في وقت تزايدت فيه الكوارث والأزمات الطبيعية وازدادت شراستها وتعقيداتها والتي ارتفعت بنحو 35% منذ تسعينيات القرن العشرين، من هذا المنطلق كان لابد من الاهتمام بهذه التحولات الطبيعية والتحوط لها قبل وقوعها، وكما قيل: «درهم وقابة خير من قنطار علاج» ولعل أهم ما يمكن البدء به هو التدريب والاستعداد المبكر أكثر من أي وقت مضى، والعمل الاستباقي كنهج لا ندامة عليه إذ يمكن أن يقلل من عبء التعامل في حالات الطوارئ ويجعل الاستجابة أكثر فعالية.
الاستعداد واكتساب الخبرات الميدانية في مجابهة الأزمات لا يمنع وقوعها ولكن يحد من تبعاتها، فالكوارث والأزمات منها ما تفرضه الطبيعة وتقلباتها ومنها ما يكون المتسبب فيها الإنسان، وبين هذه وتلك الفيصل الرئيسي فيها هو مدى وجود فريق أو فرق طوارئ تمتلك خبرة وممارسة ولديها تجارب ميدانية في كيفية التعامل مع هذه الكوارث والأزمات كمهارات البحث، وتنسيق عمليات البحث والإنقاذ، وإجلاء الضحايا، والتدريب على إقامة الملاجئ وتوزيع المساعدات وتقديم الدعم النفسي الاجتماعي للأشخاص المتضررين.
إبان جائحة كورونا رأينا تميزا فريدا لفريق البحرين الوطني في مجابهة هذه الأزمة العالمية باحترافية كبيرة، وهذا التميز ما كان ليتحقق لولا وجود فريق وطني يمتلك القدرات المهنية والفنية ولديه الخبرة في إدارة الأزمات بشكل متميز، هذا المستوى العالي الذي يتمتع به الكادر البحريني لابد من استثماره والبناء عليه في كثير من المجالات ولعل أهمها «الفريق الوطني للطوارئ والأزمات والكوارث» حيث إننا نعيش في زمن كثرت فيه الأزمات الطبيعية والمفتعلة وتعددت أسبابها وتزايدت تبعاتها الكارثية والاستعداد لها أصبح واجبا وطنيا وانسانيا.
المبادرة الوطنية التي تبناها مجلس الدفاع المدني بقيادة معالي الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية رئيس المجلس بوضع خطة لتشكيل فريق البحث والإنقاذ للقيام بمهام الإنقاذ خارج البلاد وفق المؤشرات والمعايـيـر الدولية المعـتمدة للسلامة، مبادرة تستحق الإشادة، والجميل والمميز في فكرة هذا المشروع هو أن الفريق مخصص للقيام بمهام خارجية وهي الأكثر حدوثاً وخاصة إذا ما تكلمنا في اطار محيطنا الإقليمي والعربي، وقد رأينا كيف كان لفريق البحث والإنقاذ التابع للحرس الملكي بقوة دفاع البحرين دور فاعل أثناء مهمته الإغاثية الإنسانية عملية «سواعد الغيث» في المناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير 2023، والكوارث الطبيعية كثيرة والحاجة إلى مثل هذا الفريق أصبحت من الضروريات انطلاًقا من القيم السامية والمواقف الأخوية بين البحرين وباقي الشعوب. ولله الحمد البحرين كانت وستبقى سباقة لتقديم يد العون والمساعدة والدعم في أي أزمة تتعرض لها الدول الشقيقة والصديقة.
من البديهيات التي يتم العمل عليها هي استشراف المستقبل والقدرة على النظر في تطورات المستقبل واحتياجاته والقدرة على إدراك الأبعاد المستقبلية لما قد تأتي به الأيام القادمة، ليس تنبؤاً بالمستقبل وإنما للمساعدة في بنائه والاستعداد لأي طارئ ضمن المعطيات التي نمر بها في وقتنا الراهن، وهذا تصديقاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) من باب النظر في عواقب الأمور، وتقدير أسوأها لأخذ الحيطة والحذر وإعداد العدة المناسبة، وتوطين النفس على تحمل المشاق في الأزمات والكوارث لاسيما وأن التغيرات التي تحدث يوماً بعد يوم هي متسارعة ومتنامية، والأحداث متداخلة ومتلاحقة، والتطلعات متزايدة وملحة، والحديث عن المستقبل هو بمثابة الحديث عن مصير الأجيال القادمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك