منظمة الإيكواس «المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا» منحت السلطات في النيجر أسبوعا لإعادة الرئيس محمد بازوم للسلطة بعد الإطاحة به في 26 يوليو من العام الحالي 2023، خبر تناقلته وسائل الإعلام العالمية وظل محط اهتمام كثير من المحللين ليس فقط في القارة الإفريقية بل على المستوى العالمي لسببين، الأول: أنه يعد اختباراً حقيقياً لقدرة إحدى تنظيمات الأمن الإقليمي على مواجهة ما تراه تهديداً لذلك الأمن وفقاً لما أنشئت من أجله هذه التنظيمات، والثاني: قدرة تلك التنظيمات على العمل بعيداً عن مصالح القوى الكبرى وخاصة أن القارة الإفريقية أضحت إحدى ساحات التنافس والصراع بين تلك القوى.
وبداية ينبغي تأكيد أن منظمة الأمم المتحدة قد خصصت الفصل الثامن كاملاً لدور هذه التنظيمات بعنوان «التنظيمات الإقليمية» من خلال ثلاث مواد وهي 52و53و54 وجميعها تتضمن مسؤولية تلك التنظيمات في دعم جهود الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم الدوليين بما يتلاءم مع أهداف المنظمة الأممية وإبقاء تلك المنظمة على دراية بما تقوم به تنظيمات الأمن الإقليمي من إجراءات، ولم يقتصر الأمر على البعد القانوني بل إن المنظمة الأممية ذاتها قد أولت اهتماماً كبيراً بتفعيل دور تلك التنظيمات وحثها على التعاون الفعال معها، ففي اجتماع له مع قيادات أكثر من 12 منظمة إقليمية في 13 يناير عام 2021 وهي الاتحاد الإفريقي، جامعة الدول العربية، حلف الناتو، منظمات الدول الأمريكية، منظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها، قال بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك: «في أية أزمة تواجهنا نحتاج إلى لاعبين للتعاون في الأوجه المتعددة للأزمة للبحث عن حلول لها».
ووفقاً لهذا الأساس القانوني والاهتمام الأممي أتصور أن تلك التنظيمات تؤدي دوراً مهماً للغاية لسببين الأول: أنها تكون على دراية بخصوصية البيئة الإقليمية وتوازن القوى فيها، والثاني: إن العمل في تنظيمات الأمن الإقليمي ربما يكون أيسر من المفاوضات داخل المنظمات الدولية.
إلا أن التساؤل المهم الذي يثار هو هل لدى تلك التنظيمات بالفعل القدرة على حسم النزاعات؟ الإجابة عن ذلك التساؤل لا تقل تعقيداً عن تلك النزاعات ذاتها فلا يمكن القول إنها أخفقت أو نجحت بشكل كامل ولكن تقييم ذلك الدور يرتبط على نحو وثيق بعدة أمور أولها: إرادة الدول الأعضاء في تلك التنظيمات لأنها في النهاية ليست سلطة فوقية وإنما هي حاصل إرادات أعضائها، فعلى سبيل المثال في مارس عام 2011 طالب وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع طارئ لهم «مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي بشكل فوري» وهو القرار الذي رآه حلف شمال الأطلسي «الناتو» مسوغاً للتدخل العسكري في ليبيا وكانت هي حالة التدخل الأطلسي الأولى في العالم العربي، وبغض النظر عن تفاصيل تلك الحالة فإن الأمر المهم هو أن جامعة الدول العربية رأت أن تفوض مجلس الأمن بالتدخل ربما لعدم توافر القوات العسكرية العربية الجماعية التي بإمكانها القيام بذلك التدخل، وثانيها: السياق الإقليمي للأزمات ذاتها، فعلى الرغم من تحديد منظمات الأمن الإقليمي حالات تهديد الأمن الإقليمي التي تتطلب ذلك التدخل فإنه لا يكون تلقائياً بسبب تباين المواقف ولعل الحالة الأبرز كانت في أعقاب الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990 وما ترتب عليه من انقسام داخل أروقة الجامعة العربية بشكل غير مسبوق تجاه ذلك الغزو، وثالثها: مصالح القوى الكبرى، صحيح أن تنظيمات الأمن الإقليمي لها شخصية اعتبارية وتعمل بشكل مستقل وبما يتكامل مع عمل المنظمة الأممية ولكن ليس بالإمكان استبعاد تأثير القوى الكبرى على عمل تلك التنظيمات وخاصة في الأقاليم التي فيها مصالح جوهرية لتلك القوى وتشهد تنافساً وصراعاً بين هذه القوى فيها، ورابعها: أن أطراف النزاعات ربما يرون أن تنظيمات الأمن الإقليمي ليس لديها رؤية كاملة بشأن أبعاد تلك الصراعات وتلك معضلة كبرى، وخامسها: صعوبة مهام تلك التنظيمات إذا ارتبط الأمر بنزاعات حول الموارد الطبيعية مثل المياه، فعلى الرغم من عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة أزمة سد النهضة الإثيوبي وتقدم تونس بمشروع قرار للمجلس في يوليو 2021 يتضمن ضرورة عقد اتفاق ملزم بين إثيوبيا ومصر والسودان فإن الدول الأعضاء في المجلس قد أكدوا أهمية الوساطة الإفريقية لحل ذلك النزاع.
وعودا على ذي بدء وعلى الرغم من أن منظمة الأكواس قد شهدت تطوراً كبيراً بشأن تطوير آليات مشتركة لمواجهة التهديدات ومنها إقرار قانون في عام 1993م يمنح المنظمة مسؤولية منع النزاعات الإقليمية وتسويتها، بالإضافة إلى تشكيل قوة عسكرية مشتركة مكونة من 6500 جندي من بينها وحدة للتدخل السريع حال اندلاع أي صراع فإن ذلك لم يتم بشكل تلقائي وإنما يرتكز على مواقف الدول الأعضاء ورؤيتهم لتلك الصراعات كما هو الحال بشأن التطورات التي شهدتها النيجر.
ولا يعني ما سبق أن تنظيمات الأمن الإقليمي ليست فاعلة بشكل مطلق وإنما لا تزال تؤدي دوراً مهماً من شأنه تخفيف الأعباء عن الأمم المتحدة وهناك حالات تدخل ناجحة لتلك التنظيمات ولكن ربما تكون هناك حاجة إلى ثلاثة متطلبات من أجل تفعيل ذلك الدور المتطلب الأول: أهمية تطوير تلك التنظيمات ذاتها سواء من حيث آلية اتخاذ القرارات حيث يظل الإجماع حجر عثرة أمام أي قرارات تتعارض ومصالح هذا الطرف أو ذلك، والمتطلب الثاني: وهي المعضلة التي تواجه الأمم المتحدة ذاتها وهي إيجاد آلية لفرض قرارات تلك التنظيمات حتى لا تبدو القرارات وكأنها توصيات ولا شك أن وجود قوات عسكرية تحت تصرف المنظمة الإقليمية يعد أمراً مهماً للغاية، أما المتطلب الثالث والأخير هو البدء بإحالة النزاعات الإقليمية لتلك المنظمات قبل التوجه للأمم المتحدة وليس العكس من أجل جعل مسؤولية حل تلك النزاعات منوطة بمنظمات الأمن الإقليمي بالدرجة الأولى وبالتالي حال إخفاقها فإنها سوف تحال إلى أروقة المنظمة الأممية الأكثر تعقيداً والتي تخضع لتوازنات قوى ومصالح قد تتعارض مع مصالح هذا الطرف أو ذاك.
وفي تقديري أن دور تنظيمات الأمن الإقليمي سوف يشهد تنامياً مضطرداً ليس فقط بالنظر للأزمات السياسية التي تواجهها الدول بل في الوقت ذاته في ظل الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي والتي ازدادت وتيرتها خلال السنوات القليلة الماضية وهو ما يضيف أعباءً جديدة على الأمم المتحدة بما يحتم عليها الاستعانة بتنظيمات الأمن الإقليمي للاضطلاع بالدور الذي أنشئت من أجله تكاملاً مع المنظمة الأممية.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك