العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ارتفاع أسعار النفط وانعكاساته على الاقتصادات الخليجية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬متجاوزة‭ ‬حد‭ ‬الـ93‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل‭ ‬لخام‭ ‬برنت،‭ ‬ونحو‭ ‬90‭ ‬دولارا‭ ‬لخام‭ ‬غرب‭ ‬تكساس،‭ ‬واستمرت‭ ‬موجة‭ ‬الارتفاع‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬10%‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع‭ ‬في‭ ‬سبتمبر؛‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬مخاوف‭ ‬النقص‭ ‬المحتمل‭ ‬للإمدادات‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬و«استمرار‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬‭ ‬في‭ ‬تخفيضات‭ ‬الإنتاج‮»‬،‭ ‬و«توقع‭ ‬نقص‭ ‬الإمدادات‭ ‬نتيجة‭ ‬الحظر‭ ‬الروسي‭ ‬المؤقت‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬البنزين‭ ‬والديزل‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬الدول‮»‬،‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬استقرار‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الوقود‭ ‬المحلية‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬تتعلق‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬بجانب‭ ‬العرض،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بجانب‭ ‬الطلب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إليه‭ ‬تشديد‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬و«أوروبا‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬تباطؤ‮»‬‭ ‬في‭ ‬الطلب،‭ ‬والذي‭ ‬بات‭ ‬يهدد‭ ‬بالتحول‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬ركود‮»‬‭. ‬وبينما‭ ‬ينعش‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية،‭ ‬ويثري‭ ‬فوائضها،‭ ‬ويعزز‭ ‬احتياطاتها‭ ‬الأجنبية،‭ ‬ويُمكنها‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروعاتها‭ ‬التنموية‭ ‬الكبرى،‭ ‬ويعوضها‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬مواجهة‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬ينتقل‭ ‬إليها‭ ‬عبر‭ ‬الاستيراد؛‭ ‬فإن‭ ‬الركود‭ ‬يحمل‭ ‬تهديد‭ ‬انخفاض‭ ‬الطلب،‭ ‬وانعكاسه‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم،‭ ‬أن‭ ‬اتجاه‭ ‬‮«‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي‮»‬،‭ ‬ومعه‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تثبيط‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والطلب‭ ‬على‭ ‬الوقود‭. ‬فيما‭ ‬أدى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬الدولار،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬النفط‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬الأولية‭ ‬المتداولة‭ ‬بالدولار،‭ ‬عالية‭ ‬التكلفة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المشترين‭ ‬بعملات‭ ‬أخرى‭.‬

وعليه،‭ ‬عززت‭ ‬المضاربة‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭. ‬ومنذ‭ ‬يونيو2023،‭ ‬أدت‭ ‬‮«‬مراكز‭ ‬صناديق‭ ‬التحوط‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬بنسبة‭ ‬30%،‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الشراء‭ ‬من‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬راهنت‭ ‬على‭ ‬احتمالية‭ ‬تجاوز‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬الـ100‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬بيانات‭ ‬هذه‭ ‬الصناديق،‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬مؤشرا‮»‬،‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬للمستثمرين‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تمديد‭ ‬‮«‬السعودية‮»‬،‭ ‬و«روسيا‮»‬،‭ ‬تخفيضات‭ ‬الإنتاج‭ ‬بمقدار‭ ‬1‭.‬3‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬العام،‭ ‬قد‭ ‬أيّد‭ ‬التوقعات‭ ‬بأن‭ ‬أسعار‭ ‬خام‭ ‬‮«‬برنت‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬تتجاوز‭ ‬100‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭ ‬هذا‭ ‬العام‭. ‬وأكد‭ ‬مصرف‭ ‬‮«‬جولد‭ ‬مان‭ ‬ساكس‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬التوقع؛‭ ‬بسبب‭ ‬استمرار‭ ‬تخفيضات‭ ‬الإنتاج،‭ ‬ووصول‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭.‬

وفيما‭ ‬أظهرت‭ ‬‮«‬بيانات‭ ‬أمريكية‮»‬،‭ ‬تراجع‭ ‬مخزونات‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬‮«‬كوشنج‮»‬‭ ‬‭ ‬أكبر‭ ‬مركز‭ ‬تخزين‭ ‬في‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬22‭.‬9‭ ‬مليون‭ ‬برميل،‭ ‬وواصلت‭ ‬تلك‭ ‬المخزونات‭ ‬انخفاضها‭ ‬للأسبوع‭ ‬السادس‭ ‬على‭ ‬التوالي؛‭ ‬فقد‭ ‬توقع‭ ‬بنك‭ ‬‮«‬جيه‭ ‬بي‭ ‬مورجان‮»‬،‭ ‬احتمال‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬خام‭ ‬برنت‭ ‬إلى‭ ‬120‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل،‭ ‬إذا‭ ‬واجهت‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬‮«‬ضغوطا‭ ‬متزايدة‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأسعار‭ ‬المرتفعة،‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توقف‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي؛‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬جولد‭ ‬مان‭ ‬ساكس‮»‬،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬ستكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬80‭ ‬105‭ ‬دولارات‭ ‬للبرميل‭ ‬في‭ ‬2024،‭ ‬استفادة‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬آسيا‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬يعد‭ ‬النفط‭ ‬سلعة‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتصدير‭ ‬الأولى‭ ‬لدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي؛‭ ‬فإن‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعاره‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬يأتي‭ ‬لمصلحتها،‭ ‬ويعزز‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تكلفة‭ ‬إنتاجه‭ ‬لديها،‭ ‬سواء‭ ‬التكلفة‭ ‬التشغيلية‭ ‬أو‭ ‬الرأسمالية‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬الأقل‭ ‬عالميًا‮»‬‭. ‬ووفقًا‭ ‬لبيانات‭ ‬2022،‭ ‬بلغت‭ ‬التكلفة‭ ‬التشغيلية‭ ‬لبرميل‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬5‭.‬4‭ ‬دولارات‭ ‬للبرميل،‭ ‬والتكلفة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬4‭.‬5‭ ‬دولارات‭ ‬للبرميل،‭ ‬بينما‭ ‬تبلغ‭ ‬التكلفة‭ ‬التشغيلية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬4‭.‬6‭ ‬دولارات،‭ ‬والرأسمالية‭ ‬3‭.‬7‭ ‬دولارات‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬التكلفة‭ ‬التشغيلية‭ ‬في‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬14‭.‬8‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل،‭ ‬والرأسمالية‭ ‬21‭.‬5‭ ‬دولارا‭. ‬وفي‭ ‬‮«‬المملكة‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬التكلفة‭ ‬التشغيلية‭ ‬30.7‭ ‬دولارا،‭ ‬والرأسمالية‭ ‬21‭.‬6‭ ‬دولارا‭.‬

وعلى‭ ‬خلاف‭ ‬‮«‬واشنطن‮»‬،‭ ‬و«لندن‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬اقتصادًا‭ ‬متقدمًا‭ ‬شديد‭ ‬التنوع؛‭ ‬فإن‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية،‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬معظم‭ ‬احتياجاتها‭ ‬المعيشية‭ ‬والتنموية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬كلما‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬زادت‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجاتها‭ ‬التنموية‭ ‬والمعيشية‭. ‬

ولهذا،‭ ‬فهي‭ ‬دائمًا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬السعر‭ ‬العادل،‭ ‬الذي‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجاتها،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إرهاق‭ ‬المستهلك،‭ ‬والمستثمر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬إليها‭ ‬نفطها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عودة‭ ‬الأسعار‭ ‬إلى‭ ‬الانخفاض‭.‬

وفي‭ ‬مايو2023،‭ ‬أدت‭ ‬مخاوف‭ ‬الركود‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬بنسبة‭ ‬7%،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬حينها‭ ‬مجرد‭ ‬توقعات،‭ ‬وضمنت‭ ‬الأسواق‭ ‬مخاطر‭ ‬الركود‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬وواصل‭ ‬‮«‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي‮»‬،‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬لمكافحة‭ ‬التضخم؛‭ ‬ما‭ ‬رفع‭ ‬تكلفة‭ ‬الاقتراض،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬تثبيط‭ ‬الميل‭ ‬للاستثمار،‭ ‬والاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬تباطؤ‭ ‬اقتصادي،‭ ‬فيما‭ ‬يعتمد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭. ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬فاقم‭ ‬الوضع‭ ‬حينئذ‭ ‬تحذير‭ ‬‮«‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬من‭ ‬نفاد‭ ‬أموال‭ ‬الحكومة‭ ‬الفيدرالية،‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬فواتيرها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يونيو،‭ ‬دون‭ ‬رفع‭ ‬حد‭ ‬الدين‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المشكلة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تكمن‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬سقف‭ ‬الدين،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬القطاع‭ ‬المالي،‭ ‬التي‭ ‬تتفاقم‭ ‬بسبب‭ ‬تباطؤ‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬كما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬مخاوف‭ ‬الركود،‭ ‬انكماش‭ ‬أنشطة‭ ‬التصنيع‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬وانخفض‭ ‬مؤشر‭ ‬مديري‭ ‬المشتريات‭ ‬في‭ ‬الصناعة‭ ‬التحويلية‭ ‬الصينية،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يقيس‭ ‬حالة‭ ‬نشاط‭ ‬الصناعة‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬بمقدار‭ ‬49‭.‬2‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭.‬

وبعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬تشديد‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية،‭ ‬أشارت‭ ‬‮«‬البنوك‭ ‬المركزية‮»‬‭ ‬لأكبر‭ ‬اقتصادات‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬ستُبقي‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬مرتفعة،‭ ‬حسب‭ ‬الحاجة‭ ‬لكبح‭ ‬التضخم،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التغلب‭ ‬عليه؛‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬بشأن‭ ‬توقف‭ ‬النمو‭ ‬العالمي،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الذهب‭ ‬‭ ‬السلعة‭ ‬التي‭ ‬يتوجه‭ ‬إليها‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬استقر‭ ‬سعر‭ ‬الدولار‭ ‬قرب‭ ‬أعلى‭ ‬مستوياته‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أشهر‭.‬

وفي‭ ‬أكتوبر2022،‭ ‬حذر‭ ‬‮«‬البنك‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬اتجاه‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الركود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وجائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬وضغوط‭ ‬تضخم‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة‭ ‬والغذاء،‭ ‬وأيضًا‭ ‬تأثيرات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬وتوقع‭ ‬تباطؤ‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬بأسرع‭ ‬وتيرة‭ ‬منذ‭ ‬8‭ ‬سنوات،‭ ‬ويبدأ‭ ‬هذا‭ ‬الركود‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬حيث‭ ‬يتراجع‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬من‭ ‬5‭.‬2%‭ ‬إلى‭ ‬1%‭.‬

وفي‭ ‬خضم‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬واجه‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الغربية،‭ ‬اتُهمت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بأنها‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬نتيجة‭ ‬سياسات‭ ‬تخفيض‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬شح‭ ‬المعروض،‭ ‬وارتفاع‭ ‬الأسعار‭. ‬وعليه،‭ ‬طالبتها‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬بزيادة‭ ‬إنتاجها‭ ‬النفطي‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬الأسعار‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الاتهام‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مبنيًا‭ ‬على‭ ‬أساس،‭ ‬فما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة‭ ‬للمستهلك‭ ‬الغربي،‭ ‬هو‭ ‬‮«‬ضريبة‭ ‬الكربون‭ ‬العالية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وضعف‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التكرير‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المضاربة‭. ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬استقرار‭ ‬السوق،‭ ‬وموازنة‭ ‬الطلب‭ ‬بعرض‭ ‬مناسب،‭ ‬لا‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬تخمة‭ ‬معروض‭ ‬تخفض‭ ‬الأسعار،‭ ‬أو‭ ‬شح‭ ‬معروض‭ ‬يرفع‭ ‬الأسعار‭ ‬فوق‭ ‬السعر‭ ‬العادل‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم،‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬انطلاق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬النفطي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وهي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬تذبذب‭ ‬أسعاره‮»‬،‭ ‬صعودا‭ ‬وهبوطا،‭ ‬وعانت‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬انخفاضها،‭ ‬بل‭ ‬أحيانًا‭ ‬ما‭ ‬امتدت‭ ‬الانخفاضات‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ (‬يونيو‭ ‬2014‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2021‭)‬،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تستمر‭ ‬فيه‭ ‬أسعار‭ ‬السلع‭ ‬التي‭ ‬تستوردها‭ ‬في‭ ‬الارتفاع‭.‬

وفي‭ ‬سبيل‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬لجأت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬صناديق‭ ‬ثروة‭ ‬سيادية‭ ‬تسحب‭ ‬منها،‭ ‬كما‭ ‬تقترض‭ ‬أيضا،‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭. ‬وفيما‭ ‬توقع‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬بنهاية‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬سيواجه‭ ‬‮«‬انكماشًا‮»‬‭ ‬في‭ ‬2023،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬احتمالا‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬معدل‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬2%،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬ركودًا‭ ‬عالميًا‭ ‬عزز‭ ‬ذلك‭ ‬تباطؤ‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬فإن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬لسعر‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يمثل‭ ‬اتجاهًا‭ ‬يستمر‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬تركز‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬كل‭ ‬اهتماماتها‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬وتيرة‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادها‭ ‬غير‭ ‬النفطي،‭ ‬واستثمار‭ ‬الفوائض‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الارتفاع‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬احتياطيها،‭ ‬وصناديقها‭ ‬السيادية‭. ‬ويتصدر‭ ‬هذه‭ ‬الصناديق‭ ‬حاليًا‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬أبوظبي‭ ‬للاستثمار‮»‬،‭ ‬بحجم‭ ‬أصول‭ ‬993‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ (‬الرابع‭ ‬عالميًا‭)‬،‭ ‬وصندوق‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬الاستثمار‭ ‬الكويتية‮»‬،‭ ‬بحجم‭ ‬أصول‭ ‬800‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬و‮«‬صندوق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العامة‭ ‬السعودي‮»‬،‭ ‬بحجم‭ ‬أصول‭ ‬700‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬و‮«‬جهاز‭ ‬قطر‭ ‬للاستثمار‮»‬،‭ ‬يليه‭ ‬‮«‬مؤسسة‭ ‬دبي‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الحكومية‮»‬،‭ ‬و«صندوق‭ ‬مبادلة‭ ‬للاستثمار‭ ‬الإماراتي‮»‬،‭ ‬و«أبوظبي‭ ‬التنموية‭ ‬القابضة‮»‬‭.‬

ومنذ‭ ‬2018‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬2022،‭ ‬ارتفعت‭ ‬هذه‭ ‬الأصول‭ ‬بنسبة‭ ‬70%،‭ ‬وبلغ‭ ‬إجماليها‭ ‬3‭.‬6‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار،‭ ‬أي‭ ‬نحو‭ ‬33%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬أصول‭ ‬الصناديق‭ ‬السيادية‭ ‬لدول‭ ‬العالم،‭ ‬فيما‭ ‬بلغت‭ ‬استثمارات‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬أذون‭ ‬وسندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬245‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬بنهاية‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬وجاءت‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى،‭ ‬تليها‭ ‬الإمارات‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬يخفف‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الركود‭ ‬على‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية‭ ‬غير‭ ‬النفطية،‭ ‬كما‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬مواطنيها‭ ‬والمقيمين‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬التضخم‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬معدل‭ ‬متوسط‭ ‬التضخم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاقتصادات‭ ‬2‭.‬7%،‭ ‬كما‭ ‬يمكنها‭ ‬السعر‭ ‬المرتفع‭ ‬من‭ ‬تعويض‭ ‬تخفيض‭ ‬إنتاجها‭ ‬الطوعي،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬إطالة‭ ‬العمر‭ ‬الافتراضي‭ ‬لثرواتها‭ ‬النفطية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عما‭ ‬يؤدي‭ ‬إليه‭ ‬تنويع‭ ‬إنتاجها‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬هذا‭ ‬العمر‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا