يشهد القطاع المالي والمصرفي بمملكة البحرين مبادرات متواصلة لتعزيز المكانة المالية والمصرفية للبلاد، وبما يواكب المستجدات المالية والتقنية التي يشهدها العالم، وقد مثل مصرف البحرين المركزي القوة الدافعة في ذلك. فقد أدرك مصرف البحرين المركزي مبكرا أن القطاع المالي والمصرفي هو القاعدة الأساسية لنهضة البحرين، ومصدرا رئيسيا للدخل القومي، وعنصرا مهما من عناصر البيئة الاقتصادية الجاذبة للاستثمار الأجنبي فيها، فضلا عن دوره في تمويل المشروعات الوطنية العامة والخاصة.
وحينما برزت التكنولوجيا المالية إلى سطح المؤسسات المالية والمصرفية في العالم، فقد انفتح مصرف البحرين المركزي اتجاهها، منطلقا من استراتيجية مفادها «أن كل ما هو معتمد من تطبيقات وخدمات متعلقة بالتكنولوجيا المالية في الخارج وذات صلة بالقطاعين المصرفي والمالي، قابل للتطبيق في البحرين، وليس هناك ما يحول دون اعتمادها في السوق المحلية، وهناك عنصران حيويان مكنا المصرف من الذهاب بعيداً في التوسع في مجال خدمات التكنولوجيا المالية، الأول يكمن في الرقابة الشاملة للمصرف على القطاعين المالي والمصرفي معاً، والثاني تداعيات الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من حاجة الشركات إلى خفض نفقاتها». فكان الهدف من اعتماد التكنولوجيا المالية ليس تحقيق الشمول المالي كما هو في عديد من دول العالم فحسب، إنما الارتقاء بالنظام المالي والمصرفي في البلاد، وإتاحة التمويل إلى صغار المقترضين من المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر ودعم المبتكرين، وتمكينهم من تنفيذ مشروعاتهم بنجاح ومن دون عوائق، ليسهموا في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وذلك لا يتحقق دون تطوير النظم والتشريعات والرقابة المصرفية لإيجاد بيئة تنظيمية مؤسسية وتشريعية ملائمة، وتوطين شركات التكنولوجيا المالية وإرساء قواعد التعاون بينها وبين البنوك والقطاعين العام والخاص، لاسيما وأن مملكة البحرين تعد المركز المالي والمصرفي الأول في الشرق الأوسط. وبدعم من مصرف البحرين المركزي تم تأسيس مركز الخليج للتكنولوجيا المالية عام 2018م، الذي يمثل أكبر مركز مخصص للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يتيح الفرصة لتطوير وتسريع ونمو شركات التكنولوجيا المالية، فضلا عن تحفيز ودعم التعاون بين المستثمرين، ورواد الأعمال، والجهات الحكومية والمؤسسات المالية لاعتماد منتجات التكنولوجيا المالية، والاستفادة من فرصها التنموية. وواصل مصرف البحرين المركزي جهوده في إرساء قواعد البنية التنظيمية والتشريعية للتكنولوجيا المالية، وإطلاق وحدة خاصة بالتكنولوجيا المالية، وبيئة تجريبية رقابية لاختبار حلول التكنولوجيا المالية، تسمح لشركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية التي تركز على الطابع الرقمي في جميع أنحاء العالم، باختبار وتجربة أفكارهم وحلولهم المصرفية في البحرين، بما يضمن دعم القطاع المالي لتبني خدمات التكنولوجيا المالية، وتنظيم ورعاية العديد من الورش والملتقيات التعريفية والتدريبية والتنظيمية حول التكنولوجيا المالية، داعيا ومشددا على البنوك بضرورة اعتمادها كخيار وجوبي للتطور والنمو في سوق مالية وتقنية شديدة المنافسة. كما أطلق المصرف منصة (بيهايف) للتمويل الجماعي القائم على الإقراض، والتي توفر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة سبل تمويل جديدة، وتساعد في تعزيز الابتكار وطنيا وإقليميا. وقد حرص مصرف البحرين المركزي على توجيه القطاع المالي والمصرفي في البحرين على التعاون مع الشركات الناشئة في التكنولوجيا المالية والاستفادة من تقنياتها المعاصرة واعتماد الأنظمة الرقمية في جميع معاملاتها، بما في ذلك قابلية التحرّك وإنترنت الأشياء، لدعم نموّ القطاع المالي والمصرفي. كما لعب المصرف دورا مهما في تأسيس أول مركز للتكنولوجيا المالية الإسلامية والتنمية المستدامة عام 2018م الذي سمي بـ «المركز العالمي للتكنولوجيا المالية الإسلامية والمستدامة»، الذي يهدف إلى تسريع نمو المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية بطريقة مستدامة ومسؤولة عن طريق استخدام التكنولوجيا المالية، ما يسهم في تعزيز مكانة البحرين كمركز عالمي في التكنولوجيا الإسلامية والمستدامة.
كما أصدر مصرف البحرين المركزي التوجيهات النهائية الخاصة بوسطاء التأمين عبر المنصات الإلكترونية والتي تهدف إلى تطوير تكنولوجيا التأمين «Insure-Tech» وبذلك يكون مصرف البحرين المركزي ضمن البنوك المركزية القليلة التي أصدرت توجيهات تتعلق بوسطاء التأمين عبر المنصات الإلكترونية. ولأهمية التشريعات المصرفية في خلق البيئة التنظيمية المواتية لتوطين شركات التكنولوجيا المالية قام مصرف البحرين المركزي بإصدار العديد من التشريعات المتعلقة بالتكنولوجيا المالية مثل التشريعات المتعلقة بالأصول المشفرة، والتشريعات المتعلقة بـالاستشارات الإلكترونية، وأجرى تعديلات عديدة على التشريعات المالية والمصرفية، أهمها التعديل الخاص بالحوسبة السحابية، حيث إن البحرين أول دولة في المنطقة سمحت للمؤسسات المالية بأن تستخدم الحوسبة السحابية بشكل كامل. وأخيرا وليس آخرا منح مصرف البحرين المركزي أول رخصة لشركات الاستثمار من الفئة الرابعة لمديري صناديق الاستثمار الجماعي لشركة باجز كابيتال وبما ينسجم مع التعديلات التي أدخلها المصرف في تراخيص نماذج الأعمال. وبما يتناغم مع استراتيجية مملكة البحرين لتطوير الخدمات المالية للسنوات (2022-2026) والتي تكتسب أهمية خاصة بين استراتيجيات تطوير القطاعات الاقتصادية في البلاد.
أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك