أترأس هذا الأسبوع اجتماعًا وزاريًّا لمجموعة الدول المانحة في نيويورك بعد رحلتي إلى إسرائيل وفلسطين الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من أن الوضع يبدو مظلمًا الآن، إلا أنني أرى أن حل الدولتين لا يزال هو الطريق إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. الوقت ينفد، ولكننا لن نتخلى عن العمل من أجل الدولة الفلسطينية والحل السلمي العادل. إن التقارب بين دول الشرق الأوسط يوفر فرصا جديدة للحوار. تريد إسرائيل التطبيع مع عديد من الدول العربية، ولكن الأهم من ذلك كله هو أن ما سوف يحسّن علاقات إسرائيل مع جيرانها وبقية العالم هو الحل السياسي مع الفلسطينيين.
منذ ما يزيد قليلا على عشر سنوات، أي في عام 2011، أعلن البنك الدولي أن السلطة الفلسطينية قد اتخذت التدابير الضرورية لإقامة الدولة الفلسطينية. كان ذلك بعد مرور ما يقرب من عشرين عامًا على توقيع اتفاقية أوسلو. وكان الاتفاق، الذي تم التفاوض عليه وبمساعدة الدبلوماسيين النرويجيين، منعطفا تاريخيا مهما. بيد أنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق بشأن وضع القدس والمستوطنات الإسرائيلية والحدود النهائية والأمن واللاجئين الفلسطينيين. وعلى الرغم من وجود المؤسسات الفلسطينية اللازمة للدولة، إلا أن أعمال العنف قد قوضت قدرًا كبيرًا من الثقة بين الطرفين. من دون التوصل إلى حل سياسي تفاوضي لقضايا الوضع النهائي من عملية أوسلو، ومع استمرار الاحتلال، فإن المؤسسات وحدها لم تكن كافية لإقامة دولة فلسطينية.
اليوم، بعد مرور ثلاثين عاما على توقيع اتفاق أوسلو الأول، أصبحنا أبعد عن حل الدولتين مما كنا عليه في عام 2011. ولم تكن هناك مفاوضات سلام منذ حوالي عشر سنوات تقريبا. وتلتهم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المزيد من الأراضي الفلسطينية. لقد ارتفع مستوى العنف في العام الماضي. فمنذ مطلع العام الجديد، قُتل 40 طفلاً فلسطينيًا وستة أطفال إسرائيليين نتيجة للنزاع. إن الوضع في غزة غير قابل للاستمرار. وتنشأ الأجيال الجديدة دون أمل في المستقبل. لقد فقد الكثيرون الثقة في حل الدولتين.
هناك أمر واحد لا شك فيه: وهو أن الدولة الفلسطينية القابلة للحياة لابد أن تتكون من أراض متواصلة وأن تكون لها حدود واضحة المعالم. كما ينبغي تلبية الاحتياجات الأمنية المشروعة لكلا الشعبين. إن المستوطنات الإسرائيلية تعني أن تطور الأوضاع يسير في اتجاه ما يمكن تسميته «واقع الدولة الواحدة»، ولكن دون حقوق متساوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
في هذه الحالة، فهو أولاً من المهم بالنسبة إلى الحكومة النرويجية أن تعلن بوضوح أنه من غير المقبول أن إسرائيل لا توافق على إقامة دولة فلسطينية ولا على منح الفلسطينيين حقوقًا متساوية في دولة واحدة. وطالما أن الفلسطينيين يريدون دولتهم الخاصة، فسوف أواصل العمل من أجل حل الدولتين. وأعتقد أيضًا أن البديل الوحيد المقبول للدولتين هو دولة واحدة تتمتع بحقوق متساوية تمامًا للجميع.
ثانيا، عززت النرويج رسالة احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان. وعلينا أن نقف ضد انتهاكات القانون الدولي في الشرق الأوسط، بغض النظر عمن يرتكبها. وتعكف محكمة العدل الدولية في لاهاي على إصدار فتوى بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وتشارك النرويج في هذه العملية. ثالثا، كثفت الحكومة النرويجية انتقاداتها لسياسة الاستيطان الإسرائيلية. وتعتبر المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي المحتلة أهم عائق أمام حل الدولتين ومخالفة للقانون الدولي. ولذلك قررت الحكومة النرويجية وجوب وضع العلامات على المواد الغذائية المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية.
رابعاً: لا نعتقد أنه من الصواب التخلي عن دعم مشروع بناء الدولة الفلسطينية، حتى لو كان تطوره محدوداً بسبب استمرار الاحتلال وتراجع الشرعية والانقسام الفلسطيني الداخلي. هناك اتفاق واسع النطاق على المستوى الدولي، ولكن أيضاً بين الفصائل الفلسطينية والعديد من الإسرائيليين، حول الحاجة إلى تعزيز مؤسسات الحكم الذاتي الفلسطينية. إن الدعم المستمر لنظام تعليمي منفصل ورعاية صحية وللثقافة والهوية أمر مهم للحفاظ على كرامة الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره. وتواصل النرويج أيضًا قيادة مجموعة البلدان المانحة لفلسطين (AHLC)، حيث يقوم الطرفان والمجتمع الدولي بتنسيق العمل لبناء اقتصاد فلسطيني مستدام ومؤسسات حكومية. لكن المساعدات وما يطلق عليه البعض «السلام الاقتصادي» ليست كافية. هناك حاجة إلى حل سياسي. خامساً، يتعين علينا أن نوجه رسالة واضحة إلى كلا الطرفين مفادها أنهما لابد وأن يعملا على خلق أفق سياسي يتمتع بالمصداقية. ورغم أن الأطراف متباعدة اليوم، فإن رسالتنا واضحة: يجب استئناف مفاوضات السلام. ومن المهم أيضًا أن يجتمع الفلسطينيون معًا. إن الانقسام بين غزة والضفة الغربية، وبين حماس وفتح، يعيق الطموحات السياسية للفلسطينيين. فالفلسطينيون يطالبون بقيادة شرعية وشاملة، وقد فات موعد إجراء الانتخابات الفلسطينية. ولكن في الوقت نفسه يتعين علينا أن نتجنب تكرار ما حدث في عام 2006، عندما باتت الحكومة الفلسطينية معزولة دولياً بسبب اعتراضات المجتمع الدولي على نتائج الانتخابات. وتعتقد النرويج أن الاتصال مهم أيضا مع من لا نتفق معهم. لا توجد بدائل جيدة لاستمرار خط الحوار مع مختلف الفصائل الفلسطينية.
والأمر الأكثر أهمية الآن هو أن يتخذ الإسرائيليون خيارات سياسية واضحة في اتجاه حل الدولتين. وسوف يتطلب الأمر تحولاً كاملاً من الآن فصاعدا، حيث أدى استخدام اللغة والأفعال من قبل الحكومة الإسرائيلية إلى زيادة مستوى التوتر مع الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، لاحظت تصريحات من الجانب الإسرائيلي خلال زيارتي هذا الأسبوع بشأن الرغبة في إجراء مزيد من المحادثات مع الفلسطينيين. يتعين على كلا الطرفين أيضًا وقف العنف الذي تمارسه الجهات المتطرفة من كل جانب.
بعد مرور 30 عاماً على اتفاق أوسلو، فإن الوقت ينفد أمام حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وفي مفترق الطرق هذا، سأسلط الضوء على الحاجة إلى بذل جهود متجددة ومشتركة من أجل التوصل إلى حل سلمي عادل. مثل زملائي في الشرق الأوسط، وكذلك في أوروبا والولايات المتحدة والصين وبلدان أخرى في أنحاء كثيرة من العالم، أعتقد أن دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بحدود يتم التفاوض عليها على أساس خط عام 1967، لا تزال هي الحل الأمثل والطريق الأفضل والأكثر استدامة للسلام. سوف يخدم هذا كلا الشعبين. إن حل الدولتين سيوفر فرصا غير متوقعة وإيجابية لزيادة التعاون والأمن والاستقرار والتكامل في الشرق الأوسط.
وفي حين تدهور الوضع بالنسبة إلى الفلسطينيين، تحسنت العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية. ومن الأهمية بمكان ألا يتم نسيان الفلسطينيين في عملية التطبيع الإقليمية هذه. وهنا ربما يكمن الأمل. لقد رأينا بالفعل ما الفرص التي خلقها التقارب بين دول في الشرق الأوسط لإسرائيل. ومع ذلك، فإن ما سوف يسهم أكثر من أي شيء آخر في تحسين علاقات إسرائيل مع جيرانها وبقية العالم، هو التوصل إلى حل سلمي عادل مع الفلسطينيين.
{ وزيرة خارجية النرويج
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك