في الوقت الحالي، يعتمد ما يقرب من 6 ملايين شخص في فلسطين، والأردن، ولبنان، وسوريا، وأماكن أخرى في الشرق الأوسط على المساعدات الإنسانية، التي تقدمها «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين»، (الأونروا). ومع انخفاض التمويل الدولي لها، تزداد محنة اللاجئين الفلسطينيين في ظل قيام الوكالة، بدور حيوي لتوفير خدمات، مثل التعليم، والرعاية الصحية، والغذاء، والمساعدة الاجتماعية.
وفي ضوء أن الدعم الإنساني والاقتصادي الدولي للفلسطينيين كان دائمًا «مجالا» للمناورات السياسية، فإنه مع ممارسة إسرائيل، «ضغوطا»، على حلفائها الغربيين للحد من تعهداتهم بالتمويل؛ فقد شهدت السنوات الأخيرة، «تراجعا» في أداء الوكالة الدولية. وفي عام 2023، وسط أزمة تمويل كبيرة ناجمة عن تضاؤل تبرعات المانحين الدوليين؛ حذر الأمين العام للأمم المتحدة، «أنطونيو غوتيريش»، من أنها «على شفا الانهيار المالي».
وتأتي محنة «الأونروا»، وسط نمط أوسع من التراجع من قبل الدول الغربية في إنفاق المساعدات الخارجية على مناطق الصراع طويلة الأمد. وعلى الرغم من أن «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، سجلت زيادة بنسبة 13.6% في إنفاق المساعدات الخارجية عام 2022 من قبل الاقتصادات المتقدمة في العالم؛ إلا أن هذا الارتفاع قد تأثر باندلاع حرب أوكرانيا، والدعم الاقتصادي الذي يقدمه التحالف الغربي لكييف، والذي (ارتفع من 918 مليون دولار في عام 2021، إلى أكثر من 16 مليار دولار عام 2022). وعليه، أقرت «المنظمة»، بأن «احتياجات الدول الأقل نموا اقتصاديا لم تلق اهتماما؛ مع انخفاض تمويل المساعدات بنسبة 0.7% في العام الماضي».
وبالنسبة إلى ملايين النازحين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وخارجها، رأت «مجموعة الأزمات الدولية»، أن دور «الأونروا»، «محل تقييم»، مع تأثير «الضائقة المالية»، التي تواجهها على صحة هؤلاء اللاجئين وآفاقهم المستقبلية. وفي ضوء مواجهتهم للفصل العنصري الممنهج من قبل قوات الاحتلال؛ أوضحت «منظمة العفو الدولية»، أن «سكان الضفة الغربية، وغزة، والقدس الشرقية، منفصلون عن بعضهم البعض»، كما تعرضوا «لعقود من التمييز عبر مصادرة الأراضي والممتلكات». ولأنهم ضحايا «الإفقار المتعمد»، الذي يبقيهم «في وضع غير ملائم للغاية، بات الملايين منهم يعتمدون بشكل كبير على «الوكالة» في توفير احتياجاتهم.
وتم إنشاء «الأونروا» – التي وصفها «غوتيريش»، بأنها «تمثل بصيص أمل محدود وسط صورة قاتمة» – عام 1949؛ بهدف تقديم المساعدة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، الذين أجبروا على ترك أراضيهم، والبالغ عددهم في ذلك الوقت حوالي 700 ألف. وفي حين أن عددهم الآن ارتفع إلى ما يقرب من 6 ملايين، فإن هناك حاجة شديدة إلى مزيد من التمويل، خاصة مع تسريع الحكومة الإسرائيلية سياساتها لتهميش الفلسطينيين. ووفقا لـ«ناثان سيتينو»، و«آنا مارتن جيل»، و«كيلسي نورمان»، من «معهد سياسات الهجرة»؛ فإن «حوالي 67% من سكان غزة هم من اللاجئين، وفي عام 2021، سيحتاج 80% من ساكني القطاع إلى مساعدة إنسانية من الأمم المتحدة».
ولأن «الوكالة»، نفسها تعتمد على تبرعات «الأمم المتحدة»، بما يماثل حوالي 93% من ميزانيتها السنوية، فقد أشارت «مجموعة الأزمات الدولية»، إلى ما تواجهه «من صعوبة في إقناع الدول الأعضاء بتمويل عملياتها الإنسانية». وأضاف موقع «ميدل إيست مونيتور»، أن اعتمادها على التبرعات، يجعلها «عرضة لجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل»، والتي تحظى بنفوذ في الدول الغربية. وفي بداية 2023، ناشدت المجتمع الدولي لتوفير1.6 مليار دولار؛ لمواصلة عملها في فلسطين، ولبنان، والأردن، وسوريا وأماكن أخرى، مع تخصيص 848 مليون دولار لصيانة الخدمات الأساسية، و781.6 مليون دولار لعمليات الطوارئ. وبحلول شهر يونيو، تعهدت الجهات المانحة، بتقديم 812.3 مليون دولار؛ لكن المخصصات الجديدة لم تتجاوز 107.2 ملايين دولار.
ومع عدم سد هذه الفجوة التمويلية، أشارت «مجموعة الأزمات»، إلى أن مسؤولي «الوكالة»، «دقوا ناقوس الخطر حول ما ينتظر عملياتها من خطر الانهيار». وأوضح «فيليب لازاريني»، المفوض العام للمنظمة، حاجتها إلى 150 مليون دولار؛ لمواصلة خدماتها حتى نهاية 2023، و50 مليون دولار لبدء عملياتها في 2024، دون وجود التزامات مستحقة»، بالإضافة إلى 75 مليون دولار مطلوبة لإبقاء خط إمداد الغذاء إلى غزة مفتوحا، و30 مليون دولار لبرامج في لبنان وسوريا. وعلى الرغم من المناشدات العاجلة للحصول على المساعدة، تم ملاحظة أن استجابة الحكومات في جميع أنحاء العالم كانت «محدودة».
وحتى لو تم توفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في الوقت الحالي؛ فقد حذر «معهد الأزمات»، من أن «المشكلة الدائمة»، المتعلقة بالدعم الدولي للأونروا، سيؤدي إلى تقليل فعاليتها على «المدى البعيد»، وسيترجم أيضًا إلى نظام «غير فعال»، لمساعدة ملايين النازحين في الشرق الأوسط. وتم الاستشهاد بكيفية مواجهتها في السنوات الأخيرة «عجزًا في ميزانيتها»؛ بسبب تخفيض «واشنطن»، دعمها لأسباب سياسية، مرتبطة بدعمها المستمر لإسرائيل.
وفي حين أوضح «سيتينو»، و«جيل»، و«نورمان»، أن «الولايات المتحدة»، تعد أكبر جهة مانحة للأونروا – حيث «تساهم بما يتراوح بين 300 إلى 350 مليون دولار أمريكي سنويا» – فقد قطعت في عهد «دونالد ترامب»، كل تمويلها، بدعوى تحملها «حصة غير متناسبة من العبء». وجاء ذلك بعد فترة وجيزة من إلغائها أكثر من 200 مليون دولار من المساعدات المقدمة للفلسطينيين من خلال «برنامج المعونة الأمريكية». ويأتي هذا كجزء مما أطلق عليه «آرون ميلر»، من «مركز وودرو ويلسون»، «حملة سياسية لدعم إسرائيل، واستهداف الفلسطينيين».
وعلى الرغم من أن «إدارة بايدن»، أعادت تأكيد التزاماتها الإنسانية عام 2021، فإن حجم المبالغ المقدمة -حوالي 235 مليون دولار – كان أقل مما كانت تقدمه عام 2018، والمقدر بنحو 360 مليون دولار، ومن هذه المبالغ، تم تخصيص 150 مليون دولار للأونروا. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن «الوكالة»، لا تزال تعاني عجزا تمويليا على المدى الطويل. وفي نوفمبر2021، لم تتمكن من دفع رواتب موظفيها البالغ عددهم 28 ألفًا في أوقاتها المحددة. وفي عام2022 جمعت 1.2 مليار دولار فقط من إجمالي التمويل البالغ 1.6 مليار دولار الذي كان قد طلبته.
ومع ذلك، استمر معدل الإنفاق الأمريكي حيال تلك الالتزامات في الانخفاض. وفي يونيو 2023، تعهدت «واشنطن»، بمبلغ 153.7 مليون دولار للأونروا، وعندما اقترن ذلك بتبرعات أخرى، ارتفع التزامها الإجمالي إلى أكثر من 200 مليون دولار. وأشارت «ميدل إيست مونيتور»، إلى أنه سيتم تخصيص 13.5 مليون جنيه إسترليني «لتلبية المناشدات الإغاثية بالأراضي الفلسطينية المحتلة»، في حين سيتم تخصيص 17.2 مليون جنيه استرليني للمساعدات في لبنان والأردن وسوريا.
وبالنظر إلى الآفاق المستقبلية، يبدو الأمر «أكثر قتامة». ويشير «سيتينو»، و«جيل»، و«نورمان»، إلى أن انتخاب أغلبية جمهورية في مجلس النواب الأمريكي؛ سيجعل الوكالة، «تواجه معركة شاقة من أجل التمويل»، حيث يمكن إلغاء الدعم بالكامل مرة أخرى، إذا استعاد الحزب الجمهوري المؤيد بشدة لإسرائيل السيطرة على البيت الأبيض عام 2024.
وبشكل عام، أشارت «مجموعة الأزمات»، إلى «انخفاض التمويل الموجه للعمليات الإنسانية للأمم المتحدة»؛ نتيجة لـ«تعثر المانحين»، و«الإحباط الناجم عن «تضاؤل آفاق التوصل إلى تسوية دائمة للصراعات طويلة الأمد». وفي يونيو، أوقف «برنامج الأغذية العالمي»، المساعدات المقدمة إلى 200 ألف من مواطني الأراضي المحتلة، حيث لم تجمع «الوكالة»، سوى 5 مليارات دولار فقط من أصل 20 مليارا كانت تحتاجها لعملياتها في جميع أنحاء العالم، وبالتالي أوقفت تسليم المساعدات الإنسانية إلى 38 دولة من أصل 86 دولة كان تقدم لها.
وعلى الرغم من أن «بريطانيا»، قدمت تمويلا للأونروا على المدى القصير، فإن هناك حاجة إلى نظام «أكثر استدامة»، لتوفير المساعدات؛ لتجنب وقوع «كارثة إنسانية». وفي أغسطس2023، قدمت مبلغ 12.74 مليون دولار للوكالة، وفي منتصف سبتمبر، أعلن وزير خارجيتها «جيمس كليفرلي» عن تعهد إضافي بقيمة 12 مليون دولار. ومع ذلك، وبالإشارة إلى أنها خفضت بين عامي 2020 و2021، دعمها للوكالة إلى النصف –من 42.5 مليون جنيه إسترليني، إلى 20.8 مليون جنيه إسترليني فقط – فقد أوضحت «ميدل إيست مونيتور»، أنها من خلال القيام بذلك، «تحولت من كونها ثالث أكبر مانح منفرد لها، إلى مجرد واحدة من بين المانحين ذوي الطبقة الثانية».
وفي إدراك لأهمية هذه القضية، انتقد «لازاريني»، كيف أن الوكالة، «لا يمكنها ولا ينبغي لها أن تسعى دائمًا لجلب الأموال لتغطية مساهمتها في تعزيز حقوق الإنسان والاستقرار»، وتحدث عن الحاجة إلى «نموذج أكثر استدامة»، لتحقيق نوع من الاستقرار، عبر توفير «مصدر تمويل منتظم يمكن الاعتماد عليه». من جانبها، دعت «مجموعة الأزمات»، إلى توفير «تمويل كافٍ ومستدام عدة سنوات»، من المانحين الأوروبيين الذين تكمن مصالحهم في الحفاظ على الاستقرار ومساعدة الفلسطينيين. وفي هذه الحالة، كما أوضح «سيتينو»، و«جيل»، و«نورمان»؛ «سيسمح للأونروا بتخطيط عملياتها بشكل أفضل، وتقليل الوقت الذي يتم إنفاقه على جمع الأموال».
وبالإشارة إلى أن دول الخليج يمكن أن تزيد مساعداتها الإنسانية للوكالة، كما أوضح «مركز كارنيجي للشرق الأوسط»، فإن «الصين»، التي لعبت دورا إقليميا أكبر، وتبنت أوراق اعتمادها الدبلوماسية الخاصة للتوسط في محادثات سلام إسرائيلية – فلسطينية من خلال مبادرتها الأخيرة؛ يمكن أن تعزز مساهماتها «المتواضعة» أيضا. وفي أغسطس2023، قدمت «بكين»، مليون دولار للأونروا. ومع ذلك، رأت «مجموعة الأزمات»، أنه «ينبغي عليها بذل المزيد من الجهود لدعم الفلسطينيين إذا كانت ملتزمة بالفعل بتعزيز مكانتها ودعم نفوذها في المنطقة».
وفي حين تعهد «لازاريني»، بأن «الوكالة»، سوف «تستمر في العمل لجمع الأموال اللازمة»؛ فقد اعترف بأنه في ظل هذا «التهديد الوجودي الرئيسي لها؛ فإن «قدرتها على المضي قدمًا في طريقها قد اقترب من نهايته وانهياره». وهذا «الانهيار»، كما وصفته «مجموعة الأزمات»، سيكون «مدمرا»، لأولئك الذين يعتمدون عليها للحصول على الدعم الإنساني مع استمرار العجز الحالي في التمويل؛ ما يعني أن أكثر من 700 مدرسة و140 عيادة معرضة لخطر الإغلاق.
وفي ضوء تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين الذين يسعون إلى تهجير الفلسطينيين بالقوة والترهيب، أشار «عمر شعبان»، من «مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية»، إلى أنه «مع قيام الأونروا بإلغاء تمويلها، وافتقاد الفلسطينيين لحل عادل ودائم لمحنتهم؛ يظل الافتقار إلى الدعم الدولي الثابت؛ هو العنصر الرئيسي في فشل «وضع تطلعاتهم وحقوقهم الاقتصادية على طريق النمو والتنمية المستدامة».
على العموم، بينما تهدف «المساعدات الدولية»، في أماكن أخرى من العالم إلى مساعدة البلدان والشعوب على التنمية اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا؛ فقد انتقد المراقبون المساعدات المقدمة للاجئين للفلسطينيين، وكيف أنها، قد سمحت لأجيال منهم بأن يظلوا في خضم أوضاع كارثية داخل مخيمات دون أي تغير مع مرور الوقت.
وفي ضوء الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل، إلى جانب الافتقار إلى الدعم الدولي؛ تتفاقم محنة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على الأونروا، ما يرفع من حجم المتطلبات المالية لها؛ لتوفير الخدمات الأساسية، وتعزيز حقوق الإنسان. ومن خلال الحث على نموذج تمويل «أكثر استدامة»، أوضحت «مجموعة الأزمات»، أن «المانحين يجب أن يدركوا أن إعادة إحياء الوكالة بعد انهيارها، سيكون أكثر تكلفة من سد الفجوة المالية الحالية».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك