من المحزن حقا متابعة أخبار الحرب الروسية الأوكرانية في جانبها العسكري والإنساني وذلك بغض النظر عن الجانب السياسي والأسباب والمبررات سواء للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا أو للهجمات الأوكرانية على المدن والقرى الروسية أو العمليات الأوكرانية المضادة فإن الجانب المحزن والمؤلم هو هذه الخسائر المادية والبشرية الهائلة التي يتكبدها الشعب الروسي والشعب الأوكراني فالخسائر المادية لا تحصى ولا تعد على الطرفين وإن كانت أكثر بكثير على الجانب الروسي لأن أوكرانيا تتلقى مساعدات مادية كبيرة من دول الناتو التي تقف مع أوكرانيا وتدعمها ماديا وعسكريا واقتصاديا ولكن الخسائر الفادحة والمؤلمة أكثر هي الخسائر البشرية التي تقضي يوميا على المئات وربما الآلاف من الجنود وأغلبهم من الشباب الذي يفترض أن يكون مكانه الطبيعي على مقاعد الدراسة أو في التنمية الاقتصادية بكل اشكالها فكل يوم يمر تؤدي المعارك الهجومية والمضادة إلى سقوط أعداد كبيرة من هؤلاء الضحايا من الطرفين وإن كان الطرف الأكثر تضررا هو الطرف الأوكراني حيث بلغ عدد القتلى حسب تصريح وزير الدفاع الروسي أكثر من 66 ألف قتيل.
الجانب المادي ينتهي أيضا بتدمير البنى التحتية التي تم إنشاؤها وإقامتها عبر عشرات السنين لتوفير أسس الحياة في المدن والقرى فتذهب اليوم أدراج الرياح مما يؤدي إلى خسارة أغلب مقومات الحياة خاصة في المنشآت ذات الاستخدام العسكري أو الاستخدام المزدوج مثل المخازن والمطارات والتي تم إنشاء أغلبها أيام الاتحاد السوفيتي.
الجانب الثاني والموجع والمؤلم هو الجانب الإنساني والاجتماعي فكما هو معلوم فإن الشعب الروسي والشعب الأوكراني شعبان شقيقان ومستوى التواصل بينهما كبير جدا بالأخوة والمصاهرة والمساكنة حيث إن من خلال معرفتي الشخصية بطبيعة هذه العلاقة بين الشعبين خلال دراستي في موسكو فإن من الصعب في كثير من الأحيان التفريق بين من هو روسي ومن هو أوكراني فمستوى الأخوة الترابط والتعايش بين الشعبين كبير وخاصة إبان الاتحاد السوفيتي الذي وفر لأوكرانيا كل مقومات التقدم الصناعي والزراعي وحتى العسكري ما أعطى لأوكرانيا قوة وجعل منها دولة كبيرة وقوية بل إن مستوى الأخوة تجسد في منح خرتشوف جزيرة القرم لأوكرانيا في عام 1954 وجعلها تحت الإدارة الأوكرانية مع أنها أراض روسية منذ القدم ولم يكن هنالك أي إشكال في ذلك حيث إن روسيا وأوكرانيا جزء من الاتحاد السوفيتي، ومن مظاهر هذه العلاقة المتميزة أن الغالبية العظمى من الأوكرانيين يتحدثون اللغة الروسية كلغة أم وذلك تأكيدا للهوية المشتركة ومستوى العلاقة الثقافية بين الشعبين والذي يعرف مباشرة حقيقة هذه العلاقة يكتشف بكل سهولة أن الشعبين في نهاية المطاف شعب واحد مع فوارق جغرافية أكثر منها فوارق في الهوية الثقافية، وهذا ما أكد عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعه الأخير في مدينة سوجي بعدد من المسؤولين الروس عندما قال إن روسيا ليست ضد الشعب الأوكراني وإنما ضد النازية الجديدة في أوكرانيا.
ومن المحزن حقيقة أن الغرب ومنذ سقوط الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي قد عمل بكل إصرار وقوة على جر أوكرانيا إلى قاطرته ومحاولة فصلها عن ارتباطها التاريخي والاجتماعي والإنساني والثقافي عن أمها الحنونة روسيا الاتحادية وقد صادف في ذلك الوقت تراجع وضعف روسيا الاتحادية في السنوات الأولى من انهيار الاتحاد السوفيتي مما مكن الغرب من اختراق هذه الرابطة القوية بين البلدين والشعبين والأخطر من ذلك أن الغرب كي ينجح في تحقيق هدفه في محاصرة روسيا وعزلها وتهديد أمنها ووجودها كان عليه أن يصنع العداوة بين البلدين والشعبين وكي يصنع هذه العداوة ويحولها إلى بركان متفجر كان عليه أن يصنع ويعزز النازية الجديدة في أوكرانيا لأنها السبيل الوحيد لتغذية الكراهية لروسيا وللروس وللثقافة الروسية وللغة الروسية وهذا ما حدث بشكل واضح منذ بداية الألفية الجديدة فظهرت تلك القوى والشعارات التي شهدها العالم كله وتحولت في عام 2004 إلى ما يسمى بالثورة البرتقالية التي صنعها الغرب وخاصة الأمريكان الذين استطاعوا خلق قوة جديدة قادرة على تسلم زمام الحكم وتكون معادية تماما لروسيا جملة وتفصيلا وقد كانت ثمرة ذلك العمل الخطير في بداية عام 2014 إعلان الحرب العسكرية والأمنية في منطقة الدونباس في شرق أوكرانيا والتي يسكنها أغلبية ساحقة من الروس وانطلقت من تلك اللحظة حرب جديدة قادها النظام المتطرف ضد روس الدونباس وما بعدها حربا شعواء ضد الإنسان في هذه المنطقة وتبينت الأهداف الشريرة لهذه الحرب ومن يقف وراءها حيث اتضح أن الهدف القضاء على الروس وتطهير الدونباس من سكانها الأصليين ومحاصرة روسيا فكانت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ضرورية لوقف هذا التطهير العرقي وحماية كيان روسيا الاتحادية والشعب الروسي والبقية يعرفها العالم اليوم في شكل هذه المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعبان الشقيقان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك