تابعت كغيري من أبناء وطننا العربي والعالم بأسره كارثة الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز جنوب غرب المغرب الشقيق في التاسع من سبتمبر 2023، والذي خلف عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، ومرة أخرى أجد نفسي مدفوعاً للكتابة عن الكوارث الطبيعية، فبغض النظر عن التفسيرات التي تثار سواء بسبب التغير المناخي أو غيره لم تعد أي دولة في العالم ببعيدة عن الكوارث الطبيعية سواء أكانت زلازل أو فيضانات أو سيولا أو حرائق غابات، والأحداث معروفة للجميع كما تناقلتها وسائل الإعلام لحظة بلحظة من حيث الجهود الكبيرة للأجهزة الرسمية في المملكة المغربية وتسارع الجهود العربية والدولية لمؤازرة المغرب الشقيق في تلك المحنة، فضلاً عن العمل التطوعي من خلال الجهود الشعبية الهائلة سواء للتبرع بالدم أو مساعدة المتضررين جنباً إلى جنب مع الجهود الحكومية الأمر الذي أسهم في الحد من آثار تلك الكارثة إلا أنني توقفت أمام أمر مهم وهو تدخل القوات المسلحة ومنذ اللحظات الأولى لمواجهة آثار تلك الكارثة والتعامل معها بشكل احترافي وهو جل هذا المقال.
وبداية كما أشرت من قبل أن الفارق الجوهري بين الأزمة والكارثة هو أن الأخيرة ليس لها مقدمات أو بالأحرى مؤشرات إنذار بما يفرض على السلطات المعنية اتخاذ القرارات اللازمة في وقت زمني محدود للغاية وإلا سوف تتفاقم آثارها، وبنظرة سريعة على العالم خلال العام الحالي نجد أن هناك كوارث عديدة شهدتها مناطق مختلفة من العالم منها على سبيل المثال لا الحصر الزلزال الذي ضرب مناطق في كل من تركيا وسوريا في فبراير من العام الحالي وراح ضحيته أكثر من 50 ألف قتيل وضعف هذا العدد من الجرحي، فضلاً عن الإعصار الذي ضرب نيوزيلندا في فبراير من العام ذاته وأدى إلى فيضانات وانهيارات أرضية ومقتل عدد من الأشخاص ونزوح حوالي 9 آلاف شخص، بالإضافة إلى حرائق الغابات التي شهدتها دول في مناطق مختلفة من العالم ومنها حرائق الغابات التي شهدتها اليونان مطلع أغسطس 2023 وأودت بحياة 20 شخصاً والتهمت مساحة من الأرض تقدر بحوالي 810 كم وأدت إلى كارثة بيئية هائلة، وتلك أمثلة على سبيل المثال لا الحصر تؤكد حقيقة مفادها أنه يجب على الدول كافة وفي بؤرتها القوات المسلحة أن تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة آثار مثل تلك الكوارث، فلماذا الجيوش؟ في تقديري أن هناك أسبابا ثلاثة تجعل من دور الجيوش محورياً على الدوام خلال مواجهة الكوارث أولها: الإمكانات والقدرات التي تتطلبها مثل تلك الكوارث والتي تتكامل بالطبع مع أدوار الأجهزة الأمنية الأخرى، إلا أن فداحة الكارثة قد تتطلب بالفعل تدخل الجيوش وعلى نحو عاجل ومن ذلك مواجهة الجيش المصري لكوارث السيول خلال السنوات الماضية باحترافية، وثانيها: الدور المحوري الذي اضطلعت به الجيوش خلال مواجهة جائحة كورونا وخاصة أدوار الطواقم الطبية لتلك الجيوش ومراقبة الحدود لمنع انتقال العدوى وتأمين وصول المعدات الطبية للمواطنين وغيرها من الإجراءات التي حتمت على بعض الدول استدعاء جنود الاحتياط للتعامل مع تلك الكارثة، وثالثها: سبب بديهي وهو قناعة الشعوب دائماً بأن القوات المسلحة هي صمام الأمان للأمن القومي للدول ولاشك أن مشاركة أفراد تلك القوات مع الأجهزة الأمنية الأخرى في مثل تلك الكوارث من شأنه أن يبث الطمأنينة في نفوس المواطنين.
ومع أهمية الدور المحوري للجيوش في مواجهة الكوارث إلا أن زيادة وتيرة تلك الكوارث بشكل غير مسبوق في بعض الدول قد آثار تحفظات بشأن ذلك الدور ومن ذلك تحذير قائد الجيش الكندي في يناير عام 2020 من أن زيادة مشاركة الجنود في مواجهة الكوارث الطبيعية من شأنه التأثير على القدرات القتالية للجنود، ذلك التحذير الذي جاء على خلفية مشاركة الجنود الكنديين في مواجهة عشر كوارث ذات صلة بالتغير المناخي خلال عامي 2018 و2019 فقط مقارنة باستدعائهم عشرين مرة لمواجهة الكوارث ذاتها ولكن خلال فترة أطول وهي من2007 وحتى 2016 بما يعنيه ذلك من أنه يتعين على الجيش الكندي البقاء على أهبة الاستعداد على الدوام للتعامل مع الكوارث وبالطبع سوف يؤثر ذلك في الجاهزية القتالية للجيش، ومن ثم كيف يمكن التوفيق بين الحفاظ على قدرات القوات المسلحة وفي الوقت ذاته إبقاؤها على أهبة الاستعداد لمواجهة الكوارث؟ ربما تكون تلك المعضلة أكثر حدة في الدول التي تواجه آثار التغير المناخي بشكل أكثر من غيرها، ولكن بوجه عام في تجارب بعض الدول دروس مستفادة وفي تقديري أن إيلاء التمرينات ذات الصلة بمواجهة الكوارث يعد ضرورة استراتيجية لجيوش العالم كافة ابتداءً بتأثير التغير المناخي ذاته على خطط الجيوش ولعل المثال الأبرز هنا هو إجراء البحرية الأمريكية تمريناً في يونيو 2022 مضمونه محاكاة إعصار بالقرب من جزيرة تقع غرب المحيط الهادي والذي أسهم في تعزيز خطط تلك القوات للتعامل مع تداعيات سيناريو على هذا النحو، ويثير ذلك الحديث عن تمارين المحاكاة عموماً والتي أشرت إليها غير ذي مرة في مقالات ذي صلة بإدارة الأزمات، تلك التمارين التي تستهدف ثلاثة أمور وهي تحديد قائمة المخاطر بشكل واقعي ينطلق من موقع الدولة وطبيعة الكوارث التي يمكن أن تواجهها فقد تكون أعاصير أو فيضانات أو زلازل أو غيرها، ثم تحديد القدرات المتاحة للقوات المسلحة وخاصة النوعية التي تتطلبها مثل تلك الكوارث، سواء المتاحة بالفعل أو التي يمكن توظيفها إذا ما اقتضت الحاجة، ثم أخيراً تحديد الفجوات التي يجب العمل عليها وهي التي يجمعها عنوان كبير وهو «الإجراءات الاحترازية»، تلك التمارين ليست افتراضات نظرية محضة ولكنها أضحت مثار اهتمام كل الكليات العسكرية ومؤسسات التخطيط الاستراتيجي المرموقة في العالم.
إن التغير الذي شهده مفهوم الأمن وخاصة تهديدات الكوارث الطبيعية بمختلف أنواعها تملي على الجيوش أن تبقى على أهبة الاستعداد بالنظر لفداحة خسائر هذه الكوارث وربما يتطلب الأمر إيلاء المزيد من الاهتمام بتوظيف التكنولوجيا في خطط المواجهة المسلحة لمواجهتها من ناحية ووضع قائمة متوقعة من تلك الكوارث بما يتناسب وطبيعة كل دولة من ناحية ثانية والتعرف على تجارب الدول الأخرى في التعامل مع كوارث نوعية من ناحية ثالثة.
وعود على ذي بدء مع صعوبة بل استحالة منع وقوع الكوارث الطبيعية وفقاً لما تخبرنا به تحولات الطبيعة سواء مع ثبات وتيرة تلك المخاطر أم زيادتها فإن التخطيط المسبق والدروس المستفادة متطلبان أساسيان للحد من آثار تلك الكوارث التي لم تعد أي منطقة في العالم بمأمن منها.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك