في أعقاب اكتشاف «الولايات المتحدة»، مخزونات ضخمة من الغاز الصخري في ثمانينيات القرن الماضي؛ حظي هذا الأمر باهتمام كبير من شركات الطاقة، لجهة تطوير تقنيات استخراجه، والعمل على خفض تكاليف هذه التقنية، ساعد على ذلك ارتفاع أسعار مصادر الطاقة الأخرى.
والغاز الصخري، هو غاز طبيعي محصور في طبقات صخور تشبه في تركيبها الصفائح التكتونية الصخرية، وتستخدم لاستخراجه تقنية معقدة، مقارنة بتقنية استخراج الغاز الطبيعي التقليدي. وحاليًا تستخدم تقنية تحطيم الأحجار بواسطة الماء المضغوط من أجل إحداث شقوق خلال المسام المحتوية على الغاز، وقد يصل الحفر اللازم لاستخراجه مسافة 3كم، وبعض هذا الغاز قد يكون ممتصًا في المواد العضوية التي نشأ منها، وحينئذ يجب تحريره بخفض الضغط في البئر، كما يلزم لاستخراجه حفر آلاف الآبار، فإذا ما عثر في إحداها عليه، يبدأ الحفر عرضيًا لاستخراجه.
وتشير دراسات إلى وجود احتياطات كبيرة من الغاز الصخري في أماكن على رأسها «الصين»، التي يقدر احتياطها منه بـ1115 تريليون قدم مكعبة، ثم «الأرجنتين»، بنحو 802 تريليون قدم مكعبة، تليها «الجزائر»، بحوالي 707 تريليونات قدم مكعبة، ثم «الولايات المتحدة»، بنحو 665 تريليون قدم مكعبة، و«السعودية» بحوالي 600 تريليون قدم مكعبة، و«كندا»، بنحو 573 تريليون قدم مكعبة، كما توجد أيضًا احتياطات كبيرة منه في المكسيك، والبرازيل، وأستراليا، وجنوب إفريقيا، وروسيا، وليبيا، وتونس، والمغرب، وفرنسا، وبولندا، غير أن أول اكتشاف له يعود إلى القرن الثامن عشر في الولايات المتحدة، حيث حفرت أول بئر لاستخراجه في 1821.
ورغم أن اعتبارات أمن الطاقة، وارتفاع أسعار المصادر الأخرى، تحفز تطوير تقنية استخراج الغاز الصخري، إلا أن المنظمات المعنية بالبيئة، حذرت كثيرا من المخاطر الجسيمة، التي يمكن أن تنجم عن عمليات استخراجه، ومدى تأثيرها على الإنسان والنظام البيئي برمته، حيث تتسبب عمليات التنقيب في تسرب الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري، ومن أهمها «الميثان»، إلى الغلاف الجوي للأرض، فضلاً عن تخلف كميات كبيرة من المواد الكيماوية الخطرة المستخدمة في هذه العمليات في أماكن التنقيب، وتأثير ذلك في أحواض المياه الجوفية.
ومع ذلك، فإنه بسبب أزمة الطاقة في أوروبا، خاصة بعد الحرب الأوكرانية، والعقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي، رفعت «بريطانيا»، الحظر المفروض على عمليات التكسير لاستخراج الغاز الصخري، والذي كان مفروضًا من عام 2019. وتشير التقديرات إلى أن مخزون هذا الغاز في أوروبا يفوق ما لدى الولايات المتحدة؛ غير أنه بسبب المحاذير البيئية، كانت ألمانيا، وفرنسا، وهولندا، واسكتلندا، وبلغاريا، قد حظرت عمليات التكسير الهيدرولكي، إلا أنه في ظل أزمة الغاز وعدم كفاية المصادر البديلة عاد النقاش مجددًا حول الاعتماد على الغاز الصخري الأوروبي.
وبعد الكشف عن احتياطات بنحو 665 تريليون قدم مكعبة من الغاز في «الولايات المتحدة»، قبل عقدين، تمكنت في عام 2017 من زيادة إنتاجها منه، حيث تجاوزت صادراتها للمرة الأولى الواردات، وطورت طرقا جديدة لاستخراجه، واعتمدت تسييله لتسهيل تصديره، بدلا من خطوط الأنابيب، وحظت هذه الصناعة بدعم متنامٍ من وزارة الطاقة الأمريكية. وعليه، غدت أكبر منتج له في العالم. وفي العام الماضي، بلغ إنتاجها من الغاز الطبيعي 100 مليار قدم مكعبة يوميًا، اعتمادًا على إنتاج الغاز الصخري، فيما اتجهت إلى أن تكون من أكبر مصدري الغاز المسال بمتوسط صادرات يوميًا بلغ نحو 10.85 مليارات قدم مكعبة يوميًا، ارتفع إلى 12.69 مليار قدم مكعبة يوميًا في 2023.
وبالنسبة إلى دول «مجلس التعاون الخليجي»، فإنه يتوافر لديها كميات تجارية من النفط والغاز الصخريين، تدعمها احتياطات ضخمة، وإمكانية توظيف أحدث تقنيات الإنتاج، وأقلها تكلفة. ومع نمو احتياجاتها من الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية، التي يتزايد استهلاكها بدلاً من النفط، فما كان مؤجلاً في السابق لقلة استهلاكها من النفط، أصبح مطلوبا الآن بعد أن زاد هذا الاستهلاك، وأخذ يطغى على نسبة كبيرة من صادراتها النفطية، التي تشكل المصدر الرئيسي لتمويل ميزانياتها.
ويبيّن الاهتمام بالغاز الصخري في دول الخليج، أن هذه المنطقة ستظل مركز أمن الطاقة العالمي لعقود طويلة قادمة. وقبل أن تعلن «السعودية»، اكتشافاتها الجديدة من الغاز، فإنها تعتبر سادس دولة في العالم من حيث إنتاجه بعد الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وقطر، وكندا. فيما أعلنت شركة «أرامكو»، اكتشاف عدد غير محدود من حقول الغاز الطبيعي. وجاء إعلان الاكتشافات الجديدة بعد شهرين من تدشين مشروع حقل «الجافورة» العملاق بالإحساء، وهو أكبر حقل غاز صخري خارج الولايات المتحدة، ويبلغ احتياطيه نحو 200 تريليون قدم مكعبة، وتتوقع «أرامكو»، بدء إنتاج الحقل في 2024، لتبلغ مبيعاته 2.2 مليار قدم مكعبة يوميًا في 2026.
وتشير التقديرات إلى أن «الرياض»، تمتلك نحو 600 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري، أي ما يعادل ضعف احتياطيها من الغاز التقليدي، فيما أعربت شركة «سينوبيك» الصينية عن اهتمامها بالمشاركة في مشروع الغاز الصخري بالجافورة، الذي يحوي أكبر طبقة غاز صخري في الشرق الأوسط، وتعتمد عليه «المملكة»، في تلبية نصف إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة والنصف الأخر من الغاز الطبيعي، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، فيما تبلغ استثمارات هذا الحقل 10 مليارات دولار في مرحلة التطوير، و68 مليار دولار نفقات رأسمالية خلال 10 سنوات، و100 مليار دولار استثمارات في (15–20) عاما المقبلة.
علاوة على ذلك، فإن من شأن الإنتاج المتوقع من هذا الحقل أن يجعل السعودية، أحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي عالميًا. ويسهم برنامج الغاز غير التقليدي لدى شركة أرامكو عند بلوغ ذروة إنتاجه؛ في الاستغناء عن نصف مليون برميل نفط يوميًا. وفي نوفمبر 2022، أعلن وزير الطاقة السعودي، الأمير «عبد العزيز بن سلمان»، اكتشاف الشركة حقلي غاز صخري شرقي البلاد، هما «أوتاد»، و«الدهناء»؛ ما يدعم استراتيجيات المملكة في برنامج إزاحة الوقود السائل في إنتاج الكهرباء.
وفضلا عن ذلك، دخلت خطط «الكويت»، لإنتاج الغاز الصخري، مرحلة متقدمة في مارس 2023، حين أعلنت أنها ستبدأ تشغيل محطتي إنتاج جديدتين، وأن معدل الإنجاز قد قارب نحو 70%، فيما يبلغ إنتاج هاتين المحطتين نحو 150 مليون قدم مكعبة يوميًا، وهي من المشاريع الاستراتيجية، التي تستهدف الوصول إلى إنتاج 950 مليون قدم مكعبة يوميًا، وتأمل «الكويت»، أن تؤدي هذه المشروعات، إلى تحولها من الاستيراد إلى التصدير، فيما تعد أكبر مستوردي الغاز الطبيعي بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي عام 2018، اكتشفت «البحرين»، أكبر مواردها من النفط الصخري والغاز في تاريخ البلاد في منطقة خليج البحرين غربي المملكة، على مساحة نحو 2000 كم2، يحتوي على نحو 80 مليار برميل من النفط الصخري، كما تقدر احتياطات الغاز بنحو 10 – 20 تريليون قدم مكعبة. وجاءت هذه التقديرات بعد إجراء جميع الدراسات، وتحليل المعلومات المتوافرة، واستخدام أحدث التقنيات، فيما يخدم إنتاج هذا الحقل مسعى مملكة البحرين للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2060.
وتعتمد «الإمارات»، على الغاز الصخري، كأحد المصادر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول 2030، وتصدير الغاز المسال. ويأتي هذا التحديد الزمني قبل عامين من انتهاء صلاحية عقود خط «دولفن» الرابط بين قطر والإمارات، والذي ينقل الغاز من حقل «الشمال» القطري إليها، فيما تستهدف أيضًا الاعتماد بنسبة أكبر على الغاز في توليد الكهرباء؛ ولهذا، أحدثت شركة «أدنوك»، تطويرًا مؤسسيًا، بتأسيسها شركة أدنوك للغاز في ديسمبر 2022، والتي تعد واحدة من أكبر شركات معالجة الغاز عالميًا، بطاقة تتجاوز 10 مليارات قدم مكعبة يوميًا. وتراهن الشركة في سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي على موارد الغاز غير التقليدي الواقعة في منطقة الرويس، وحقلي «أم الشيف»، و«باب». وفيما بلغ إنتاج الغاز 5.6 مليارات قدم مكعبة يوميًا العام الماضي، إلا أن معظم مشروعات البلاد لزيادة الإنتاج ولتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز مازالت في مرحلة التخطيط والتصميم.
ومع سعيها للحفاظ على موقعها الريادي في سوق الغاز العالمي، كأكبر مصدر للغاز المسال في العالم – برغم المنافسة التي وفرها الصعود الأمريكي في إنتاج وتصدير الغاز الصخري – تتجه «قطر»، إلى الاستثمار في شركات إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة، وأستراليا. فيما تستهدف «الدوحة»، الاستحواذ على 40% من تجارة الغاز العالمية بحلول 2030.
وبإضافة السعودية، والإمارات، وسلطنة عُمان؛ فإن منطقة الخليج، ستتحول إلى أكبر مورد للغاز عالميا، متخطية الولايات المتحدة، وروسيا، وأستراليا، إلى جانب كونها أكبر مصدر للنفط، ما يجعل المنطقة محور ومركز ارتكاز أمن الطاقة في العالم، ويجعل «مجلس التعاون الخليجي»، قوة جيوسياسية واقتصادية، جديرة باهتمامات القوى الكبرى العالمية، وهو ما شاهدناه من تتابع الزيارات رفيعة المستوى للمنطقة، وانعكس أيضًا في تنويع وتوازن علاقاتها الخارجية مع هذه القوى، كما سيمكنها هذا الوضع من التأثير بشكل أكبر في مستوى المعروض العالمي من هذه الموارد الحيوية للطاقة ومستوى الأسعار.
على العموم، تتحقق هذه الأهداف إذا ما نسقت دول «مجلس التعاون» فيما بينها، بإقامة شبكة خليجية متكاملة للغاز الطبيعي، وتوفير البنية التحتية الداعمة، سواء لجهة التصدير أو الاستخدامات الخليجية، والنظر في مشروع خليجي مشترك لبناء ناقلات النفط والغاز، والتطلع إلى مد خطوط أنابيب للأسواق الرئيسية، كمشروع خط الأنابيب الخليجي إلى أوروبا عبر تركيا، والخليجي إلى آسيا الوسطى عبر تركمانستان.
وفيما يمثل الغاز أنظف أنواع الوقود الأحفوري، فإنه في ظل الضغوط المناخية القائمة سيزداد الطلب عليه، وترتفع أسعاره؛ ما يخلق فرصًا لدول الخليج لتدعيم استثماراتها والاستفادة من احتياطاتها من الغاز الصخري، ولعل ما يدعم نمو إنتاجه، الصناعات التي تميزت بها دول الخليج عالميًا، وبالأخص صناعة البتروكيماويات، والألمونيوم، وهي المشاريع كثيفة الاستخدام للغاز.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك