في الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقيات أوسلو سنة 1993، هناك الكثير من التعليقات حول كيفية وسبب فشل الاتفاقيات. سيكون هناك توجيه أصابع الاتهام كما هو متوقع. قد يبدو بعضها صحيحًا، لكن معظمها سيخطئ الهدف.
لا شك أن الإسرائيليين سينحون باللائمة على الفلسطينيين ويحملوهم مسؤولية الفشل، كما يقول المثل الكاذب الذي لا يزال يستخدم في كثير من الأحيان: «لا تفوت أي فرصة لتفويت الفرصة». وسوف يلوم الفلسطينيون الإسرائيليين لأنهم لم ينووا أبدًا احترام أو الوفاء بما توقعوا أن يكون وعدًا في الاتفاقات.
وستكون هناك أيضًا اتهامات متبادلة بـ«لقد قلت لك ذلك» من «اليسار» الفلسطيني و«اليمين» الإسلامي. لم يدعموا أبدًا الاتفاقات، ومثلهم مثل اليمين الإسرائيلي المتطرف، فعلوا كل ما في وسعهم لتخريب عملية السلام. لذا سيعتبر كلاهما أن الفشل هو ضرب من التبرير المنحرف.
اسمحوا لي أن أكون واضحا منذ البداية. لا أشعر بالحرج على الإطلاق عندما أقول إنني أيدت مسار أوسلو، على الرغم من أنني كنت شاهداً على تفككه بعد ذلك. خلال السنوات الخمس الأولى من الاتفاقيات، رأيت وكتبت للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وكتبت عشرات المقالات - روايات شهود عيان، تناولت بالتفصيل تأثير السياسات الإسرائيلية التي كانت تقوض فرص السلام، ولكن دون جدوى. ولكن حتى مع ذلك، فأنا لست آسفاً على دعمي لأوسلو، ولا أشعر بالخجل من المدى الذي ذهبت إليه للدفاع عن هذا المسار ضد أعدائه الأوائل.
قبل ثلاثين عاماً، انتشرت أنباء حول التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وأحدثت في واشنطن ما يسبه الزلزال الذي حطم المحظورات وقلبت ما كان يُعتبر ثوابت سياسية. لقد كنت ضمن مجموعة من مئات العرب الأمريكيين واليهود الأمريكيين الذين كانوا هناك في حديقة البيت الأبيض لحضور حفل التوقيع.
وبعد التوقيع، عندما دفع كلينتون رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وضغط عليه لقبول يد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الممدودة، أمكن سماع شهقات مسموعة من الحضور - أعقبها تصفيق ومصافحات وعناق بين الحضور أيضا.
لقد حدث شيء كبير للتو، وكان مثيرًا. ولكن لأننا كنا ندخل في مياه مجهولة، فقد اختلط الأمل بعدم اليقين.
وبالنسبة إلى أولئك الذين لم يبلغوا سن الرشد في السنوات التي سبقت 13 سبتمبر 1993، ربما لم تكن المصافحة تبدو ذات أهمية كبيرة. لكن بالنسبة إلى الجيل الذي نشأ في خضم التعصب المناهض للفلسطينيين وإقصاء العرب الأمريكيين، فقد كان الأمر مذهلا.
في عام 1975، وكجزء من اتفاقية فض الاشتباك في سيناء، حصلت إسرائيل على تعهد سري من الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لن تتحدث أبدًا مع منظمة التحرير الفلسطينية. وتعليقًا على ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحاق شامير، إن نفوره من منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن مبنيًا على ما فعلته، بل على ما دافعت عنه، أي الحقوق الوطنية الفلسطينية.
لمزيد من التفاصيل، في عام 1985، أعلن اسحاق رابين، وزير الدفاع آنذاك، في واشنطن، أن التحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية غير مقبول لأن «من يوافق على التحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية يعني أنه يقبل من حيث المبدأ بإنشاء دولة فلسطينية بين إسرائيل والأردن» – وهو أمر لا يمكن لإسرائيل أن تقبل به.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، بذلت الجماعات المؤيدة لإسرائيل قصارى جهدها لتوسيع نطاق هذا الرفض لكل ما هو فلسطيني. نفذت وزارة الخارجية بقوة سياسة «عدم التحدث». (تم طرد سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، أندرو يونغ، لأنه تحدث مع رئيس بعثة منظمة التحرير الفلسطينية لدى الأمم المتحدة).
تم إقرار تشريع يعلن منظمة التحرير الفلسطينية جماعة إرهابية. عندما حاولت تعديل برنامج الحزب الديمقراطي عام 1988 ليشمل لغة متواضعة للغاية تؤكد حقوق الشعب الفلسطيني، قيل لي: «إذا ظهرت هذه الكلمة في البرنامج، فسوف تنفتح أبواب الجحيم».
ولم تكتف الجماعات المؤيدة لإسرائيل بتشويه صورة القضية الفلسطينية ومنظماتها، بل فرضت محرمات شبه دينية على القادة الفلسطينيين. ولم يكن فرض قيود تمنع السياسيين الأمريكيين من الاجتماع مع عرفات أو غيره من كبار قادة منظمة التحرير الفلسطينية كافيا، بل كان يُنظر إلى الاتصال الجسدي على أنه يجعل السياسي غير نظيف. وتم شن حملات ضد أعضاء الكونجرس الذين التقوا بالسيد عرفات ونددت بهم بسبب «مصافحة عرفات».
وها نحن هنا، في ذلك اليوم من شهر سبتمبر، نشاهد إسرائيل التي لا تتحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية وتوقع اتفاقًا معها فحسب، بل تصافح الآن الشخص الذي أمضوا عقودًا في تشويه سمعته. كما أمضت إسرائيل ومؤيدوها في الولايات المتحدة تلك السنوات العديدة على الأقل في معاقبة وتشويه سمعة السياسيين الغربيين الذين التقوا بالزعيم الفلسطيني نفسه وصافحوه.
والأهم من أي شيء آخر، أن هذه المصافحة، التي قد تبدو للبعض خارج السياق كانت عملاً غير مهم، كانت بمثابة تحطيم للمحرمات التي عملت الجماعات المؤيدة لإسرائيل عقودًا من أجل تأسيسها والتي استخدمتها لتقويض أو تدمير الحياة السياسية لأولئك الذين خاطروا بتحديهم.
كما فتحت اتفاقيات أوسلو أبواب البيت الأبيض أمام الأمريكيين العرب، ما أدى إلى تطبيع علاقتهم مع الحكومة لأول مرة. أطلق نائب الرئيس الأمريكي السابق آل غور مشروعاً لجلب الفوائد الاقتصادية للسلام إلى الفلسطينيين.
تمت توجيه الدعوة–على قدم المساواة– إلى 75 أمريكيًا يهوديًا و75 أمريكيًا عربيًا (معظمهم أمريكيون من أصل فلسطيني) من قادة الأعمال للانضمام إلى مجلس الإدارة. وكانت هناك اجتماعات متكررة مع الرئيس ونائب الرئيس ووزيري الخارجية والتجارة. وقد حظي المجتمع العربي بالاحترام الذي يستحقه، والذي حرم منه فترة طويلة. وبينما استمر أعداؤنا في معارضة المجتمع العربي الأمريكي وبذلوا جهودًا لإقصائهم، فإن الأبواب، بمجرد فتحها، لا يمكن إغلاقها بسهولة.
وبعد مرور ثلاثين عاماً، قد تبدو هذه الإنجازات باهتة في مواجهة فداحة المعاناة التي لا يزال الفلسطينيون يعيشونها. ولكن إذا نظرنا إليها في السياق السياسي الأمريكي، فإنها كانت مهمة ولا ينبغي الاستهانة بذلك.
وفي النهاية، فقد فشلت اتفاقيات أوسلو. وبينما يمكن أن تشير أصابع اللوم في اتجاهات عديدة، في نهاية المطاف، كما سأناقش في العمود التالي، كيف كان رفض الولايات المتحدة تحمل مسؤوليتها كضامن للعملية هو السبب الرئيسي للكارثة التي أصبحت عليها الساحة الفلسطينية والإسرائيلية.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك