ‬بينما‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه‭ ‬‮«‬متأكد‮»‬‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬امتنع‭ ‬عن‭ ‬تعاطي‭ ‬التبغ‭ ‬فسيموت‭ ‬خلال‭ ‬يومين،‭ ‬فتكون‭ ‬الحيلة‭ ‬هي‭ ‬تقليل‭ ‬عدد‭ ‬السجائر‭ ‬اليومية‭.. ‬أو‭ ‬تدخين‭ ‬نوع‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬محتواه‭ ‬من‭ ‬النيكوتين‭ ‬والمواد‭ ‬الأخرى‭ ‬السامة‭ ‬ضئيل‭.‬

أعطيت‭ ‬نفسي‭ ‬ترقية‭ ‬وصرت‭ ‬أدخن‭ ‬40‭ ‬من‭ ‬السجائر‭ ‬المستوردة‭ ‬قليلة‭ ‬الدسم،‭ ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬الضحك‭ ‬صار‭ ‬يرهق‭ ‬صدري‭. ‬فما‭ ‬العمل؟‭ ‬كيف‭ ‬تستقيم‭ ‬الحياة‭ ‬بدون‭ ‬تبغ؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنني‭ ‬سأرتكب‭ ‬جريمة‭ ‬لو‭ ‬أقلعت‭ ‬عن‭ ‬التدخين،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬سأطرد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬لأنني‭ ‬قد‭ ‬أقول‭ ‬رأيي‭ ‬الصريح‭ ‬في‭ ‬مديري‭ ‬المتغطرس‭ ‬وأنا‭ ‬‮«‬خلقي‭ ‬ضايق‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭. ‬وبعد‭ ‬مناورات‭ ‬استغرقت‭ ‬سنوات،‭ ‬صحوت‭ ‬ذات‭ ‬صباح‭ ‬وكان‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬مائة‭ ‬سيجارة‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬خمس‭ ‬علب،‭ ‬فأمسكت‭ ‬بها‭ ‬وهرستها‭ ‬وألقيت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬ونيف‭ ‬سنة،‭ ‬ولم‭ ‬أرتكب‭ ‬جريمة،‭ ‬ولم‭ ‬أمت‭ ‬بسبب‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬التبغ،‭ ‬ولم‭ ‬أفقد‭ ‬وظيفتي‭. ‬وقد‭ ‬يراني‭ ‬البعض‭ ‬ممسكاً‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬بسيجارة‭. ‬الذنب‭ ‬ليس‭ ‬ذنبي‭ ‬بل‭ ‬ذنب‭ ‬قرناء‭ ‬السوء‭ (‬وهذا‭ ‬كأن‭ ‬ترتكب‭ ‬معصية‭ ‬عامداً‭ ‬ثم‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬إبليس‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬عنها‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا