في شهر يونيو 2023، كان هناك توقع أن تحقق الموازنات الخليجية عجزًا، بسبب زيادة النفقات المدرجة فيها عن الإيرادات المتوقعة، قدرت هذه الإيرادات بنحو 473.6 مليار دولار مقابل 515.5 مليار دولار في 2022، بانخفاض بلغ 8.1%، بسبب انخفاض أسعار النفط، بينما كانت النفقات عند مستويات مقاربة للعام الماضي، وبلغت 487.1 مليار دولار، فكان هناك توقع أن تسجل هذه الموازنات «عجزًا»، بقيمة 13.5 مليار دولار في 2023، مقابل فائض محقق بلغ 27.9 مليار دولار في 2022.
وبتفصيل أكثر، كان من المتوقع أن تسجل ميزانية «الكويت»، العجز الأكبر خليجيًا بـ16.5 مليار دولار، فيما تسجل «سلطنة عُمان»، عجزًا بقيمة 3.5 مليارات دولار، وتحقق «قطر»، الفائض الأكبر، بقيمة 7.8 مليارات دولار، ثم «السعودية»، 4.3 مليارات دولار، و«الإمارات»، 0.1 مليار دولار، وقد شجع الفائض المحقق للسنة الماضية على تبني ميزانيات توسعية لعدد من القطاعات، كالرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية، والبناء والتشييد، وإعادة تنظيم القطاعات غير النفطية؛ لتعزيز مساهمتها الاقتصادية. فيما مثلت «السعودية»، النسبة الأكبر من الإيرادات المتوقعة (64.4%) لدول الخليج، تليها «الكويت»، ثم «قطر»، كما مثلت النسبة الأكبر من النفقات المتوقعة (61.7%).
وشهد النصف الأول من العام الحالي تقلبات لأسعار النفط، وتراوحت هذه الأسعار بين 70–90 دولارا للبرميل، وكان وراء هذه التقلبات: «ارتفاع معدلات التضخم، وضبابية توقعات نمو الطلب في الصين، والحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المرتبطة بها، وتخفيضات الإنتاج من قبل «أوبك بلس». ومع ذلك، فإن أسعار النفط ظلت فوق سعر التعادل الذي حددته معظم موازنات دول الخليج، فاتجهت التوقعات إلى أن العجز المحقق في نهاية العام، سيكون أقل بكثير من العجز المدرج في الميزانية. ومع ارتفاع أسعار النفط أخذت العديد من الحكومات الخليجية تعزز الدعم والمنح الحكومية.
وتوقعت «وزارة المالية الكويتية»، في مسودة الموازنة العامة للسنة المالية 2023/2024، تسجيل عجز للعام العاشر على التوالي، وأن يكون هذا العجز 5.05 مليارات دينار، نتيجة تحقق إيرادات 19.4 مليار دينار (على أساس سعر 70 دولارا للبرميل)، بانخفاض بنسبة 16.9% عن العام الماضي، وفي مقابل نفقات تبلغ 26.3 مليار دينار على خلفية زيادة الرواتب والدعم، التي ترتفع نسبتهما من إجمالي النفقات من 74.7% السنة الماضية، إلى 79.3 في ميزانية 2023/2024.
غير أن كل دولار ارتفاعا في سعر برميل النفط، فوق سعر التعادل في موازنة العام، يمثل نحو مليار دولار فائضا للكويت. فيما شهدت أسعار النفط ارتفاعًا مطردًا وتجاوزت 94 دولارا للبرميل. ووفقًا «لجولد مان ساكس»، من المتوقع أن يرتفع السعر إلى 107 دولارات للبرميل خلال العام القادم. وفي يوليو الماضي، أعلنت «المالية الكويتية»، أن ميزانية 2022/2023، وفقًا للحساب الختامي، قد حققت «فائضًا»، قدره 6.368 مليارات دينار (20.77 مليار دولار)، وهي المرة الأولى التي يتحقق فيها فائض منذ 9 سنوات، حيث بلغت الإيرادات الإجمالية 28.802 مليار دينار، بارتفاع بنسبة 54.7% عن العام الماضي، وبلغت النفقات الإجمالية 22.369 مليار دينار بانخفاض بنسبة 2.6% عن العام الماضي، وبلغ متوسط سعر برميل النفط الفعلي 97.1 دولارا، والمعدل اليومي للإنتاج 2.693 مليون برميل، فيما تمثل الإيرادات النفطية أكثر من 90% من إجمالي إيرادات الحكومة.
أما في «السعودية»، فقد سجلت الموازنة العامة لعام 2022، بحسب الحساب الختامي، الذي أعلنته «وزارة المالية»، في مارس 2023، «فائضًا»، بأكثر من 27.5 مليار دولار، بزيادة 31% عن تقديرات الموازنة، فيما حققت في هذا العام نموًا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ 8.7%، وكان هذا الفائض هو الأول منذ عقد، فيما توقعت «الوزارة»، فائضًا أقل في 2023، وبلغت إيرادات موازنة 2022، قرابة 1.27 تريليون ريال، منها 857.3 مليار ريال إيرادات نفطية بزيادة 52% عن العام السابق. وسجل إجمالي الإنفاق 1.16 تريليون ريال.
وعلى الرغم من الخفض الطوعي لإنتاج النفط من قبل «المملكة»، ورغم تراجع أسعاره في النصف الأول لعام 2023، وزيادة برامج الدعم الاجتماعي -ما تحقق معه عجز بملياري دولار- فإن ارتفاع أسعار النفط في النصف الثاني، يتجه إلى أن يغير من قيمة الإيرادات. وعليه، يأتي إعلان شركة «أرامكو»، دفع أكثر من 10 مليارات دولار للحكومة من الأرباح الإضافية، ومن المؤكد أن يحول ذلك العجز المتوقع بأكمله إلى فائض. ومن المعلوم، أن فائض أرباح الشركة يعد مصدرًا مهمًا لتمويل الموازنة العامة السعودية.
وفي الربع الأول لعام2023، حققت الموازنة العامة لـ«قطر»، 19.7 مليار ريال فائضا، حين بلغ متوسط سعر برميل النفط 82.2 دولار، بينما سعر التعادل في الموازنة 65 دولارا للبرميل. وكانت «وزارة المالية»، قد توقعت تحقيق فائض 29 مليار ريال لكل السنة 2023، وقد تحقق 68% من هذا التقدير في الربع الأول فقط. وفي الربع الثاني حققت «قطر»، فائضا بـ10 مليارات ريال (2.7 مليار دولار)؛ أي إن ما تحقق في نصف العام الأول يتخطى تقديرات الفائض على مدى العام. فيما استفادت كأحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم من ارتفاع أسعار الغاز والبترول، بعد توجه أوروبا بعيدًا عن روسيا. وتتوقع أوكسفورد «إيكونمكس» البريطانية، أن تحقق فائضا، يبلغ 9% من الناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي 2023.
وبنهاية النصف الأول لعام 2023، كانت الموازنة العامة لسلطنة عُمان، قد سجلت فائضا بلغ 656 مليون ريال (1.7 مليار دولار)، فيما بلغت الإيرادات العامة 6.3 مليارات ريال. وسجل صافي إيرادات النفط ارتفاعًا بنسبة 2%، وبلغ متوسط سعر برميل النفط المحقق 83 دولارا، ومتوسط الإنتاج اليومي 1.061 مليون برميل. فيما سجل الإنفاق العام 5.686 مليارات ريال، بانخفاض بنسبة 4% عن 2022، وكانت «سلطنة عُمان»، قد توقعت أن يصل عجز موازنة 2023، قرابة 1.3 مليار ريال عُماني (3.38 مليارات دولار)، على أساس تقدير سعر برميل النفط بـ55 دولارا؛ أي أقل من مستوى السعر الحالي البالغ 85 دولارا.
وفي أبريل2023، توقع «صندوق النقد الدولي»، أن تحقق الموازنة العامة للإمارات، «فائضًا»، بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، وأن تستمر الآفاق الإيجابية للمالية العامة حتى عام 2028، على صعيد الموازنة، والإيرادات، والإنفاق، وإدارة الدين العام، وأن يستمر تحقيق فائض خلال تلك السنوات، فيما توقع أن تشكل الإيرادات العامة نحو 33% من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل 28.6% للإنفاق الحكومي. ودعمت توقعات «البنك الدولي»، ما ذهب إليه «صندوق النقد الدولي»، ورفعت وكالة «مودي»، للتصنيفات الائتمانية هذه التقديرات، متوقعة أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي، «نموًا»، يتراوح بين 6% و7% لعام 2023، معززًا بنمو القطاع غير النفطي بنحو 5%، والنفطي بنحو 12%.
وكان «مجلس الوزراء الإماراتي»، قد اعتمد الميزانية الاتحادية (2023- 2026). وبالنسبة لـ2023 تبلغ الإيرادات 63.613 مليار درهم، والمصروفات 63.066 مليار درهم، فيما سجل الربع الأول من العام «فائضًا»، بقيمة 23.1 مليار درهم (6.3 مليارات دولار).
أما «مملكة البحرين»، فهي تمضي خلال عام 2023 في تنفيذ كل مبادرات تحقيق التوازن المالي، والوصول إلى نقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات، بحلول عام 2024. وخلال النصف الأول من 2022، تحقق بالفعل -ولأول مرة منذ 13 عاما- فائض في الموازنة العامة، وعلى مستوى العام ارتفع إجمالي الإيرادات النفطية بنسبة 58%، مقارنة بتقديرات الميزانية، وبنسبة 36% مقارنة بالنتائج الفعلية المحققة لعام 2021، وبلغ إجمالي الإيرادات العامة نحو 3490 مليون دينار بحريني بزيادة 42% عن تقديرات الميزانية، وبنسبة 33% عن المحقق فعليا في2021، فيما بلغ إجمالي المصروفات العامة 3668 مليون دينار في 2022، وانخفض العجز بنسبة 85%، فبلغ 178 مليون دينار، مقارنة بالعجز المقدر في الميزانية 1185 مليون دينار بحريني.
على العموم، فإن التغير في الموازنات العامة الخليجية، لجهة تحقيق فوائض، إنما يعوض سنوات العجز التي استمرت من 2014، وما اكتنفها من تأجيل لتنفيذ المشروعات التنموية الكبرى، أو إبطاء هذا التنفيذ، لتسرع الخطى منذ عام 2022، ما يمكنها أيضًا من إثراء احتياطيها وصناديقها السيادية. وفي نفس الوقت تعود فيه بعض هذه الفوائض للمواطن الخليجي نفسه، سواء من برامج النهوض بالتنمية البشرية بأبعادها المختلفة: «صحة، تعليم، وإكساب دخل»، أو البرامج التنموية لتنويع مصادر الدخل، أو البرامج البيئية، وتحقيق الأمن المناخي، بالوصول إلى صفر انبعاثات كربونية، أو زيادة قدرتها في استثماراتها الخارجية، والمشاركة في برامج التنمية الدولية، بما تشمله من مساعدات إنمائية، فيما يمكنها أيضًا من تنفيذ المشروعات، التي تعزز الروابط الاقتصادية والتجارية بينها، وفي مقدمتها مشروع السكة الحديدية الخليجية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك