عندما سُئل ماساكي إيماي، مبتكر ورائد طريقة وفلسفة الكايزن عن الحد الأدنى من شروط لتنفيذ منظومة الكايزن في المؤسسات، أجاب:
أولاً؛ التزام الإدارة العليا.
ثانيًا؛ التزام الإدارة العليا.
وثالثًا؛ التزام الإدارة العليا.
وهذه حقيقة فإن لم تكن لدى الإدارة العليا في المؤسسة أي رغبة في تطبيق منظومة الكايزن فإنه لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع، إذ إن هذه المنظومة كما أشرنا في المقالات السابقة تعني ببساطة أن يشارك الجميع –ونقصد الجميع بما فيهم أصغر فرد في المؤسسة – في إبداء وجهات النظر والتحسين والتغيير إلى الأفضل.
والجانب الآخر من الالتزام، أن يكون مجلس الإدارة والأفراد وكل من في الإدارة العليا ويمثلهم قدوة يحتذى بها، لأن المؤسسة ليست مجرد جدران ومنتجات وعمليات، وإنما هي أفراد وأخلاقيات وسلوكيات، فإن تحسنت تلك الأمور لدى أفراد الإدارة العليا فإن العمالة التي تعيش وتعمل في تلك المؤسسة ستتحسن بالمعدل الذي تتحسن فيه سلوكيات أفراد الإدارة، لذلك على أفراد الإدارة العليا تتبع مؤشراتهم الرائدة والمتأخرة وقراءة المزيد عن المنهجية، والبحث عن طرق لتحسين أدائهم الشخصي، وتشجيع من حولهم على فعل الشيء نفسه.
وبعد التزام الإدارة العليا بتطبيق هذه المنظومة فإنه يمكن إتباع الخطوات التالية:
1- إنشاء فريق عمل: ننشئ فريق العمل ليس من أجل إبداء وجهات النظر في عمليات التحسين، وإنما لعمل برامج مقننة لنشر ثقافة الكايزن في المؤسسة، بهدف أن يستوعبها ويتقنها الجميع، وأن يعرف الجميع منهجيات وخطوات واستراتيجيات الكايزن، فهي كما أشرنا ليست عملية عشوائية، ولكنها منظمة ومنضبطة.
2- تدريب الموظفين: الموظفون هم أعظم وأهم فئة بالنسبة إلى منهجية الكايزن، حيث يشارك في الكايزن كل موظف بدءًا من الإدارة وصولاً إلى العمال. لذلك على فريق العمل تطوير قدرات الفريق والأفراد من خلال التدريب وإشراك الأفراد لتحديد المشاكل والهدر والفواقد وحثهم على تقديم اقتراحات بشكل روتيني للتغيير الإيجابي، وتقييم أفكارهم، ووضع الأفكار الجيدة موضع التنفيذ، ولكن في بعض الأحيان سيتم رفض بعض الأفكار أو تأخير تنفيذها لذلك يجب على فريق العمل أن تكون لديه الأسباب الكافية التي تبين سبب عدم تنفيذ تلك الأفكار والاقتراحات.
3- التخطيط للتنفيذ: تُعد الخطة الجيدة والتي تعتمد على جدولة جميع الأنشطة التي سيتم تنفيذها بشكل مفصل من أهم أسباب النجاح والتي يتمكن من خلالها قائد فريق الكايزن من تنظيم الموارد والأنشطة بكفاءة وفعالية لتحقيق الأهداف الموضوعة، ومن ضمنها وضع الميزانيات وما شابه ذلك.
4- تحديد الأولويات والتحليل: يجب جمع وتحليل الاستراتيجيات والخطط والأفكار مع الفرق الوظيفية المناسبة والمشاركة في المناقشة بهدف ضمان الاستفادة من كل البيانات والعمليات في المؤسسة.
5- تحديد العمليات: ليس من الضروري أن نقوم بعملية التحسين والتغيير لجميع العمليات التي يتم تنفيذها في المؤسسة دفعة واحدة، وإنما في البداية ربما نكتفي بعملية واحدة أو اثنتين، من أجل التركيز وإتمامها بأكبر دقة ممكنة، وبعد ذلك يمكن للفريق أن يضم العمليات تباعًا، ففريق العمل وجميع من في المؤسسة يجب أن يفهم أن منظومة الكايزن ليست مبادرة ليوم أو يومين وإنما هي ممارسة يومية طويلة الأمد وتحتاج إلى صبر وثبات.
6- القياس والتحليل وجمع البيانات: بعد تحديد العمليات التي تحتاج إلى التحسين فإن على فريق العمل أن يجمع البيانات – الخاصة بالعملية المراد تحسينها– من خلال النظر إلى نظام الإدارة وتحليلها باستخدام النماذج المعتمدة في منظومة الكايزن، حتى تصل إلى السبب الجذري للمشكلة. بعد ذلك يمكن القيام بتحسين خطوات أو مكونات محددة في أنظمة العملية، على سبيل المثال، الحصول على عيوب أقل من 1% أو تقليل الوقت المتوقع إلى النصف، حتى لو بدأ التغيير بسيطًا، فإن المزايا المكتسبة من التحسينات الصغيرة تتراكم بسرعة.
7- البدء بعمليات التحسين: بعد أن يتم تحديد العمليات والخدمات المختنقة أو المترهلة، فإنه ينبغي على فريق العمل أن يقوم بإعلانها وتشجيع الجميع على المبادرة في وضع تصور لتحسينها أو على الأقل التخلص منها، ومن الطبيعي أن تتجمع لدى الفريق عديد من المقترحات والأفكار، لذلك فإنه ينبغي على الفريق أن يعيد تقيم كل تلك الأفكار والمقترحات ويعيد تصنيفها وترتيبها، وإيجاد الأنسب منها والتي يمكن تطبيقها بكل سهولة ويسر ومن غير تكلفة.
8- التركيز على الأشياء الصحيحة: تأتي الإنجازات الكبرى من التغييرات الصغيرة والتدريجية، فإن تحسن الفريق والمنتج أو العملية بنسبة 1% فقط كل يوم مدة عام، فستكون أفضل 37 مرة مما كانت عليه عندما بدأ تنفيذ العمل. إن التخلص من العوائق والاختناقات في العمليات التي تبطئ إكمال الطلبات أو تحصيل النقود هي الهدف المنشود من التحسين. لذلك على فريق العمل أن يبحث عن طرق لتزويد العملاء بقيمة أكبر وتجربة شراء أفضل مع ربح أكبر، نظرًا إلى أن الجودة بالإضافة إلى السرعة تساوي التكلفة المنخفضة.
9- التوثيق والتقييم: من المهم في منظومة الكايزن بعد جمع البيانات وإدارة الحقائق، ووضع الحلول الناجعة أن توثق كل ما حدث في وثائق مكتوبة وواضحة ومؤرشفة. ويمكن أن يساعد فريق العمل بعد التعيين الأول للحالة أن يقوم بتحديد نقاط الضعف ومجالات التحسين ومن ثم توفير معيار أو مؤشر الأداء. وهذا يتيح للفريق قياس الأداء مقابل المعايير الحالية وإظهار عائد الاستثمار من جهود الكايزن، كما يسمح لهم تحديد المجالات التي تنجح فيها جهودهم – أو لا تنجح – حتى تتمكن من اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن التحسينات المستقبلية.
10- توحيد العمل: قلنا إنه يتضمن منظومة الكايزن وضع معايير تقييم الأداء للأنظمة والعمليات ومن ثم السعي إلى الارتقاء بهذه المعايير. وعند إجراء تحسينات على عملية ما، وبعد أن توثق فإن هذه الوثائق القياسية تستخدم من أجل الحفاظ على التحسينات وإنشاء خط أساسي جديد للتحسين، كما يقلل العمل الموحد أيضًا من التباين في العمليات ويعزز الانضباط.
11- فرض التحسينات: قد تتطلب ممارسة الكايزن الرجوع إلى بعض الأساليب القديمة، وينطبق هذا على جميع الموظفين لأن الكايزن هي فلسفة تستند إلى أن التحسين مسؤولية الجميع. لذلك، يُعد فرض التغييرات الجديدة أمرًا مهمًا لاستمرار التحسينات، وهو مفتاح للحفاظ على التحسين المستمر على المدى الطويل.
12- لا تتوقف أبدًا عن التحسين: بعد الانتهاء من جميع الخطوات، تحتاج إلى تكرار الخطوات مع إجراء تحسين صغير آخر، وأهم شيء هو معرفة المشكلة أو العائق وما يجب القيام به حتى تتاح لك الفرصة لتجربة بعض الأفكار الجديدة.
وقبل أن نختم حديثنا عن منظومة الكايزن، علينا أن نفكر بثلاثة أمور، وهي:
أولاً: إن الناس –بصورة عامة– لا يمتلكون دائمًا القوة والإرادة لتحقيق أي تغيير طويل الأمد. ففي كثير من الأحيان، قد يبدأ شخص ما في وضع هدف ما – مثلاً تعلم لغة أجنبية– فيبدأ في إجبار نفسه على الدراسة مدة ساعتين يوميًا، وبعد مرور بعض الوقت، تختفي الرغبة والحافز تمامًا ويبقى الهدف غير مكتمل. وهذا ما يعرف بمبدأ الدقيقة الواحدة، إي إننا كبشر نرغب في تحقيق أهدافنا في دقيقة واحدة من حياتنا.
ثانيًا: من مبادئ منظومة الكايزن المهمة؛ يجب ألا نتمسك بأفضل الممارسات فقط لأنها موجودة منذ الأزل، ففي حياتنا ومؤسساتنا ثقافات تقليدية وأنظمة تناقلتها الأجيال، ونعتقد أنها جزء من حياتنا وأنظمتنا وأنه لا يمكن المساس بها، ونحن نقول إنه لا ضير في التمسّك بهذه الممارسات ما دامت إيجابية لا تسبّب الضرر، لكن ليست هذه هي الحال في كثير من الأحيان، ففي المقابل هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى إعادة النظر وإلى التحسين والتغيير، ولا ضير كذلك في إعادة النظر في كل تلك الأمور وربما تحسينها وتغييرها.
ثالثًا: ليس من الضروري أن يكون النجاح في تطبيق منظومة الكايزن في المؤسسات 100% وإنما يمكن أن نكتفي بحوالي 50% أو حتى 10%، فعندما تحقق مثل هذه النسب، ستصبح النسب الأخرى المتبقية – أيًا كان حجمها– في متناول اليد حتمًا، فالمهمّ هو أن نقوم بالخطوة الأولى. بمعنى آخر، أن تتحسّن المؤسسة أو يتطوّر الأفراد باستمرار خلال العملية بأكملها، فقد قلنا إن منظومة الكايزن ممارسة طويلة الأمد، وليست مبادرة إدارية قصيرة.
وفي الختام، يمكننا القول إن تطبيق منهجية الكايزن طريقة سهلة للتعامل مع المشكلات أو العوائق أو الفواقد في المؤسسة أو ما بين الأفراد والأسرة، ولكنه يتطلب بالفعل التزامًا طويل الأمد بسلسلة من الجهود والتحسينات. ويمكن تنفيذ هذه الممارسة في غضون ساعات، بينما قد يستغرق البعض الآخر سنوات. لذلك فإنه من المهم أن نتذكر دائمًا أنه ما من جهود تحسين كبيرة أو صغيرة إلا وينتج عنها تغيرات مستمرة أو نتائج إيجابية أو تحسينات في الجودة.
وما تم ذكره خلال المقالات الثلاثة السابقة، ما هو إلا جزء يسير من هذه المنظومة، لذلك فمن يرغب في الاستزادة وتطبيق هذه المنظومة في حياته ومؤسسته فعليه أن يستفيد من خبرات الآخرين ومن تجاربهم وكذلك من إرشاداتهم. ولكن في الحقيقة الموضوع يستحق الجدية.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك