أدى انتشار وتفشى «جائحة كورونا»، إلى حدوث اضطراب في سلاسل التوريد العالمية، فيما أدى اندلاع «الحرب الأوكرانية»، إلى تفاقم هذا الوضع. ومع كون الطرفان المتحاربان مُصدرين رئيسيين للمنتجات الزراعية إلى بقية العالم؛ فقد تسببت الآثار الاقتصادية للحرب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الرئيسية. وعليه، أضحت قضية تدهور الأمن الغذائي العالمي، لا سيما في أجزاء من آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا؛ موضع اهتمام للمحللين والحكومات والوكالات الدولية على حد سواء.
ونتيجة لتراجع الاستجابة الدولية لتفاقم انعدام الأمن الغذائي العالمي، أصدرت «منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (الفاو)، بالتعاون مع «الصندوق الدولي للتنمية الزراعية» (إيفاد)، و«منظمة الأمم المتحدة للطفولة»، (اليونسيف)، و«برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة»، و«منظمة الصحة العالمية»؛ تقريرا عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2023، تناول الوضع الحالي للأمن الغذائي.
في البداية تم التحذير من أن «أنظمة الأغذية الزراعية العالمية، لا تزال معرضة للصدمات الناشئة عن «الصراعات، وتقلب المناخ، وظواهره المتطرفة»، فضلاً عن «احتمالات الانكماش الاقتصادي المستقبلي». وبينما يتعافى الاقتصاد العالمي تدريجيا؛ فقد حذرت الوكالات الأممية، من أن «العلامات المشجعة»، لانخفاض مستويات الفقر، والجوع في العالم، «قد تقلصت جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة».
ومن خلال البيانات الصادرة عن (الفاو)، فإن «انعدام الأمن الغذائي العالمي»، يمثل «تحديًا كبيرًا»، يجب التغلب عليه. وتمت الإشارة إلى أن نسبة سكان الأرض ممن واجهوا «الجوع المزمن»، خلال عام 2022 بلغت أكثر من 9%، أي ما يعادل بين 690 و783 مليون نسمة، وهو ما يزيد بمقدار 122 مليونًا عما كان عليه الوضع قبل انتشار كورونا عام 2020.
ومع ذلك، تشير تقديرات العام الماضي، إلى أن 2.4 مليار شخص في العالم – خاصة النساء، وساكني الريف – «عانوا من انعدام الأمن الغذائي بشكل معتدل أو شديد»؛ لأنهم «لم يتمكنوا من الحصول على ما يكفيهم من الغذاء الآمن، والكافي على مدار العام». ويمثل هذا الرقم زيادة قدرها 391 مليون شخص عن ثلاث سنوات سابقة». وبشكل خاص، ينطبق هذا على إفريقيا، حيث تبلغ نسبة الذين يعانون من الجوع حوالي20%، وهي أعلى مما عليه في آسيا 8.5 %، وأمريكا اللاتينية 6.5%، وأوقيانوسيا 7%.
وعلى الرغم من «التحسن النسبي»، الذي طرأ على نسب الجوع العالمي بين عامي 2021 و2022؛ في أمريكا اللاتينية، وأجزاء من آسيا؛ فقد أصرت «الأمم المتحدة»، على أنه «لا يزال في ارتفاع» في مناطق من إفريقيا وغرب آسيا. ومع تسجيلها لمستويات تدهور «جودة التغذية»، في العالم أيضا، لوحظ كيف أصبح 3.1 مليارات شخص في عام 2022، «غير قادرين على تحمل تكاليف «نظام غذائي صحي».
بالتوازي مع ذلك، ترتفع مستويات السمنة عالميا. وحذر «الاتحاد العالمي للسمنة»، من أن أكثر من نصف سكان الأرض يمكن أن يعانوا من زيادة الوزن بحلول عام 2035، وتقدر التكلفة الاقتصادية لذلك على الحكومات، بأكثر من 4 تريليونات دولار إذا لم تُتخذ إجراءات فاعلة.
وفي التقرير، فإن المنطقة المشار إليها باسم غرب آسيا -والتي تشمل دول الخليج، وبقية الشرق الأوسط، مع تسجيل الدول العربية الإفريقية في فئة إفريقيا – شهدت مواجهة 2 مليون شخص الجوع عام 2022، مقارنة بالعام السابق، مع ارتفاع نسبة من يعانون من هذه المحنة من 10.2%، إلى 10.8%. وفي حين أن 7.9% فقط من سكانها كانوا معرضين لخطر «نقص التغذية»، عام 2005، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى 10% في 2016، وظلت عند نفس المستوى منذ ذلك الحين. وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تم تسجيل أن 51.2 مليون شخص يعانون من نقص التغذية عام 2022.
ووفقا للأمم المتحدة، ارتفع معدل انتشار «انعدام الأمن الغذائي الحاد»، في غرب آسيا من 9% في عام 2015 إلى 10.3% في عام 2022، في حين زاد هذا المؤشر (سواء المعتدل أو الشديد)، من 30.9% في عام 2015، إلى 35.5% في عام 2022. وفي الفترة ذاتها، قفز عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بالمنطقة من 81.1 مليونا، إلى 104.4 ملايين، وتفاقم عدد المتضررين بشدة من 23.8 مليونا إلى 30.3 مليونا.
وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، تم تسجيل العوائق التي تحول دون «اتباع نظام غذائي صحي». وارتفعت التكلفة اليومية لهذا الأمر من 3.15 دولارات، إلى 3.36 دولارات، بين عامي 2019 و2021، في حين تراجع عدد الأشخاص في غرب آسيا، الذين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف من 16.7 مليونًا، إلى 15.9 مليونًا، أي بانخفاض من 9.7% من السكان، إلى 9%. وعلى النقيض، فإن 1.4 مليار شخص في جنوب آسيا، لا يستطيعون تحمل تكاليف اتباع نظام غذائي صحي، مع تسجيل جنوب شرق آسيا (357.4 مليونًا)، وشرق آسيا (159.4 مليونًا)، بفارق كبير لكليهما عن منطقة الشرق الأوسط.
وفي العِقد الماضي، طرأ «تحسن» على صحة الأطفال فيما يتعلق بالأمن الغذائي. وفي حين بلغت نسبة انتشار «التقزم»، بينهم بغرب آسيا 19.1% عام 2012، فقد انخفضت بعد عِقد إلى 14% (وإن كانت أعلى بكثير من نسبة 3.6% المسجلة في أمريكا الشمالية، و4% في أوروبا). كما انخفضت نسبة من يعانون من «زيادة الوزن»، من 9.1% عام 2012، إلى 7.2% عام 2022. ويضع هذا الرقم المنطقة في مرتبة أدنى من أوروبا 7.3 %، وأمريكا الشمالية 8.2 % في هذا الصدد.
وفي حالة دول الخليج، فعلى الرغم أن مؤشراتها المتعلقة بالأمن الغذائي أعلى من دول الشرق الأوسط، فقد أكدت «الأمم المتحدة»، مخاوفها بشأن قضيتي زيادة الوزن، ومعدلات السمنة، وارتباطهما بزيادة مستوى التحضر لسكان المنطقة. وفي مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2022، الذي أعدته «مجلة الإيكونوميست»، تم تصنيفها جميعا، ضمن أفضل 50 دولة في مجال الأمن الغذائي. واحتلت «الإمارا»، الدرجة الأعلى، حيث جاءت في (المرتبة 23 عالميًا بدرجة 75.2/100)، تليها «قطر» (30 عالميًا بدرجة 72.4/100)، و«عُمان»، (35 بنسبة 71.2/100)، و«البحرين»، (38 بنسبة 70.3/100)، و«السعودية»، (41 بدرجة بلغت 69.9/100)، و«الكويت»، (المرتبة 50 بـ 65.2/100).
علاوة على ذلك، سجل التقرير «تقدمًا»، في معالجة قضية الأمن الغذائي خلال العِقدين الماضيين. وفيما يتعلق بنسبة انتشار معدلات نقص التغذية بين دول الخليج؛ فقدت انخفضت في «السعودية»، و«الإمارات»، في الفترة ما بين الأعوام (2004-2006)، و(2020-2022)، من 4.9%، إلى 3.8% في «الرياض»، ومن 7.6% إلى أقل من 2.5% في «أبو ظبي». وبالنسبة إلى الكويت، بلغت حالة انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، مستوى 10.9% في الفترة بين (2020 و2022)، حيث كانت قد انخفضت من 12.6% في (2014-2016).
وإلى جانب التحسن في «صحة الأطفال»، التي حققتها دول الخليج؛ فقد انخفضت نسبة «تقزم الأطفال» دون الخامسة، من 6.5%، إلى 5%، بين عامي (2012 و2022)، بنسبة 1.8%.
بالإضافة إلى ذلك، تمت الإشارة إلى تأثير «التحضر»، على سلاسل التوريد العالمية والأمن الغذائي على المدى الطويل، والتي ترتبط بشكل خاص بحالة دول الخليج. وأوضحت «الأمم المتحدة»، أنه بحلول عام 2050، سيعيش ما يقرب من سبعة من كل عشرة من سكان العالم في المدن (مع أن الرقم حاليًا عند 56% من سكان العالم بالمناطق الحضرية)، وهو سيؤثر بشكل كبير في «استمرارية المناطق الريفية والحضرية» في «إنتاج الغذاء، وتصنيعه، وتوزيعه، وتسويقه، وشرائه».
ووجد «التقرير»، أن «انعدام الأمن الغذائي الشديد»، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هو «الأكثر انتشارًا»، في المناطق الحضرية بنسبة (11%)، تليها المناطق المحيطة بالمناطق الحضرية، التي أوضحتها «اليونسكو»، بأنها «مناطق التحول من الأراضي الريفية إلى المناطق الحضرية»، حيث يتم تحويل الأراضي المستخدمة للزراعة إلى مساحات سكنية، بنسبة 10%. ويبلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الحاد في المناطق الريفية 9.8%. ومع ذلك، عند الأخذ في الاعتبار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أيضًا، فإن المناطق الريفية تعاني أكثر من غيرها بنسبة 24.1%، تليها شبه الحضرية (22.8%)، والحضرية (20.6%).
وفي الخليج، أوضح «معهد بروكينجز»، أن «التنمية الاقتصادية السريعة والتحضر»، كانت مصحوبة «بتغيرات في نمط الحياة»، مثل «انخفاض النشاط البدني»، و«زيادة استهلاك الأطعمة والمشروبات فائقة المعالجة». وعليه، حذرت من «الآثار، والتكاليف الاقتصادية غير المباشرة»، المرتبطة بزيادة الوزن، بما في ذلك التأثير «سلبًا»، على رأس المال البشري، من خلال التغيب عن العمل، والذي تقدر خسائره في السعودية وحدها ما يقرب من 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، تُبذل الجهود لمواجهة هذا الاتجاه.
على العموم، يقدم تقرير «حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2023»، تحديثًا لصورة الأمن الغذائي العالمي، خاصة أن زيادة عدد الذين يعانون من نقص الغذاء والجوع في العالم؛ يجعل من الضروري تحقيق هدف التنمية المستدامة المتفق عليه دوليًا، والمتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030. ويشكل هذا التاريخ، «تحديا هائلا»، حيث إن ما يقرب من 600 مليون شخص في العالم، سيظلون يواجهون أزمة انعدام الأمن الغذائي بحلول نهاية العِقد الحالي. وفي الشرق الأوسط، تمت الإشارة إلى أن «عدم الاستقرار والصراعات في بعض البلدان أدى إلى تعطل الإمدادات الغذائية، والأسواق، وأنظمة توزيعها»، وهي العوامل التي تسببت في «ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ونقصها».
وعند توثيق أوضاع الأمن الغذائي في كل من البحرين والخليج بشكل أوسع، كان هناك افتقار في حجم البيانات المجمعة، وهو ما لم يوفر تقييما كاملا للمنطقة. وعلى سبيل المثال، لم يتم توفير المعلومات المتعلقة بانتشار حالة انعدام الأمن الغذائي المعتدلة والشديدة في عام 2022 لدول الخليج.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك