زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن بشر ليسوا ببشر
شخص أعرفه وتربطني به علاقة رحم، رزقه الله بثلاث بنات «ورا بعض»، أي الواحدة تلو الأخرى، فأحزنه ذلك كثيرا، وفي المرة الرابعة أبلغوه بأن زوجته رزقت بنتاً، فقال إن زوجته «نحس وما فيها خير» «ثم جاء الطفل الخامس، وكان..... بالضبط، والسادس بنتاً سوداء كالأبنوس، فاعتزل صاحبنا الناس كي لا «يهنئه» «أحد بالمولودة، وجلس يردد: اللهم لا اعتراض في حكمك، وكان يقولها كمن أصابته مصيبة، ولم أره مبتسماً إلا بعد أن جاء المولود السابع ولداً ثم جاء الثامن ولداً، فانفشخت أساريره وصار يمشي في الأرض مرحا متبخترا، وكيف لا، ولسان حاله يقول: صبرت ونلت! صبر على ست بنات (وكان يعتبر ذاك محنة وابتلاء) ثم أكرمه الله بولدين، وأحس عندها فقط بأنه صار رجلا لأنه «أبو أولاد».
ودارت الأيام وكبر العيال وكبر معهم أبو العيال، فإذا بي أسمعه ذات يوم يقول: مش عارف كنت أعمل إيه بدون بناتي هؤلاء، وعلمت منه إنهن صرن ناجحات وعلى قدر كبير من المسؤولية، نجحن في الدراسة، وصرن ربات بيوت ماهرات، ثم تزوجن الواحدة تلو الأخرى، وملأت ضحكات وصرخات الأحفاد البيت بالبهجة والمرح، وصار يحكي في المجالس بكل فخر كيف أن آخر بناته، والتي جعله مولدها يحسب أنه تعيس الحظ لأنه أب لست بنات، حتى اعتزل الناس، صارت سائقه الخصوصي، توصله من مكان إلى آخر وتساعده في تصريف شؤون عمله وبيته، بل وتتحمل الكثير من نفقات بيت العائلة. تذكرت صديقي وبناته وأنا أقرأ حكاية ذلك الوحش من سوهاج في صعيد مصر، الذي رزق سبع بنات ورأى في ذلك مصيبة وفضيحة، فذبح خمسا منهن وهن نائمات، ونجت اثنتان من الموت بأعجوبة، وبرر جريمته بأنه أراد الانتقام من زوجته، لأنها لا تنجب سوى البنات. الغريب في الأمر هذا الرجل الذي - والذي إذا وصفته بالحيوان كان من حق الحيوانات أن تحتج على «الإساءة» - دافع عن حقه في الحياة أمام المحمة مدعياً أنه يعاني نوبات جنون، بمنطق أن من يرزق بسبع بنات، لابد وأن يفقد قواه العقلية، وأنه بالتالي لا يستحق الحكم بالإعدام، ولكن جيرانه شهدوا بأنه كان دائماً في كامل قواه العقلية بل أثبت الأطباء النفسانيون أنه مدرك لما فعله عامداً ويعي عاقبة الأمر، «أجمل» ما في الحكاية هو أنه نال حكما بالإعدام، ولكن المؤسف أن إنساناً يقتل خمسة أرواح من صلبه أو صلب غيره يعدم مرة واحدة فقط.
ومررت في مسيرة حياتي بالكثير من الرجال الذين يُعتبر وصفهم بالبهائم انتقاصاً من قدر البهائم: طلقت المَرّة لأنها جابت بنتين! لا ينفع مع شخص كهذا أن تقول إن تلك الزوجة وغيرها من الزوجات لسن مسؤولات عن تحديد جنس الجنين، وأنه ليس هناك ما يضمن له أن الزوجة/ الزوجات الجديدات لن ينجبن طابورا من البنات! طبعاً لا تحاول أن تسأله السؤال البديهي البسيط: ما لهن البنات؟ ولكن إذا وجهت السؤال إليَّ فإنني أقول أن الله أكرمني ببنتين، وولدين، وجميعهم مصدر سعادتي، وهمي الوحيد في الحياة هو أن أسعدهم، ولكنني أعلنها على رؤوس الأشهاد: أنا منحاز للبنتين وأكرس لهما معظم وقتي، إن كان لجهة الإرشاد أو المساعدة الأكاديمية أو لجهة الأنس والفرفشة. وأعرف أنهما تواجهان مجتمعاً ظالماً فيه الكثيرون الذين يعتبرون المرأة «مشروع كارثة»، ومن ثم فإنني أسلحهما كي تكونا مشروع آدميتين صالحتين وناجحتين وفالحتين وقويتي الشخصية، ولو تعرضت إحداهما لشكة دبوس يدمي قلبي ألما، ومن ثم فإنني أعتبر من يؤذي أحد عياله لأي سبب من الطبقة الدنيا في عالم الحيوان، ولا أجد وصفا مناسبا لأطلقه على من يقتل ابنه او بنته لأي سبب من الأسباب، سوى أنه دون الحيوانات مرتبة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك