اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة -ومنها دول الخليج – عام 2015 أهداف التنمية المستدامة الـ17، والتي تُعرف باسم «الأهداف العالمية»، كدعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر، وحماية الكوكب، وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول 2030، وهذه الأهداف متكاملة، أي إن العمل في إحداها يؤثر في الأخرى، وأن التنمية يجب أن توازن بين مجالاتها المختلفة، مع التعهد بعدم ترك أي شخص في الخلف، فهذه التنمية المستدامة لا تستثني أحدًا.
وقد شملت الأهداف الـ17: (القضاء على الفقر، القضاء التام على الجوع، الصحة الجيدة والرفاه، التعليم الجيد، المساواة بين الجنسين، المياه النظيفة، والنظافة الصحية، طاقة نظيفة بأسعار معقولة، العمل اللائق، ونمو الاقتصاد، الصناعة والابتكار والبنية الأساسية، الحد من أوجه عدم المساواة، مدن ومجتمعات محلية مستدامة، الإنتاج والاستهلاك المستدام، العمل المناخي، الحياة تحت الماء، الحياة في البر، السلام والعدل والمؤسسات القوية، الشراكات من أجل الأهداف).
ومنذ ذلك الوقت، تبنت «دول الخليج»، الأهداف الأممية للتنمية المستدامة، وضمنتها رؤاها المستقبلية وخططها الوطنية، وبرامجها الحكومية، وكلفت بها أجهزتها التنفيذية، بل أقامت لها وزارات مختصة بها، وتابعت تنفيذ هذه الأهداف، وقدمت بشأن تنفيذها تقاريرها الطوعية الوطنية، بل وأنشأت مؤشرات قياس، وحرصت على التفاعل الأممي، بشأن عقبات التنفيذ وكيفية تجاوزها.
وبينما هددت «جائحة كورونا»، وما تبعها من أزمات سلاسل الإمداد، والحرب الأوكرانية، ووقوع إمدادات الحبوب الغذائية والطاقة؛ إمكانية الوصول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة عالميًا في موعدها المحدد؛ فقد جاءت «قمة أهداف التنمية المستدامة الثانية» – الأولى كانت في 2015 – تمثل أحد المحاور الرئيسية للأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 78، وانطلقت من 18 سبتمبر، في سعي لإنقاذ الأهداف الطموحة، لمساعدة سكان الدول الأكثر فقرًا في العالم، في وقت تواجه فيه الكثير من الأزمات.
واستمرت هذه القمة على مدى يومين، مستهدفة إعادة العالم إلى المسار الصحيح، والتقدم نحو مستقبل أكثر اخضرارًا، ونظافة، وأمانًا وعدالة للجميع، والتوصل إلى اعتماد إعلان سياسي يجدد الالتزام بالموعد الرئيسي لخطة 2030، والبحث عن حلول لتغيير المسار السلبي الحالي، وتحفيز التوحد العالمي نحو إحراز تقدم. وقبيل الاجتماع، قال الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيرش»، إن القمة تسعى إلى «إنجاز خطة إنقاذ عالمية بشأن الأهداف، بعد ما تبين أن 15% منها فقط على الطريق الصحيح».
وفي إطار التزامها بالأهداف الأممية للتنمية المستدامة؛ حرصت دول الخليج على المشاركة الفعالة في أعمال هذه القمة، فترأس وفد الكويت أمير البلاد، الشيخ «نواف الأحمد الجابر الصباح»، ورئيس مجلس الوزراء الكويتي، «أحمد نواف الأحمد الصباح». ونيابة عن خادم الحرمين الشريفين، الملك «سلمان بن عبد العزيز»، ترأس وفد السعودية، وزير الاقتصاد والتخطيط «فيصل بن فاضل الإبراهيم». وترأس وفد «سلطنة عُمان»، وزير الخارجية «بدر بن حمد البوسعيدي»، بتكليف من السلطان «هيثم بن طارق». وترأس وفد الإمارات، وزيرة التغير المناخي والبيئة «مريم بنت محمد الموهيري»، ووفد «البحرين»، «نور الخليف»، وزيرة التنمية المستدامة، ووفد «قطر»، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ «محمد بن عبد الرحمن بن جاسم».
وعليه، فقد استعرضت كلمات الوفود الخليجية لدى القمة، الجهود التي بذلتها بلادهم، نحو تحقيق الأهداف الأممية الـ17، والإنجاز المحقق في كل هدف، ومساعيها لمساعدة البلدان النامية، نحو تحقيق هذه الأهداف، وتضمين أهداف التنمية المستدامة في رؤاها المستقبلية، وخططها الوطنية.
وكشفت كلمة رئيس الوفد السعودي، أن «الرياض»، وحدها ساهمت بأكثر من 87 مليار دولار مساعدات دولية؛ بهدف مكافحة الفقر، ودفع عملية التنمية، ووقوع أهداف التنمية المستدامة ضمن رؤية السعودية 2030، وأنها قد غدت «قوة استثمارية دولية»، لها دورها المهم في تعبئة الموارد؛ لتحقيق النمو المستدام، كما كشفت عن جهود المملكة لدعم البرامج الإيجابية.
فيما كانت «الإمارات»، من الدول التي طرحت أفكارها أثناء القمة لتصحيح مسار العمل، نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتمتد مساعدات «صندوق أبوظبي للتنمية»، لأكثر من 170 دولة في مجالات مكافحة الفقر والجوع والتعليم، فضلاً عن وقف المليار وجبة لمساعدة دول العالم في مكافحة الجوع. يذكر أن «الإمارات»، أسست عام 2017، «لجنة وطنية»، مهمتها التركيز على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، برئاسة وزيرة الدولة للتعاون الدولي، كما أطلقت نظام متابعة «نظام أداء»، معني بقياس الأداء نحو تحقيق هذه الأهداف، واستضافت العديد من المؤتمرات الدولية المعنية بالتنمية المستدامة، كالقمة العالمية للحكومات.
وفي ضوء الأهمية الكبيرة، التي تتسم بها أعمال هذه القمة، كانت «قطر»، مع «أيرلندا»، قد قامتا بدور ميسر للإعلان السياسي لقمة أهداف التنمية المستدامة، التي وقعت في منتصف الطريق بين 2015 وسنة الوصول لتحقيق الأهداف في 2030.
وفي كلمتها، أكدت «الدوحة»، الأهمية البالغة للمرحلة الحالية من تنفيذ هذه الأهداف، وأن هناك «هدفا مشتركا»، يتمثل في التصدي للمعوقات الأكثر إلحاحًا التي تواجه شعوب العالم من نزاعات مسلحة، وأزمات مرتبطة بالأمن الغذائي، وتغير المناخ، وضرورة الالتزام بحل الخلافات بالطرق السلمية، والحوار القائم على الاحترام، وضرورة إعطاء أولوية لتنفيذ تدابير وإجراءات فعالة وفقًا للقانون الدولي، تزيل الصعوبات التي تعوق حق تقرير المصير لمن يعيشون تحت الاحتلال الأجنبي، وأنه من المهم تجنب أية إجراءات قد تعوق من قدرات الدول النامية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك فرض تدابير قسرية على نحو يتنافي مع ميثاق الأمم المتحدة. كما أكدت دور الاستثمار في مستقبل الشباب، وتمكين النساء والفتيات وإشراكهم في عملية صنع القرار، فيما ضمنت أهداف التنمية المستدامة في رؤيتها المستقبلية 2030، ونوهت إلى الدور المحوري الذي تقوم به عالميًا في دعم هذه التنمية في البلدان النامية.
من جانبها، أكدت «سلطنة عُمان»، أنها جعلت التكنولوجيا، والعلم، والتحول الرقمي؛ «جزءًا أساسيًا»، من استراتيجيتها وخططها الوطنية، وتقديم تقريرها الطوعي الثاني نحو تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في 2024، بما يبرز التزامها القوي بهذا التنفيذ، وأن «السلطنة»، ضمنت هذه الأهداف في رؤيتها 2040.
في حين، أكدت «البحرين»، التزامها بأهداف التنمية المستدامة، وتضمينها في رؤيتها المستقبلية 2030، واستراتيجياتها، وخططها الوطنية، وبرامج عمل الحكومة، فيما قدمت تقريرها الطوعي الثاني بشأن تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في يوليو الماضي. ومن جانبها، استعرضت «نور الخليف»، جهود «المملكة»، في تبني الحلول الرقمية المبتكرة، والتزامها بتحقيق الحياد الصفري، والقضاء على كل مظاهر عدم المساواة، وتحقيق نهوض المرأة في كل المجالات من دون تمييز، وتحقيق التعليم الجيد، والصحة الجيدة للجميع، وتحقيق التحرر التام من الفقر بجميع أشكاله، والارتقاء بجودة الحياة لجميع المواطنين والمقيمين.
وقد كان لمشاركات دول الخليج في «قمة أهداف التنمية المستدامة» – التي اختتمت أعمالها في 19، سبتمبر – دورها البارز في «الإعلان السياسي»، الصادر عنها، والذي أكد أن القضاء على الفقر بكل أشكاله، بما فيه الفقر المدقع، هو أكبر تحد دولي، ومطلب لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة. وأكدت الدول التزامها بالتنفيذ الفعال لأهداف التنمية المستدامة، وتحقق اكتمال هذا التنفيذ للأهداف الـ17 في الأجل الزمني المحدد 2030.
واستمرارا، أكدت دول الخليج على شعورها بالقلق؛ لأن التقدم على مسار معظم هذه الأهداف يسير بشكل بطيء للغاية أو تراجع عن الحد الذي وضع عام 2015، في ظل أن عالمنا يواجه أزمات هائلة، ووقع الملايين تحت الفقر، وزاد انتشار الجوع وسوء التغذية، وارتفعت الاحتياجات الإنسانية، وأصبحت آثار التغير المناخي أكثر وضوحًا، ما أدى إلى زيادة انعدام المساواة. فيما أكدت أن خطة 2030 لتحقيق التنمية المستدامة مازالت تمثل خارطة الطريق لتحقيق التنمية، والتغلب على الأزمات المتعددة، التي تواجه العالم، والعمل بشكل مُلح لتحقيق رؤية تلك الخطة، باعتبارها خطة عمل للناس والكوكب والازدهار والسلام والشراكة، مع ضمان عدم تخلف أحد عن ركب التقدم.
وفي «الإعلان السياسي»، أكد القادة، أن تغير المناخ، هو أحد أكبر تحديات العصر الحالي، وأعربوا عن القلق البالغ، بشأن استمرار تزايد انبعاث غازات الاحتباس الحراري، والمخاطر التي تتعرض لها جميع الدول، وخاصة النامية؛ بسبب آثار التغيرات المناخية؛ فقد أكدوا أن تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معها، هي «أولوية فورية وملحة». وفي هذا الصدد، شاركت الوفود الخليجية في «قمة الطموح المناخي»، يوم 20 سبتمبر، الذي عقدها الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيرتش»، خلال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي دعا إليها الحكومات وقطاع الأعمال والمدن والمناطق والمجتمع المدني والتمويل، لتقديم عمل مناخي موثوق وجاد، وحلول تستجيب للحاجة الملحة لأزمة المناخ.
علاوة على ذلك، تستضيف «السعودية»، من (8 –12 أكتوبر)، هذا العام «أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، بالتعاون مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، بمشاركة عدد كبير من الوزراء والمسؤولين والإعلاميين، تحت عنوان «التقييم العالمي لتقييم التقدم الذي تم إحرازه نحو تنفيذ أهداف اتفاقية باريس المتعلقة بالتغير المناخي. ويأتي ذلك قبيل انعقاد الدورة 28 للدول أطراف في اتفاقيات المناخ في نوفمبر في الإمارات.
على العموم، تُعبر المشاركات الخليجية المتتابعة، أن التنمية المستدامة، هي مجال التركيز الرئيسي لاهتمامات دول الخليج منذ قيامها، ومثلت نهجًا لها، سواء على المستوى المحلي، أو المستويات الإقليمية والدولية. ونتيجة ذلك، حلت هذه الدول، بين الدول الأعلى ارتفاعًا في المقياس الأممي للتنمية البشرية، منذ صدوره إلى الآن، وأن التزامها بالمشاركة في جهود التنمية الدولية، لجهة ما تقدمه من مساعدات تنموية– قياسًا إلى ناتجها المحلي الإجمالي – يفوق ما تقدمه الدول المتقدمة، فضلاً عن عدم ارتباطه بأي مشروطية سياسية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك