العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

محنة ليبيا وغياب الدولة

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لما‭ ‬مات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الناس‭.‬

ليست‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ترضى‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬شعبها‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬مات‭ ‬فيها‭ ‬الليبيون‭ ‬وهم‭ ‬يواجهون‭ ‬كارثة‭ ‬طبيعية،‭ ‬سبق‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬تعاملت‭ ‬معها‭ ‬بكفاءة‭ ‬وأنقذت‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬المصير‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬إليه‭ ‬الليبيون‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬بثراء‭ ‬ليبيا‭ ‬ولكنها‭ ‬حفظت‭ ‬أرواح‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬موت،‭ ‬فشلت‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬افتراس‭ ‬شعبها‭.‬

حكمة‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يستوعب‭ ‬ضرورتها‭ ‬حماة‭ ‬اللادولة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭. ‬لقد‭ ‬أنفق‭ ‬العقيد‭ ‬القذافي‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬نصب‭ ‬نفسه‭ ‬وارثا‭ ‬وحيدا‭ ‬لأملاكها‭.‬

كانت‭ ‬الجماهيرية‭ ‬العظمى‭ ‬هي‭ ‬حله‭ ‬الذي‭ ‬اقتلع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬جذور‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬خيمة‭ ‬الكتاب‭ ‬الأخضر‭ ‬تائهين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يستعيدوا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬أمام‭ ‬المرآة‭ ‬الوطنية‭ ‬ليكونوا‭ ‬بناة‭ ‬شرفاء‭ ‬لدولة‭ ‬تخدم‭ ‬شعبها‭ ‬وتصرف‭ ‬شؤونه‭ ‬وتحميه‭ ‬من‭ ‬شروره‭.‬

ضيع‭ ‬القذافي‭ ‬الدولة‭ ‬وشعبها‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬وعيه‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬صدمة‭ ‬الجماهيرية‭.‬

الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬القذافي‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬رثاثة‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أيام‭ ‬الأخ‭ ‬العقيد‭. ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬انكسرت‭ ‬بوصلته‭ ‬عبر‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬لم‭ ‬يصح‭ ‬من‭ ‬الكابوس،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ذلك‭ ‬الكابوس‭ ‬هو‭ ‬المصدر‭ ‬الوحيد‭ ‬لإلهامه‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬حياة‭ ‬هي‭ ‬أشبه‭ ‬بالموت‭. ‬كل‭ ‬ثروات‭ ‬ليبيا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنقذها‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الموت‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ينتقل‭ ‬شعبها‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬والمجانية‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬الواعي‭ ‬الجاد‭. ‬وليس‭ ‬إعصار‭ ‬دانيال‭ ‬سوى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الانهيار‭.‬

ليس‭ ‬موت‭ ‬الليبيين‭ ‬بيسر‭ ‬وبطريقة‭ ‬مبتذلة‭ ‬ورخيصة‭ ‬مفاجئا‭. ‬إنه‭ ‬الحدث‭ ‬الأكثر‭ ‬توقعا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الغياب‭ ‬الكلي‭ ‬لقيم‭ ‬الدولة‭. ‬فجماهيرية‭ ‬القذافي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة‭ ‬وإن‭ ‬اتخذت‭ ‬صورا‭ ‬مختلفة،‭ ‬حسب‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تديرها‭ ‬وارتباطاتها‭ ‬وأهدافها‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭.‬

وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬ثابت‭ ‬يمكن‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭ ‬والاحتكام‭ ‬له،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نقضها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كشفت‭ ‬عنه‭ ‬تداعيات‭ ‬لقاء‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الليبية‭ ‬بمثيلها‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭. ‬يعرف‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لذلك‭ ‬اللقاء‭ ‬وليس‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬ليبيا‭ ‬ممكنا‭ ‬لأنها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬دولة‭. ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬ينوون‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬بلاد‭ ‬يدمرها‭ ‬أبناؤها‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬سوءا‭ ‬مما‭ ‬يفعله‭ ‬أعداؤها‭.‬

عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬كان‭ ‬الليبيون‭ ‬ينكلون‭ ‬بأنفسهم‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬لعنة‭ ‬القذافي‭ ‬قد‭ ‬حلت‭ ‬بهم،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬ملك‭ ‬ملوك‭ ‬إفريقيا‭ ‬كان‭ ‬فرصة‭ ‬لإظهار‭ ‬شرورهم‭ ‬كلها‭ ‬ووضع‭ ‬بلادهم‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الهلاك‭ ‬الأبدي‭. ‬ما‭ ‬بدأه‭ ‬القذافي‭ ‬يكمله‭ ‬تلاميذ‭ ‬مدرسته‭ ‬الصغار‭.‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬القذافي‭ ‬بطريقة‭ ‬مهينة‭ ‬فليس‭ ‬صحيحا‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬كان‭ ‬راغبا‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬عصره‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬ينقض‭ ‬ذلك‭ ‬بحقيقة‭ ‬أن‭ ‬القذافي‭ ‬بسبب‭ ‬انفصاله‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬وإصابته‭ ‬بجنون‭ ‬العظمة‭ ‬كان‭ ‬ضحية‭ ‬مؤامرة‭ ‬جرته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬نيران‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭.‬

لقد‭ ‬رغبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬وطي‭ ‬صفحته‭ ‬الشخصية‭ ‬المزعجة‭. ‬لقد‭ ‬انتهى‭ ‬دوره‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬السياسي‭ ‬العالمي‭.‬

أما‭ ‬ليبيا‭ ‬فقد‭ ‬تُركت‭ ‬لشعبها‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬الخبراء‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬من‭ ‬يبددون‭ ‬ثرواتها‭ ‬ويمزقون‭ ‬شعبها‭ ‬ويحطمون‭ ‬كل‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬حقيقية‭ ‬فيها‭. ‬سيستمر‭ ‬القذافي‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬من‭ ‬القبر‭ ‬الذي‭ ‬ذهبت‭ ‬أشلاؤه‭ ‬إليه‭. ‬فأشلاء‭ ‬الجماهيرية‭ ‬صارت‭ ‬بديلا‭ ‬عنها‭ ‬وستفشل‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬المساعدة‭ ‬الخارجية‭ ‬سواء‭ ‬أتت‭ ‬بنية‭ ‬حسنة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬مبعوثي‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أم‭ ‬بنوايا‭ ‬سيئة‭.‬

لم‭ ‬تثر‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الإعصار‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬عالمي‭. ‬خبر‭ ‬صغير‭ ‬لم‭ ‬يرق‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬العناوين‭ ‬الرئيسة‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الليبيين‭ ‬كان‭ ‬حدثا‭ ‬جديدا‭.‬

فالليبيون‭ ‬يموتون‭ ‬يوميا‭. ‬يقتل‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬هدف‭ ‬لعمليات‭ ‬القتل‭. ‬عبثية‭ ‬موقف‭ ‬الليبيين‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬جعلت‭ ‬العالم‭ ‬يدير‭ ‬ظهره‭ ‬لهم‭. ‬هل‭ ‬علينا‭ ‬إن‭ ‬رغبنا‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬تعاطفنا‭ ‬مع‭ ‬الموتى‭ ‬الأبرياء‭ ‬وهم‭ ‬ضحايا‭ ‬اللادولة‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬‮«‬تحيا‭ ‬الجماهيرية»؟‭!‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا