إنه الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأخوه في المؤاخاة الشهيرة في المدينة، والرجل الذي له من المواقف في نصرة الإسلام، ونصرة رسوله (صلى الله عليه وسلم) في السلم والحرب، في السلم ضحى بنفسه حين نام في فراش رسول الله (صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ليوهم الكفار أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم لا يزال نائمًا في فراشه حتى يتمكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وصاحبه أبوبكر الصِدِّيق(رضي الله عنه) من مغادرة مكة إلى المدينة، وكانت هذه تضحية عظيمة ما كان غير الإمام علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) أهلًا لها، وجديرًا بالقيام بها، وأما نصرته في الحرب فقد تحدث عنها التاريخ، وأفاض في الحديث عنها.. في الحرب كان المحارب العنيد الذي هزم عتاة الكفار، وتصدر في الغزوات التي قادها رسول الله (صلي الله عليه وسلم) كان دائمًا يتصدر الصفوف غير خائف ولا هيَّاب، وكان رضوان الله تعالى عنه حين يُسأل عن ليلته في فراش رسول الله (صلى الله عليه سلم)، كان يصفها بأنها كانت أهنأ ليلة مع أن السيوف القواطع كانت تنتظره لتحز رأسه!
كان رضي الله عنه يؤمن إيمانًا وثيقًا بأن روحه وكل ما يملك فداء للإسلام ورسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) كان رضوان الله تعالى عليه يرى في ذلك دعمًا لمسيرة الإسلام، ودفاعًا عن صاحب الدعوة صلوات الله وسلامه عليه، وكان رضي الله عنه لأبي بكر وعمر نعم الصاحب والمستشار المؤتمن، ولَم يتخلف في يوم من الأيام عن الوقوف والمساندة المستمرة للشيخين العظيمين أبي بكر وعمر حين يندبانه لمهمة يرون أنه أهلٌ لها، فيبادر من دون إبطاء إلى الاستجابة لما يطلبان منه، أشد حبًا وأقرب مودة لأخيه عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) ومن عظيم ثقة الفاروق في أخيه الإمام أنه كان ينيبه عنه لرعاية شؤون الرعية كما حدث يوم أن ذهب لتسلم مفاتيح بيت المقدس حين اشترط كبير قساوسة بيت المقدس أنه لن يسلم المفاتيح إلا إلى أمير المؤمنين عمر رضوان الله تعالى عنه. كذلك حين استشاره عمر في أن يتولى قيادة الجيش فنهاه عن ذلك حماية لحياته، وحماية لدولة الإسلام، ولو كانت العلاقة بين أمير المؤمنين والإمام كما يزعم الزاعمون، ويروج لها المروجون لما نصحه بذلك، ولشجعه عليه، وأشار عليه بأن يتولى قيادة الجيش قائد من القادة ويبقى هو درعا للمسلمين وحاميًا لدولتهم.
أيضًا لو كان الإمام (رضوان الله تعالى عليه) يعتقد كما يقولون إن الخلافة منصب ديني، وأنه أحق بها ممن سبقه من الخلفاء لما سكت عن المطالبة بحقه فيها، ولنازعهم عليها هو ومن جاء من بعده من الأئمة (رضوان الله تعالى عنهم) وإنما هي منصب سياسي يجوز فيه الخلاف والاختلاف، وإنما هي بالبيعة والاختيار الحر، وأيضًا لو كانت الخلافة منصبا دينيا، ومنصوصا عليها في القرآن وصحيح السنة لما تنازل عنها الإمام الحسن (رضوان الله تعالى عليه) إلى سيدنا معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) حقنًا لدماء المسلمين، حتى إن ذاك العام سمي بعام الجماعة، وحول هذه القضية يقول الأستاذ حسن العلوي، وهو كاتب ومؤرخ منصف: «بهذا المنظور ندخل السقيفة التي لم يكن للنص الديني رأي فيها، فقد كانت من اجتهاد الصحابي سعد بن عبادة وجمع من الأنصار».
إذاً، فقد غاب النص الديني عن السقيفة أي أنه ليس هناك آية تدل دلالة واضحة عن أن الخلافة منصوص عليها، وأنها للإمام علي. (رضي الله عنه) وأبنائه من بعده، أي أن الخلافة، وشؤون الحكم شأن سياسي بحت لم ينص الله تعالى عليه بآية محكمة، بل جعلها من الأمور الدينية التي يختلف الناس حولها، وأن القرآن الكريم قد اكتفى بالنص على مبادئها العامة مثل: الشورى والعدل، يقول تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى / 38.
وقال تعالى تعزيزًا لهذا المبدأ، وترسيخًا لأسسه ودعمًا لها: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) آل عمران / 159.
وانظروا إلى دلالة الآية الجليلة إذ جعلت من مبدأ الشورى عصمة للأمة من الفرقة والتشتت، وسبيلًا إلى الوحدة والتماسك، وجاءت الدعوة إلى الشورى ولزومها في صيغة الأمر إلى رسول الله (صلى الله عليه سلم) وفِي هذا من العزيمة والتأكيد ما يجعل المسلمين أكثر حرصًا عليها، وتمسكًا بها في خلافتهم الراشدة، وهي شأن دنيوي يجوز الخلاف فيه، وهو خاضع لتغير الأزمنة والأمكنة، وفِي هذا سعة مبرورة للمسلمين لهم أن يختاروا النظام الذي يسعهم، وييسر لهم سبيل الوصول إلى الحق الذي ينشدونه.
هذا هو الإمام علي بن أبي طالب (رضي الًله عنه) رابع الخلفاء الراشدين المهديين، والمستشار المؤتمن للخلفاء من قبله، والناصح الأمين لإخوانه المباركين رضي الله تعالى عنهم جميعًا ورضوا عنه، والحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلام دائمين على إمام الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد ابن عبد الله الرسول الأمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك